مخطط لتحويل هذه البلدان إلى أداة في يد الأنظمة المعادية للجزائر    أحزاب سياسية تعلن دعمها اللامشروط للقيادة السياسية في البلاد    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الشؤون الخارجية الإيراني    التأمينات تحقق رقم أعمال يزيد عن 181 مليار دج في 2024    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50810 شهيدا و115688 جريحا    وفاة 32 شخصا وإصابة 2030 آخرين بجروح في حوادث المرور    وفاة ضابط وإصابة 3 أعوان للحماية المدنية بجروح    الديوان يسخر مراكز للتكوين والتدريب لفائدة الحجاج    السيد شايب يبحث مع المستشار الدبلوماسي لرئيسة مجلس الوزراء الإيطالي العلاقات الثنائية وآفاق تطويرها    سوناطراك: السيد حشيشي يعقد بإيطاليا سلسلة من اللقاءات مع كبار مسؤولي شركات الطاقة العالمية    المجلس الشعبي الوطني: لجنة الصحة تستمع إلى المدير العام للهياكل الصحية بوزارة الصحة    اختتام أشغال مؤتمر "الجزائر المتصلة 2025"    الإحصاء أساس القرارات الصائبة لضمان الأمن الغذائي    ادعاءات مالي باطلة هدفها تحويل الأنظار عن أزمتها الداخلية    دعوة المجتمع المغربي للانخراط في معركة مناهضة التطبيع    كيانات ودول معادية تجنّد طغمة باماكو ضد الجزائر    جرد أملاك الدولة سند قوي للإصلاحات الاقتصادية    تلاحم الشعب مع جيشه يعكس صلابة الجبهة الداخلية    منصة "أدرس في الجزائر" خدمة للطلبة الدوليين    دعم تام لمشروع تطوير إنتاج الليثيوم    تقنية الجيل الخامس لجعل الجزائر محورا إقليميا في تكنولوجيا المعلومات    الفيفا تنظم ندوة حول بالجزائر    حجز 26 طنّا من الكيف و147 كلغ من الكوكايين    ورشة لتقييم نظام الأدوية واللقاحات    أجواء الجزائر مُغلقة في وجه مالي    الجزائر محمية باللّه    مزيان يستقبل وفدا عن سي آن آن    ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء    المغرب : إضراب وطني في جميع الجامعات للمطالبة بإسقاط كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني    مشاكل التسويق ترهن جهود الماكثات في البيوت    "الطبيخ".."المحلبي" و "البالوزة" إرث محفوظ بقسنطينة    إبراز أعمال المؤرخ الجزائري الراحل عمر كارلييه    مواصلة رقمنة المخطوطات والمؤلّفات النادرة ضرورة    بالإصرار والعزيمة التأهل ليس مستحيلا    ملتقى حول "تعزيز الجبهة الداخلية والتلاحم الوطني" بالنادي الوطني للجيش    مدرب مرسيليا يؤكد عودة غويري في لقاء موناكو    "السياسي" متحمس للعودة بالتأهل من العاصمة    إحياء التراث الموسيقيّ وتكريم دحمان الحراشي    اليوم العربي للمخطوط: لقاء علمي بالجزائر العاصمة حول حفظ وصيانة المخطوطات    فنزويلا "ضيف شرف" الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقي السيمفونية    برج بوعريريج.. توزيع قرابة 3000 مقرر استفادة من إعانات البناء الريفي قريبا    ترامب يطلق حرب التجارة العالمية    وفاة ضابط وإصابة 3 أعوان للحماية المدنية بجروح في حادث مرور بخنشلة    سيدي بلعباس..إبراز أهمية دور العلوم الإنسانية والاجتماعية في تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي    جازاغرو 2025 : 540 مؤسسة في مجال الصناعات الغذائية والتعليب والتغليف تعرض منتوجاتها    حج 2025 : تسخير مراكز للتكوين والتدريب لفائدة الحجاج عبر مختلف بلديات ودوائر الوطن    المغرب: تسويف حكومي يهدد القطاع الصحي بالانفجار والعودة الى الاحتجاجات    وفاة شخص وجرح 204 آخرين في حوادث المرور    مختصون وباحثون جامعيون يؤكدون أهمية رقمنة المخطوطات في الحفاظ على الذاكرة الوطنية    مواي طاي (بطولة افريقيا- 2025- أكابر): مشاركة 12 مصارعا في موعد ليبيا المؤهل إلى الألعاب العالمية- 2025 بالصين    تنظيم الطبعة الأولى من 12 إلى 15 أفريل    الشباب يستعيد الوصافة    كأس الكونفدرالية/ربع نهائي إياب: شباب قسنطينة يتنقل هذا المساء إلى الجزائر العاصمة    تصفيات مونديال سيدات 2026 (أقل من 20 عاما): المنتخب الجزائري يجري تربصا تحضيريا بسيدي موسى    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    أعيادنا بين العادة والعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو القطيعة مع سنوات الجفاف اللفظي
نشر في صوت الأحرار يوم 15 - 07 - 2009

كنت في حاجة إلى مقابلة طبيب في عيادة جراحية خاصة بدأت تشق طريق "نجوميتها" في جوّ العاصمة الصحي المتقلب. نجومية في حاجة إلى تدقيق حول إن كانت وليدة غياب المنافسة الحقيقية في هذا المجال، أم أنها محصلة جهد حقيقي وخدمة صحية راقية تصاحبها أسعار معقولة.
كان الأمر مجرد ورقة ضمان اجتماعي حمراء عليها ختم وتوقيع العيادة احتاجها مريض أجرى عند القوم عملية جراحية في وقت سابق، وطلب مني خدمته في هذا الأمر لبعد الشٌقة بينه وبين العاصمة. دخلت وقلت لإحدى موظفات الاستقبال: أريد مقابلة الدكتور فلان، فقالت من حظك أنه سيجري اليوم عملية جراحية، فقلت متى أعود إذن؟ ردت بتأفف واضح واستغراب وكأني طلبت منها تحديد وقت حدث فلكي بعد عدة قرون.. قالت: لا أستطيع أن أقول لك أي شيء، إنه يأتي ثم يذهب.. تدخّل الحارس أيضا في الأمر ليساعدها على إقناعي بقبول هذا الأمر الذي يبدو لهم بديهيا وطبيعيا.. فقلت يا جماعة لم أطلب مستحيلا: متى يأتي ومتى يغادر وسآتي قبل حضوره أو مغادرته بساعة أو أقل أو أكثر.. أنا مستعد للانتظار لكن ليس دون حدود.. أعطوني وقتا تقريبيا على الأقل ما دامت الدقة غائبة في عيادة خاصة، وأردفت بقولي: لن أحاسبكم إذا تأخر عن الموعد التقريبي الذي تحددونه..
وأمام إصراري "تكرّموا" بإخباري بموعد شبه عائم فخرجت وأنا أحدث نفسي بأن معنى كلام الموظفة في البداية أن أحضر معي فراشا وغطاء وصورة للدكتور ربما أحصل عليها من الأنترنت، لأني لا أعرفه شخصيا، ثم أنتظر أمام مبنى العيادة طوال أيام الأسبوع حتى أقابله إن كنت محظوظا ووجدت إلى ذلك سبيلا.
الإدارة الحديثة، خاصة في مجال الأعمال الخاصة، تعتمد على قاعدة أساسية: كيف أخدمك أيها المراجع؟ أيها الزبون، أيها الزائر، كيف أسهّل الأمر عليك؟.. الزبون على حق دائما حتى لو أخطأ، لن يخرج الزبون أبدا وفي نفسه شيء من الغضب أو الانزعاج من إدارتي أو شركتي أو عيادتي.. وهكذا في الدول الناطقة باللغة الانجليزية يقابلك موظف الاستقبال بابتسامة ثم يبادرك: Can i help you، هل أستطيع مساعدتك؟ فهو في الأصل هناك للمساعدة والخدمة والتوجيه واختصار وقت الإدارة والمراجعين على حد سواء، ويقبض راتبه على هذا الأساس.. ورزقه، والرزق على الله، يعتمد على تلك الابتسامة وذلك الترحيب والاستقبال الحارّ الذي يقابل به الضيوف والمراجعين.
إن المظاهر السلبية في الخدمة والاستقبال لدى كثير من المؤسسات الخاصة تؤشر إلى أننا انتقلنا إلى القطاع الخاص واقتصاد السوق وحملنا معنا، للأسف الشديد، مخلفات ورواسب القطاع العام، بوعي أو دون وعي. إن المطلوب من القطاع الخاص في بلادنا هو إعلان القطيعة الصارمة مع عقليات وسلوكيات الماضي الإدارية، ومن ثم الانفتاح الحقيقي الجادّ على الجديد في مجال الاتصال والتعامل مع الآخرين والآليات الحديثة في خدمة العملاء والزبائن، وهي فنون تدرس على أعلى المستويات وتعطى فيها الشهادات ويُقدّر فيها أصحاب الخبرات، وإن كانت في مضمونها غير غريبة عنا وعن ثقافتنا وتراثنا، ففي نصوص ديننا وأدبياتنا نجد الابتسامة والمساعدة والتطوع والكلمة الطيبة، ونجد قبل ذلك وبعده إتقان العمل والإحسان فيه.
إن الابتسامة ومساعدة الزبون هي مفتاح كثير من الأعمال في عالم اليوم، والمؤسسات الناجحة في العالم المتقدم تعلّم الموظفين لديها، خاصة الذين يتعاملون مع الجمهور والزبائن، تعلّمهم فنون الابتسام، حتى يتمكنوا من كسب زبائن جدد والحفاظ على القدامى.
والابتسامة لها مفعول أقرب إلى السحر، وليس أمام من يريد التواصل مع الآخرين إلا تعلمها لتصير ملازمة له وجزء من تركيبة شخصيته ومظهره الخارجي.. وفي ديننا الحنيف نجد ذلك وبتأكيد وترغيب، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تبسمك في وجه أخيك صدقة". وقوله: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق".
يقول المثل الصيني: "الذي لا يحسن الابتسامة لا ينبغي له أن يفتح متجرا"، وأطرف ما قرأت مؤخرا في في إحدى الجرائد الوطنية: "سيضطر عمال شركة نقل عبر السكك الحديدية باليابان إلى الابتسامة أمام جهاز خاص يمنح نقطة وملاحظات للعامل قصد تحسين ابتسامته ومن ثم تحسين استقبال الزبائن، ويبلغ عدد العمال المعنيين خمسمائة عامل، واستعانت عدة شركات يابانية بهذا الجهاز من أجل تحسين نوعية ابتسامات عمالها لتحسين نوعية استقبال الزبائن".
مخلفات كثيرة ورواسب قد تعود إلى عقود طويلة شكلت أجزاء مهمة من نفسية المواطن الجزائري وتحتاج من المتخصصين والمرشدين والباحثين والإعلاميين إلى مراجعة ونقد وتقويم.. وإذا كنا نفتخر بأن الجزائري مباشر وصريح ولا يقبل اللفّ والدوران والمجاملات الفارغة كما هي عادة شعوب عربية أخرى؛ فإن الوقت قد حان لمصارحة أنفسنا والبحث بجدية في أسباب هذا التجهم والعبوس والكلام الخشن الذي يطبع نسبة كبيرة من أبناء شعبنا، ومن مختلف الفئات حتى النساء، .. بحث يقودنا إلى الدواء المناسب، وخلال سنوات معدودة ستكون الابتسامات والمجاملات والكلمات الحلوة الطيبة هي سيدة الموقف ونودع حينها سنوات "الجفاف اللفظي" و"التصحّر العاطفي"، ونرى النتائج بعد ذلك في علاقاتنا ومؤسساتنا وطرقاتنا وحتى في قطاعنا السياحي وحجم الاستثمارات العربية والأجنبية في البلاد.. يقول أحدهم: الألفاظ هي الثياب التي ترتديها أفكارنا فيجب ألا تظهر أفكارنا في ثياب رثة بالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.