بغية وضع مطابقة علمية لظاهرة طرق الإيمان التاريخية على سبيل أبي مدين شعيب ''مولى تلمسان'' وناشر الإرهاصات الأولى للتصوّف انطلاقا من بجاية إلى سائر بلاد المغرب وما وراءها، ينظّم المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، علم الإنسان والتاريخ بالتعاون مع جامعة ''أبو بكر بلقايد'' بتلمسان، بداية من الغد، الملتقى الدولي ''طرق الإيمان، أبو مدين.. مشكاة على الدرب". الملتقى المنظّم ضمن الشق العلمي والأكاديمي لتظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، يصبو أيضا إلى إعادة تشكيل منهجي لهذا المسار الروحاني والجغرافي، امتدادا من منهله الأوّل بالأندلس على باقي مناطق العالم عبر تتبع دقيق لأماكن إشعاعه ومواطن تمركزه مع إعطاء لوحة تفصيلية لشبكة فروعه وتشعّب مسالكه عبر الزمان والمكان، حيث ينطلق من كون أبي مدين شعيب، من بين الأسماء التي وطّدت للتصوّف في الأندلس وبلاد المغرب ورسمت معالم طرق الإيمان للبشرية عبر العالم. ويشير المشرف العلمي على الملتقى، الدكتور زعيم خنشلاوي، في تقديمه له، إلى أنّ روحانية أبي مدين طبعت للأبد التصوّف الجزائري والمغاربي، ففي حياة الشيخ بعث بخلفائه لبثّ طريقته في أنحاء العالم الإسلامي في المغرب، تونس، الأندلس، الإسكندرية، القدس، اليمن ومكة وغيرها. ويضيف أنّ مدرسة أبي مدين امتدت إلى مصر والشام قبل أن تعرّج رأسا نحو الأناضول وبلاد البلقان، خاصة في بلغاريا وكوسوفو وبشكل أخف ألبانيا، البوسنة والهرسك ومقدونيا، كما امتدّت أفقيا نحو الهند، غيران وأفغانستان. وأوضح الدكتور خنشلاوي، أنّ أبا مدين هو الشيخ غير المباشر لابن عربي، بينما أخذ عنه مباشرة الولي الصالح التونسي أبو سعيد الباجي المعروف بسيدي بوسعيد، كما كان له ارتباط بقطب المغرب عبد السلام بن مشيش الذي أخذ عنه أبو الحسن الشاذلي الذي نشر بدوره طريقة شيخ شيخه أبي مدين في مصر، وهو ما يوحي بجلالة العلاقة التي تربط بين قطبي الشريعة والحقيقة ''القاهرة وتلمسان''، ويؤكّد خنشلاوي أنّه لما كانت ''خير بلاد اللّه بعد الحرمين الشريفين وبيت المقدس، أرض اليمن، فقد طالتها عناية الغوث أبي مدين شعيب باكرا وبخاصة تريم إحدى أهم مدن حضرموت وهي معشّش الأولياء ومعدنهم ومنشأ العلماء وموطنهم، كما اجتمع بها في عصر واحد من العلماء الذين بلغوا مرتبة الإفتاء ثلاثمائة رجل. وأضاف المنسق العلمي للملتقى، أنّ اليمن من الأصقاع النائية التي استقت مباشرة من روحانية أبي مدين شعيب واستنارت بضوئه واستمدت من بركته، إذ تحدّثت كتب الإثبات والأسانيد والتاريخ الحضرمية عن بدايات الارتباط بطريقته وحكاية وصولها إلى بلاد حضرموت وتلقيها لأوّل مرة من طرف الفقيه المقدّم محمد بن علي باعلوي. وتذكر المصادر اليمنية أنّ التصوّف لم يكن له وجود قبل أن يدخله الشيخ الغمام العارف باللّه تعالى شعيب أبو مدين بن أبي الحسن التلمساني، ويسلّمه للأستاذ الأعظم والفقيه المقدّم محمد بن علي باعلوي عن طريق الشيخ عبد الرحمن بن محمد الحضرمي الشهير ب''المقعد'' الذي كان من أكبر تلامذة الشيخ أبي مدين باليمن. ويؤكّد الدكتور زعيم خنشلاوي أنّه إذا ما استثنينا الطريقتين الرحمانية والتجانية وسلّمنا باندراج المدينية في السلسلة القادرية، فإنّ جميع الطرق الصوفية المتواجدة عندنا في بلاد المغرب، تعود في الأصل إلى جذع واحد هو طريقة أبي مدين شعيب عبر الفرع الشاذلي المنبثق عن الغصن المشيشي، ومن ثمّة تتكاثر أوراقها المبثوثة في الشرقين الأدنى والأوسط ودول الساحل والقرن الإفريقي، فضلا عن الأقاليم الإسلامية بجنوب شرق أوروبا، حيث توجد امتدادات لها وارتباطات بذكراها. "طرق الإيمان، أبو مدين.. مشكاة على الدرب''، سيعرف مشاركة أكثر من 70 باحثا وجامعيا مختصا في التصوّف من الجزائر ومن 25 بلدا عربيا وآسيا الوسطى والقوقاز وأوروبا وإفريقيا وأمريكا، سيناقشون من الثامن عشر ديسمبر الجاري إلى الواحد والعشرين منه، ثلاثة محاور أساسية تتعلّق ب''المناهل الأولى للتصوّف الغربي (المغرب والأندلس)، ''طريقة أبي مدين، ماضيا وحاضرا'' و''الفكر الأكبري والإرث المديني". وسيتمّ خلال الأيام الأربعة من عمر هذا الملتقى، إلقاء جملة من المحاضرات التي تصب في مواضيع ''منابع التصوّف المغاربي''، ''طريقة أبي مدين، ماضيا وحاضرا''، ''ابن عربي والإرث المديني''، ''كينونة التصوّف'' و''التصوّف في العالم''، من بينها محاضرة الأستاذة ماريا دال بيلار غريدو كليمانت حول ''الرحلة الداخلية من ابن مسرة إلى أبي مدين، دعوة إلى الحوار''، ''كيف انتقلت السلطة الروحية إلى الجزائر'' للأستاذ محمد فاضل جيلاني، ''التراث الصوفي لشيخ مشايخ الطرق الصوفية في الأندلس، أبي جعفر أحمد بن الحسين'' للأستاذ محمد طبراني، ''آراء ابن العريف الصوفية من خلال كتابه ? محاسن المجالس?''، للأستاذ توفيق بن عامر، ''الشيخ أبي يعزى النور وأبي مدين الغوث الأندلسي'' للأستاذة عائشة البوعزاوي، وكذا ''الحركة الصوفية قبل سيدي أبي مدين بالمغرب الأوسط'' للأستاذ عبد المنعم قاسمي الحسني و''مسالك العرفان بين بجاية وبلاد الجريد، إشعاعات المدرسة المدينية'' للأستاذ محمد الناصر صديقي. كما سيتمّ أيضا التطرّق إلى ''الشيخ أبو مدين في بلاد المغرب والأندلس، الرمز وامتداداته''، ''شعر سيدي أبي مدين الغوث بين الحكمة والنصيحة''، ''طريقة أبي مدين وأثرها في الهند وإيران''، ''أبو مدين، الأب الروحي للتصوّف بإفريقية الحفصية''، ''صورة المريد تحت ضوء روايات الحديث، ابو مدين وبداية المريد''، ''مبادئ طريقة أبي مدين الصوفية ومدى أصالتها''، ''تلامذة أبي مدين شعيب بتونس، أبو سعيد الباجي مثالا''، علاوة على ''دور المغاربة من آل مدين في مقاومة الوجود الفرنجي خلال فترة الحروب الصليبية''، ''تجليات سيدي أبي مدين الغوث من خلال حكمه على أحمد بن عليوة المستغانمي''، ''منابع الفكر الصوفي عند القطب أبي مدين شعيب في ضوء سيرته الذاتية'' و''أبو مدين الغوث وحضوره في التراث الموسيقي المغربي الاندلسي". وسيتناول ضيوف قصر الثقافة ''إمامة'' بتلمسان أيضا ''أبو مدين الغوث بالمغرب الأقصى من خلال أثره المخطوط''، ''نسب شيخ الشيوخ قطب الأقطاب سيدي أبي مدين الغوث التلمساني وأحفاده بمصر''، ''المراكز العلمية المغاربية في بيت المقدسي ودورها في تنشيط الحركة الفكرية في القدس''، ''أثر الطريقة المدينية على علماء حضرموت''، ''ماضي وحاضر الروضة الجيلانية في بغداد''، ''العلم والتصرّف عند ابن عربي''، ''العلاقة الروحانية بين ابن عربي وشيخه أبي مدين''، ''الإلهام ومشكلته في تصوّف ابن عربي''، إضافة إلى ''الغوث أبي مدين في مؤلفات الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي''، ''ابن عربي ? سلطان العارفين ?، أبو مدين ? شيخ الشيوخ ?، مغزى اللقب ومدلولاته''، ''التواصل بين الشيخ أبي مدين والأمير عبد القادر''، ''من طرق الإيمان إلى حضارة الإسلام''، ''صورة الولي عبر العصور، بين التاريخ والأسطورة'' و''? بستان العارفين ? والطريق العرفاني لشعوب ما وراء النهر''، ''أصول الطريقة القادرية العركية ودورها في المجتمعات الإفريقية''، وكذا ''مصادر ? صفاء الأسرار ? للسيد يحيى الشرواني الباكووي''. للإشارة، يعدّ ملتقى ''طرق الإيمان، أبو مدين.. مشكاة على الدرب''، الملتقى الثالث عشر المنظّم من قبل المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، علم الإنسان والتاريخ بالتعاون مع جامعة ''أبو بكر بلقايد'' ضمن تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، وسيليه خلال شهر جانفي الداخل أيام 16 ,15 و,17 ملتقى دولي حول ''الأمير عبد القادر وتلمسان''، حيث سيدرس علاقة المقاوم ومؤسّس الدولة الجزائرية الحديثة بالعاصمة القديمة للمملكة الزيانية.