قانونيون يقرون تغليب الحماية على حساب العقاب للأحداث الجانحين أحاط المشرع الجزائري الحدث الجانح بترسانة من النصوص القانونية التي تؤمن له الحماية بحكم صغر سنه، وجعل العقوبات المقررة للأفعال التي يرتكبها تنحصر بين التوبيخ وإرساله إلى مراكز إعادة التربية، في قانون الإجراءات الجزائية على سبيل المثال، نجد المشرع قد أفرد الأحداث بجملة من المواد القانونية الخاصة يفوق عددها 50 مادة، تتوزع بين المادة 442 إلى 494 من قانون الإجراءات الجزائية، وبالتالي فالمشرع الجزائري جعل طريقة التعامل الإجرائية مع الأحداث تختلف عن البالغين من حيث الإجراءات وكذا العقوبات وحتى في طريقة اختيار القضاة. يعرّف رجال القانون الحدث على أنه ذلك الشخص الذي لم يكمل 18 سنة من عمره، وارتكب فعلا معاقبا عليه، وحتى تتم معاقبته، وجدت أقسام خاصة تتولى النظر في قضيته وتسمى بأقسام الأحداث الموجودة على مستوى كل محكمة، وتتشكل من قاضي الأحداث رئيسا، ومساعدين متخصصين، بينما يختص قسم الأحداث بمحكمة مقر المجلس بالنظر في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث. وعن تدابير مراقبة وحماية الأحداث التي نص عليها المشرع الجزائري حدثنا الأستاذ يوسف وهو محام معتمد لدى المجلس فقال ''يجوز لقاضي الأحداث أن يسلم الأحداث الذين ارتكبوا أفعالا يعاقب عليها القانون مؤقتا إلى والديه أو وصيه أو الشخص الذي يتولى حضانته أو إلى شخص جدير بالثقة، وفي حال عدم وجود من يتكفل به يتم توجيهه إلى مركز الإيواء وهي مؤسسات معدة لهذا الغرض سواء كانت عامة أم خاصة، كما يمكن أن يتم توجيهه إلى مصلحة الخدمات الاجتماعية المنوط بها معاونة الطفولة أو إلى مؤسسة تهذيبية أو للتكوين المهني أو العلاج تابعة للدولة أو لإدارة عامة مؤهلة لهذا الغرض أو مؤسسة خاصة معتمدة''. وإذا رأى قاضي الأحداث أن حالة الحدث الجسمانية والنفسانية تستدعي فحصا عميقا يجوز له أن يأمر بوضعه مؤقتا في مركز ملاحظة معتمد، ومن خلال هذه التدابير الأولية يتضح مدى حرص المشرع الجزائري على تأمين الحماية اللازمة للحدث حتى وإن كان جانحا. وأضاف المتحدث قائلا ''لا يجوز وضع الحدث المجرم الذي لم يبلغ من العمر 13 سنة كاملة في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة، ولا يجوز وضع الحدث الذي يفوق عمره 13 سنة ولو مؤقتا في مؤسسة عقابية إلا إذا كان هذا التدبير ضروريا أو استحال أي إجراء آخر. ويجوز لقاضي الأحداث أن يراجع في كل وقت تدابير الحماية من تلقاء نفسه، أو بطلب أحد أطراف الدعوي''. كما أشار المحامي أيضا إلى أن جلسات محاكمة الأحداث تجري بصورة سرية، ويجوز استئناف الأحكام الصادرة عن قسم الأحداث أمام غرفة الأحداث بالمجلس القضائي. من جهة أخرى استعرض الأستاذ يوسف جانب الحماية الذي ركز عليه المشرع الجزائري فيما يخص الأحكام حيث قال ''الأحكام الصادرة في قضايا الأحداث الجانحين تم التميز فيها بين فئتين، بالنسبة للفئة الأولى هي التي تخص الحدث الجانح أقل من 13 سنة، حيث تتراوح عقوبتهم بين التوبيخ بالنسبة للمخالفات، أما بالنسبة للجنح والجنايات فتكون العقوبات بين تدابير الحماية أو التربية، أما فيما يخص فئة الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة فتكون العقوبة بين التوبيخ والغرامة إذا كان الفعل المرتكب مخالفة. وإذا تعلق الأمر بالجنح والجنايات تصل العقوبة إلى 20 سنة سجنا إذا كانت العقوبة المقررة هي الإعدام أو السجن المؤبد للفعل المرتكب إلى جانب الغرامة، وبالتالي كل هذه الامتيازات الإيجابية التي أقرها المشرع الجزائري تصب في مصلحة الحدث''.
النصوص القانونية ركزت على الحماية على حساب العقاب اتفق بعض القانونين الذين تحدثوا إلى''المساء'' حول تكفل النصوص القانونية بتأمين الحماية اللازمة للحدث الجانح، إلا أنهم اعتبروا النصوص القانونية في حاجة إلى إعادة النظر في بعض فصولها، ولعل من أهم النقاط التي تم طرحها تخص التكفل النفسي لفئة الأحداث الجانين، حيث يقول الأستاذ سعيد وهو محام معتمد لدى المجلس ''أعتقد أنه آن الأوان لإعطاء أهمية أكبر للمساعدين الاجتماعيين والأخصائيين النفسانيين، إذ ينبغي أن لا يكون دورهم استشاريا وسطحيا، لأن الجانب النفسي غاية في الأهمية بالنسبة للأحداث الجانحين الذين تدفع بهم في الغالب الظروف الاجتماعية التي يعيشونها إلى ارتكاب أفعال تفوق تلك التي يرتكبها البالغون في بعض الأحيان، إلى جانب هذا هناك نقطة مهمة ينبغي الحديث عنها، وتتعلق بمراكز إعادة التربية، ففي رأيي الأجدر لأي حدث جانح هو إعادته إلى عائلته، وفي غياب هذا الاحتمال لابد من إنشاء مراكز متخصصة يكون هدفها تربويا، أي تسهم في إعادة تقويم سلوك الحدث الجانح، وهو ما لا نلمسه من خلال المراكز المتوفرة التي أعتقد بحكم خبرتي أنها عبارة عن مراقد تغيب فيها المتابعة الفعلية للحدث، بدليل أننا نرافع في قضايا جانحين مسبوقين، إلى جانب هذا ينبغي أن لا يقتصر دور قضاة الأحداث على إصدار الأحكام فحسب، بل ينبغي عليهم متابعة الأحداث الجانحين الذين يتم إرسالهم إلى مراكز إعادة التربية لمعرفة إلى أي مدى كانت العقوبة نافعة، وإن كانت هناك فائدة من هذه السياسة العقابية حتى يتدخل قاضي الأحداث بحكم السلطة التقديرية الواسعة التي يتمتع بها لتغيير العقوبة مثلا'' يقول الاستاذ يوسف.. ومن جهته الأستاذ فريد وهو محام معتمد لدى المجلس، تطرق إلى نقطة يعتبرها هامة ينبغي للمشرع أن يعيد النظر فيها لمصلحة الحدث، لأنها وراء معاملة الأحداث في بعض القضايا على أنهم بالغون، فتطبق عليهم الإجراءات القانونية التي تطبق على البالغين ويقول ''في كثير من الحالات يرتكب الحدث فعلا معاقب عليه ويكون سنه مثلا 17 سنة، إلا أنه عند المتابعة بعد التحقيق معه وسير الإجراءات يبلغ الحدث سن الرشد، في هذه الحالة يتم تغيير التعامل معه من حدث إلى بالغ، لأن العبرة تؤخذ من يوم النطق بالحكم، وليس من يوم ارتكاب الفعل أين كان الجاني حدثا. لأجل هذا يتم إلحاق بعض الأحداث بالبالغين''. من جهة أخرى انتقد ذات المتحدث النصوص القانونية المطبقة على الأحداث الجانحين، حيث قال إنها ركزت في مجملها على جانب الحماية على حساب العقاب، وبالتالي غذى غياب الجانب الردعي في العقاب عنصر الجريمة عند الأحداث، ناهيك عن قلة المراكز المتخصصة التي من المفروض يكون دورها إصلاح الأحداث وتقويم سلوكهم بالدرجة الأولى. ومن جهتها المحامية ''أمينة. ح'' ترى أنه لابد من إعادة تأهيل المراكز التي تتولى إعادة تربية الأحداث الجانحين، فعلى الرغم من وجود هذه الأخيرة إلا أن النتائج الملموسة على أرض الواقع تظل قليلة بالنظر للكم الهائل من قضايا الأحداث التي تعرض على المحاكم، وترجع المتحدثة سبب تنامي جنوح الأحداث بالدرجة الأولى إلى تراجع دور الأم التربوي بحكم خروجها للعمل، ناهيك عن الارتفاع الكبير في عدد قضايا الطلاق، حيث تقول ''سابقا كان لدينا فرع واحد يتناول قضايا الأحوال الشخصية، ولكن اليوم لدينا فرعان وأكثر في بعض المحاكم بعدما أصبح القاضي عاجزا عن الفصل في العدد الكبير لقضايا الطلاق وما ينجر عنها من تبعات، إلى جانب هذا ترى ذات المتحدثة أنه لابد من إعطاء أهمية أكبر للأخصائيين النفسانيين والاجتماعين عندما يتعلق الأمر بحدث، سواء كان ضحية أو متهما، لأن المسألة تتعلق بطفل لسبب ما ارتكب فعلا، والأكيد أن هذا الفعل يؤثر لا محال على نفسيته ونموه، لذا لابد من إعطاء أهمية أكبر للجانب النفسي للأحداث قبل عرضهم على المحاكم.