يحتضن قصر رياس البحر الى غاية 16 نوفمبر القادم، معرضا للصور الفوتوغرافية تبرز لقطات من الحياة اليومية بالعاصمة وقعها مبدعون جزائريون وأوربيون. لا مثيل للصورة في صدقها في نقل الحياة مجسدة كما هي، الأمر الذي استوجب عرض ما التقطته عدسات آلات التصوير للجمهور كي يكتشف لقطات لم ينتبه إليها في سريان شريان الحياة بالعاصمة. اصطفت تلك الصور على جدار قصر رياس البحر بقلب العاصمة تعرض بالتناوب مظاهر من حياة العاصميين وتراثهم الذي أدهش المصورين الأجانب. كل الصور المعروضة أنجزت ضمن الإقامة الجزائرية - الأوربية في اطار مشروع البرنامج الثقافي للاتحاد الاوربي في 2010 بالعاصمة والذي يهدف بالأساس الى تدعيم الحوار الثقافي عبر مشاريع ترجع الى 12 سنة أي منذ اطلاق المهرجان الثقافي الاوربي بالجزائر. الإقامة كانت فرصة لخلق فضاء تبادل بين المصورين حول موضوع واحد يتعلق بالتراث الثقافي والمعماري لعاصمة الجزائر. هكذا انطلق المصورون الأوربيون مع زملائهم الجزائريين عبر كل الاتجاهات المؤدية الى العاصمة البيضاء وكلهم ارادة في اكتشاف هذه المدينة العتيقة التي تجاوزت في عمرها الألفية ونسجت حولها منذ قرون اساطير خارقة غاية في الإبداع والدهشة. كانت التجربة سلسة عند المصورين الجزائريين، كيف لا وهم أبناء هذه المدينة الجميلة، ترعرعوا فيها وأكلوا وشربوا من خيرات أرضها، يعبرون احياءها من القصبة الى باب الوادي الى حي بلوزداد؟ أما المصورون الأجانب فلم يكن الأمر بهذه السهولة عليهم، فأغلبهم لا يعرف عن الجزائر الكثير، أو أن بعضهم يحتفظ بصورة قائمة عنها صنعها في ذهنه الإعلام الغربي، لذلك لم تكن بالنسبة إليهم تلك الوجهة السياحية التي يفضلونها... لكن المدينة المتوسطية استطاعت أن تبهر هؤلاء الاجانب وتجعلهم يقسمون أنها الأجمل في كل ما شاهدوا من بلدان العالم، بل وأن يطالبوا بالرجوع إليها. العاصمة التي تسحر بخليجها الجميل الوافدين إليها وترحب بأضواء منارتها بكل ضيوفها. 18 مصورا تقاسموا متعة هذا الجمال وازداد التعلق بالعاصمة عندما ازداد الاحتكاك بأهلها الذين تدب فيهم حركة الحياة. معظم الصور هي تسجيل لتراث عاصمي ينطق جمالا وغنى وأصالة، سواء من خلال المباني أو وجوه البشر أو المناظر الطبيعية، وكأن الحياة في العاصمة هي امتداد لتاريخ سحيق. يتمكن الجمهور وبسهولة تامة من خلال هذا المعرض من قراءة تاريخه وهويته ويكتشف جمال الحياة فيها وإشراقها في قهقهات الأطفال وتجاعيد الشيوخ وإصرار الشباب. تتجلى الجزائر في سواحلها وأزقتها الممتدة الى التاريخ وجدران قصبتها المحروسة. الجزائر هي أيضا التقاليد التي يحفظها الناس حفظهم لأبنائهم. نجد من بين المشاركين الأجانب ''خوان أنخال دو كورال'' من اسبانيا الذي يقف بانبهار أمام الشيخ بائع الزهور الذي يتفنن في تزيين محله. يشير مصور آخر هو ''كريستيان واشتر'' من النمسا، إلى أنه من فرط دهشته صور الجزائر في أكثر من ألف صورة، منها صوره تعكس خصوصية سماء الجزائر الصافية وذات الأطياف الجميلة. ''كريستيان'' اختار 80 صوره وجمعها في كتاب أصدره بفيينا للتعريف بالجزائر. أما المصورة الألمانية ''ماريون بشوزر''، فالتفتت الى جمال المرأة الجزائرية التي لا تقل أناقة عن المرأة الأوربية، والتي يعتبر جمالها جزءا من جمال الجزائر، تقول ''عشقت الجزائر الى درجة انني كنت أحلم بها في ألمانيا، هذا البلد الساحر الذي علمني كيف ابتسم في وجه الآخرين وأن أنطق مرحبا (بكم عندنا)، لذلك قررت أن أتجول في شوارع (البيضاء) وأنا مبتسمة وانسج علاقات صداقة مع أهل الجزائر الكرماء منهم عايدة، موح، سامية، عديلة، كمال وغيرهم. تشير الفنانة المصورة إلى أن مهمتها اليوم هي التعريف بالجزائر في ألمانيا، وكيف أن هذا البلد عانى الكثير لكنه وقف ويحاول بناء نفسه بإمكانياته الكبيرة التي تضمن له النجاح. هؤلاء المصورون الأجانب يمثلون ألمانيا، النمسا، بلجيكا، إسبانيا، فرنسا، إيطاليا بولونيا وبريطانيا، أغلبهم عاودوا زيارة الجزائر بعد إقامة 2010 التي نظمتها وكالة الإشعاع الثقافي والاتحاد الأوربي. الإقامة انشئت بهدف إنشاء فضاء تبادل المعارف والخبرات والذي كان من ثمراته هذا المعرض المتضمن ل 130 صورة من مجموع 300 صورة تم إنجازها في 4 أيام بالتجوال في العاصمة وضواحيها، لمصورين حاملين معهم آلات تصوير مختلفة التكنولوجيا. للإشارة، محافظ المعرض هو الفنان الإسباني الكبير خوان انخال ديكورال.