كشف استطلاع قامت به ''المساء'' أن الكتاب لم يعد من أولويات الأسرة الجزائرية، وأن هذه الأخيرة لا تخصص لشراء الكتب أي ميزانية، وإنما يكون اقتناؤها له بمحض الصدفة، في الوقت الذي أكد فيه بعض أصحاب المكتبات أن الأوفياء للكتب لا يشكلون إلا ما نسبته 20 من القراء. يرجع البعض تراجع الإقبال على شراء الكتب إلى عاملين أساسيين؛ أحدهما يتعلق بمحدودية استيراد الكتب للجزائر، والآخر إلى غلاء الطبعات المتوفرة بالسوق، وهو العامل المرتبط أساسا بالعامل الأول. إذ كشف قائمون على مكتبات بالعاصمة أن الكتاب لم يعد من أولويات المجتمع الجزائري إلا في حالات قليلة؛ مثل الحاجة إلى إجراء البحوث أو كتب مساعدة لدراسة الأطفال، وأقل بقليل الكتب المتخصصة، أما بالنسبة لكتب المطالعة بما فيها التاريخ والأدب العربي أو الأجنبي، فهي قليلة للغاية، ''تجلب ما يزيد عن 60 بالمائة من الكتب من لبنان والأردن ومصر، لذلك فإن أسعارها مرتفعة بعض الشيء من تلك الكتب، ما تكون في علم النفس وعلم الاجتماع والكتب العلمية والطب والقانون وكتب التنمية البشرية. ولكن بالنسبة للإقبال، فإنه قليل جدا، إذ تسجل أيام طويلة لا نسوّق فيها كتابا واحدا، تشير مكتبّية من ''الراشدية'' بالعاصمة، فيما تتحدث مسؤولة العلاقات العامة بذات المكتبة أن ''ربات الأسر يبحثن بشكل عام عن كتب حول المواضيع النفسية والسلوكية للأطفال، مثل الغيرة بين الأخوة أو حول النطق السليم عند الأطفال وطرق الانخراط في المجتمع، ومواضيع أخرى عديدة ولكنها تختص عموما بالأسرة. أما الرجال، فإنهم يبحثون خصوصا عن الكتب المتخصصة مثل الطب والقانون وكتب التنمية البشرية، أما كتب التاريخ فإن فئة المتقاعدين هم أكثر إقبالا عليها، وتظهر أسعار الكتب كحاجز أمام اقتناء كتب الأدب خصوصا، إذ يتراوح معدلها ما بين 220 دج إلى 2200 دج، وإذا كانت فئة طلاب الجامعات من أكثر الفئات ترددا على المكتبات، إلا أنها الأقل شراء لذات السبب''. الكتب اليوم نادرا ما يشترونها، وأكثر الكتب مبيعا اليوم هي كتب الطبخ والأبراج وقصص الأطفال، تقول مكتبية أخرى بمكتبة بساحة أودان بالعاصمة، وتضيف: ''شباب ما فوق العشرين يقرأون الروايات الرومانسية، ولكنهم يمتعضون كثيرا من أسعارها المتراوحة ما بين 200 إلى 600 دج. أمّا الإقبال على الكتب السياسية والثقافية فهو من نصيب من هم فوق الأربعين، طلاب الجامعات من جهتهم يبحثون عن الأدب العالمي المترجم مثل روايات باولو كويلو وأمين معلوف، ولكننا نشير إلى أن الإقبال يبقى ضعيفا جدا. ولكن أتوقع أن يعود الناس لمطالعة الكتب يوما ما، لأنّهم سيكتشفون من تلقاء أنفسهم بأنّه لا غنى عن الكتاب''. ومن المواطنين، قالت ربة أسرة في حديث لها مع ''المساء'': ''إن الكتب غالية الثمن والأفضل أن نشتري بثمنها حاجيات الأسرة الكثيرة ومستلزمات المدارس''، وأضافت: ''يتضمن التليفزيون مئات القنوات المهتمة بكل شيء، وهذه ثقافة مجانية بذاتها، فلماذا لا بد أن نهتم بالكتاب تحديدا''. قالت أخرى في هذا الخصوص، إنها حاولت كثيرا تنمية حب الكتب والمطالعة لدى أبنائها ولكنها لم تفلح، فحاولت أن تشجعهم على شراء كتب يختارونها بأنفسهم، فلم تلق أي تجاوب منهم والسبب تأكيدهم أن كتب الدراسة تكفي خاصة مع ضغط الدروس وكثافة البرامج. ولكن الصورة ليست دائمة متشابهة، فقد أكدت إحدى الشابات الموظفات أنها تشتري الكتب خاصة الكلاسيكية للمطالعة دون ملل،''لا أشتري الكثير من الملابس والماكياج والأحذية، ولكنني أشتري الكتب، أملك شهية مفتوحة على القراءة، ولا يمكنني تفويت زيارة المكتبات كلما سمحت الفرصة. أملك مكتبة خاصة بي في غرفتي تحتوي ما يزيد عن مئة كتاب، ناهيك عن الكتب التي أستعيرها من المكتبات أو من عند الأصدقاء''. كذلك يؤكد مواطن مهتم بجمع الطوابع البريدية أن الكتاب بالنسبة إليه أساسي ولا يمكن ربطه بالحدود أو بالزمن. يقول: ''في سنوات شبابي، كنت أقرأ كتابين في اليوم إذ كانت الكتب متوفرة وفي المتناول، واليوم بفعل تقدمي في السن وقصر بصري، فإني أقرأ كتابين في الأسبوع الواحد. وأريكم هذين الكتابين في الفن التشكيلي أشتريتهما قبيل يومين، وكلفني الواحد منهما 2200 دينار، ولكني رأيت نفسي مجبرا على اقتنائهما لقيمتهما العالية. كما أشير أنني أنشأت أولادي على هذا الأمر وحتى أحفادي كذلك. وأعتقد أن ثقافة الكتاب تغرس في الطفل مثل الصلاة والاحترام، وإذا تناست الأسرة أهمية ذلك في التربية، فإنه من الصعب سؤال الشباب بعدها لماذا لا تطالعون أو لماذا لا تشترون كتبا. كما أنني أعتقد أن قلة معارض الكتب عامل آخر يؤثر سلبا في تمسك الناس بالكتاب. فأنا أذكر أنه في سنوات السبعينات والثمانيان، كانت تقام أسابيع ثقافية في كل مدينة، تقوم أساسا على معارض للكتاب، أما اليوم فإن الأسابيع الثقافية تهتم أكثر بالرقص والفولكلور الموسيقي، ولهذا ينبغي إعادة النظر في إقامة معارض الكتاب وجعلها دورية مع توفير مختلف العناوين في عديد المجالات حتى يسمح لشرائح واسعة اقتناء ما يشبع فضولها في القراءة''.