هناك الكثير من الشعراء الذين أنعم الله عليهم بنعمة الموهبة فاستوطنهم الشعر ومنحهم أسراره فكانوا شعراء بالفطرة سكنوا الكلمة التي وسعت الكثير من المساحات الكونية ومازالت تقوم بفتوحات الجمال والفن والعلم، ومن هؤلاء الشعراء الموهوبين الشاعر الشعبي البسكري لوصيف قدواري. لوصيف قدواري لم تغمره الأضواء كبقية الشعراء، بل اختار السير الشعري في صمت إلا صمت الكلمات التي يستظل بها كلما لفحته حرارة شعر الصحراء فاستند الى جذع نخلة يستبرد منها الهواء، ويستقرئ منها الحكمة فتساقط عليه شعرا جنيا. الشاعر لوصيف قدواري من مدينة بسكرة ويعود الى عرش اولاد عمر ومقيم بمدينة سيدي عقبة من مواليد ،1942 التحق بعد الاستقلال بالجزائر العاصمة ليدرس بمدرسة علي خوجة لمحو الأمية. يصف الوصيف قدواري نفسه بالحس الرهيف الذي يتفاعل مع المواقف الطارئة ويحولها الى مخبره الشعري لتنضج قصيدة فيها من التجربة والحكمة ما يدل عليها. أما أول قصيدة نظمها فكانت تدور حول الفاتح من شهر نوفمبر 1954 حيث يقول فيها: ''نحكي على 45 نحكي ما شافوا عينيا وفي زمانها الأسد محقور من الشاة يعطوه الرِّيَه إلا تكلم تحطوه للكي، وإلا سكت مرارة الحيّه الدمر، وقلبو تعمر، وصدفي يومها عشية قسم بالله ما يبات حد الجبال الرسية للغرب حدود المروك وللشرق حدودها تونسيه في أوراس هلل وكبر وتلايمت من كل فية'' ويختم الشاعر قصيدة نوفمبر بالقول: ''تمام سبعه ونصف سمعت براح يبرح بأصوات قوية يامن راحتلك ريمة الريام هات الشارة وهيا طلقوها تنوض الطيح ملطخة بدم الضحية وقت الي شفتها تغاشيت من الصباح فطنت لعشية وكفطنت هزيت لعلام مبروك يابلادي عليا'' رغم أن لوصيف قدواري شاعر عصامي إلا أنه كان يتابع الشعراء سواء بشعراء الملحون أو الفصحى وقد تأثر بالبعض منهم أمثال الشاعر الكبير شاعر الثورة مفدي زكريا والفنان الشاعر رابح درياسة، والمطرب الكبير خليفي احمد والفنان الراحل دحمان الحراشي والاستاذ الراحل أحمد وهبي وغيرهم من المطربين الجزائريين الذين اهتموا بالتراث الشعبي الجزائري والشعراء الذين تركوا بصماتهم واضحة على الشعر الجزائري. رغم بعده عن الأضواء، إلا أنه شارك في عدة تظاهرات ثقافية ببسكرة والتي منح فيها شهادات تقديرية حيث تجاوزت العشر شهادات من بسكرة وحدها بالاضافة الى التتويجات الشرفية عبر ولايات الوطن. أما اهتمامه بالشعر الشعبي فيرى أنه كان من بين السلاح الفتاك الذي استخدم ضد الاستعمار الفرنسي منذ دخوله الجزائر بالقوة العسكرية الى ان خرج منها مذموما مدحورا بالقوة والكفاح المسلح، حيث كان الشاعر محرضا على الثورة وموقظا للعزائم. أما عن سبب عدم اصداره لديوان شعر أو مجموعات شعرية فيرجعها الى سد الأبواب وقلة التشجيع بالإضافة الى إمكانياته المادية المحدودة والتي لا تسمح له بتحمل تكلفة الطبع. الشاعر قدواري لوصيف شاعر الحكمة والتجربة، ويظهر من خلال اشعاره انه متأثر برباعيات سيدي عبد الرحمان المجدوب، حيث يقول في إحدى قصائده: ''بالريح عملوا مراويح وعطاو للريح راحة قرن الرحمة كمل وراح ودخل قرن القباحة وقت لي يجوا الجياح نستقبلهم بالجياحة'' وفي قصيدة اخرى عنونها ب»جزاء كل غافل« ويصب فيها تجربته الحياتية فيقول: ''الدنيا بحر وبحور وبامواجها الغافل الداتو باوساخها عاد فخور تضحكلو ومزهياتو يكسب أموال قارون لكن ماهيش كافياتو'' ومن قصائد الحكمة أيضا يقول الشاعر لوصيف قدواري : ''نداوي في جروح الناس وأنا جرحي نسيتو نحوس على جمرة الصبر صبتها وبها كويتو'' هذه بعض النماذج من هذا الشاعر الشعبي الفحل الذي يعد قامة من قامات الشعر الشعبي الجزائري جادت به مدينة بسكرة مثلما جادت بأفضل تمور العالم نخلتها الباسقة.