تجار ألفنا رؤيتهم كل سنة في نفس الفترة -فصل الصيف- على الشواطئ، تجار متنقلون بدون رخصة وبدون سجل تجاري، هم باعة ''البينيي'' الصغار أو الكعكة المحلاة والشاي والماء المعدني ومختلف المشروبات الغازية التي اقتربت من بعضهم جريدة ''المساء'' محاولة معرفة ما أدى بهم إلى العمل في مثل هذه السن المبكرة. ''بينيي سخونين'' هي الكلمة التي نسمعها من بعيد لتبلغنا أن باعة الكعكة المحلاة قد قدموا حاملين بين ذراعيهم صينية مليئة بهذه الحلوى التي يحبها المصطافون . ''آتاي سخون'' أو ''حامي'' غيرها هي الكلمات التي يرددها باعة الشاي الحاملين لذلك الإبريق الأصفر من الشاي ولقفة فيها أكواب بلاستيكية وبعض المكسرات والسجائر. ''سعيدة باردة''، ''كوكا باردا'' وغيرها هي الكلمة التي يردّدها باعة المياه المعدنية والمشروبات الغازية حاملين سلعهم تلك على ظهورهم في محافظ. هم أطفال صغار تتراوح أعمارهم ما بين السابعة والخامسة عشرة سنة أثاروا فضول جريدتنا التي استفسرت بعضا منهم عن التجارة التي يمارسونها بدءا ببائعي ''البينيي''، حيث كان رد ''محمد'' البالغ من العمر اثنا عشرة سنة (12 سنة) والذي لا زال يدرس في الطور الابتدائي أنه ''يعمل منذ خمس سنوات كبائع ''للبنيي'' هو ومجموعة من رفاقه طوال فصل الصيف، يبدأ عمله هذا في حوالي الثانية بعد الزوال أو في حدود العاشرة صباحا خلال أيام الجمعة والسبت (نهاية الأسبوع)، حيث يشتري ما يقارب 150 حبة من إحدى الجارات التي تعودت على إعدادها في الصيف وبيعها لعشرة من أبناء الحي (وهي الكمية القصوى التي يمكن أن تحملها الصينية) بسعر عشرة (10) دنانير للحبة الواحدة والتي يعيد بيعها إلى المصطافين ب 25 دينار وقد تتكرر عملية شراء الصينيات من مرتين إلى ثلاث حسب إقبال عدد المصطافين على الشاطئ. أما ''فاتح'' وهو بائع للشاي، فقد تعوّد على ذلك منذ سن الخامسة مع أبيه وهو الآن في الرابع عشرة من عمره حيث يقول إنه ''لم يرغم على الذهاب مع أبيه بل كانت طريقة للتسلية وبمرور الزمن تعلم ''الصنعة''، تعلم طريقة إعداد الشاي وحده والبيع وحتى المجاملة، مضيفا أنه أصبح يتقن المهنة ولديه زبائنه الخاصون. يبيع كأس الشاي ب30 دينارا، أما السجائر والمكسرات فهي سلعة إضافية بالنسبة له أما ''حميد'' بائع المياه المعدنية، فإنه يحمل ما يبيعه في محفظته (التي ربما توضع فيها الكتب والكراريس خلال السنة الدراسية، والتي تتحوّل إلى وسيلة للعمل تحمل فيها القارورات) وهي الحال بالنسبة لصديقه ''هشام'' بائع المشروبات الغازية ورفيقه في العمل. تشترى المياه المعدنية والمشروبات الغازية بسعرها العادي، توضع في الثلاجة لتباع في الغد بسعر 70 دينارا و100 دينار، عشرون قارورة في محفظة كل منهما. يقطعون يوميا عشرات الكيلومترات على شواطئ سيدي فرج وزرالدة لبيع سلعهم ويتحدّون الحرارة وكل المصاعب التي يمكن أن تواجه دربهم فالذهاب إلى هذه الشواطئ غالبا ما يكون سيرا على الأقدام وإذا حالفهم احظ تقلهم إحدى الحافلات المتجهة إلى هناك. أطفال تعوّدوا الحصول على المال وتحمّل المسؤولية في سن مبكرة ما لاحظناه على هؤلاء الأطفال هو الشطارة في التعامل مع المصطافين المقبلين على سلعهم والمجاملة في طريقة تكلمهم مع الزبائن وكأنه تدريب تلقوه طوال عملهم هذا. يتقاضون من 20 إلى 30 ألف دينار في الشهر وفكرة العمل مبادرة اتخذها البعض منهم لوحدهم، حيث تعودوا الحصول على المال بأنفسهم دون انتظار الدينارات القليلة التي يعطيها لهم آباؤهم، حيث يقول ''محمد'' بائع البينيي إنه ''يتحمس كل سنة بقدوم فصل الصيف فهو الموسم الذي يحصل فيه على المال لشراء الملابس خاصة وكل ما يريده ليتباهى بها على أصحابه''، وهو الحال بالنسبة للعديد من الباعة الآخرين. أما بالنسبة لرأي آبائهم في الموضوع، فإن ''لمين'' بائع المشروبات الغازية يقول إن ''والديه لا يتدخلون في ذلك بل بعضهم لا يكترث على عكس البعض الآخر الذي يحفزهم ويدفعهم إلى ذلك وهو شأن ''فاتح'' بائع الشاي الذي يقول إن أباه يدفعه إلى الذهاب للبيع في فصل الصيف لشراء ما يلزمه من أدوات للاستعداد للدخول المدرسي، ويضيف أنه ''يسعى إلى مساعدة عائلته في تحمل النفقات بدل التسكع في الطرقات بعبارة ''الشيخ كبر'' (أي أن أباه طعن في السن وحان الوقت للتخفيف عن عائلته). أما الطفل ''خالد'' بائع المشروبات الغازية فهو ببساطة يقول ''أنا نحب التبزنيس'' -أحب العمل في التجارة وربح المال- وقد لاحظنا ذلك في طريقته في حساب ما جناه من مال رغم صغر سنه التي تشبه طريقة التجار المحترفين. ويضيف أنه ''قبل أن تنتهي السنة الدراسية وفي أواخر شهر جوان كان يتحمس للخروج من القسم والذهاب للبيع فلا وقت يضيعه''. عائلات تدفع أبناءها للعمل في فصل الصيف هي عائلة حدثنا عنها أحد باعة ''البينيي'' والذي قال لنا إنها تجمع بعض أطفال الحي -حوالي عشرة- الراغبين في العمل لديها وبدل بيعهم ''الحبة ب10 دنانير'' تعطي صينية واحدة لكل واحد منهم لبيعها وتتقاسم معهم الأرباح. وعن حال هذه العائلة يقول إنها عائلة فقيرة وربة البيت هي التي بادرت في الفكرة منذ خمس سنوات وهي توظف أبناءها الإثنين لمساعدتها في تحمل مصاريف العائلة كونها تسكن في بيت قصديري ما ساعدها في ترميمه. وهو الحال بالنسبة لأسرة أخرى والتي اكتشفت هذه الطريقة في ربح المال، حيث استطاعت بناء بيت ضخم -يقول نفس البائع- حتى أن رب العائلة غضب لدى قرار السلطات ترحيله في إطار القضاء على السكنات القصديرية، فهو عمل مربح بالنسبة له. وكما ذكرنا سابقا، فإن عدد المصطافين المقبلين على الشواطئ هو الذي يحدّد الأرباح وعندما يكون الجو غير ملائم أو البحر هائجا فإن كمية كبيرة لا تباع وفي هذا تجمع ربات البيوت اللواتي يبادرن في هذا المشروع ما تبقى منها في أكياس كبيرة لتوزعها على بقية الجيران. آراء بعض المصطافين سألنا بعض المصطافين عن رأيهم حول هؤلاء الباعة الصغار وكان رد العديد منهم متشابها ''يغيضوا مساكن'' باعة بؤساء مثيرون للشفقة لعلّهم يعيشون حياة مزرية فمن لا يأسف لرؤية طفل يقطع عشرات الكيلومترات كل يوم في مثل هذا الفصل الحار يمشي حافيا مرتديا ملابس قد توحي بفقر العائلة -وقد يكون الأمر عكس ذلك- كما أن العديد من الزبائن لا يشترون فقط تلك المأكولات والمشروبات بل يضيفون إليهم ''بقشيشا''، إلاّ أن باعة ''البينيي'' هم الأكثر شفقة بالنسبة لهم فسعر المشروبات الغازية والمياه المعدنية مبالغ فيه في اعتقادهم. ويبقى بعض المصطافين يرفضون اقتناء أي شيء من هؤلاء الباعة خوفا من التسممات الغذائية: فكم مرة تستبدل فيها الزيت في قلي الكعكات بل وكيف تصنع، وهذا ما يجعلهم يفضلون إحضار المياه والمشروبات الغازية ومأكولاتهم من المنزل تجنبا لأي مرض أو نفقات أخرى.