تفاعل الجمهور في أول سهرة لأول دورة من المهرجان الدولي للسماع الصوفي المقام بقصر الثقافة إمامة بتلمسان، وانتشى أول أمس بأجواء الزوايا الصوفية التي صنعتها فرقة ''ناس عيساوة'' من تلمسان وفرقة ''سماع'' للإنشاد والموسيقى الصوفية المصرية وبمشاركة مغربية مع فرقة ''أنغام السلام'' فكانت مزيجا جميلا من الأناشيد الصوفية التي خلقت نشوة منقطعة النظير عند الحاضرين بعاصمة الثقافة الإسلامية؛ فاستنفرت بذلك الأحاسيس تأثرا بالأصوات الشجية في مدح الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وذكره في رحلة عمودية الاتجاه تشبه العروج إلى السماء لمناجاة الله. أعطى محافظ المهرجان، السيد إدريس بوديبة، إشارة الانطلاق الرسمي للنسخة الأولى من المهرجان الثقافي الدولي للسماع الصوفي، وخلال كلمة الافتتاح، قال إنه ليس صدفة أن يحط المهرجان الرحال بتلمسان باعتبار أن هذه المدينة العريقة هي عاصمة للثقافة الإسلامية، موضحا أن السماع الصوفي كان وما يزال القاسم المشترك بين الشعوب الإسلامية والعربية التي تميزت بالحس المرهف والتذوق لهذا اللون التراثي الضارب في أعماق التاريخ وفي الذاكرة الجماعية، وأضاف المتحدث أن المهرجان هو فضاء لاحتكاك الفنانين والفرق والجمعيات بغية التبادل وتأصيل الأحلام والآمال، والفن بنبل مقاصده وأهدافه يعتبر الأقدر على تمتين أواصر التقارب والتلاحم بين هذه الفرق الحاملة للواء المحافظة على هذا التراث الثري. واستهلت جمعية ''ناس عيساوة'' من تلمسان الحفل مقدمة مجموعة من المدائح الدينية المستمدة من التراث التلمساني ومن الطريقة العيساوية على وجه التحديد، وتحت قيادة عبد الصمد المجدوب، أمتع شيخ العمل أو مؤدي الأناشيد الصوفية عبد الغني مجدوب الحضور وتجاوب معه بشدة في حركات الجدب التي طالت العديد، وصفق وغنى الجمهور معه حبا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتغزلا في محاسنه وخصاله الكريمة؛ فقدم ''الله يا مولانا كون معانا''، ''أنا عشقي في النبي''، ''الله مولانا العفو يا خالقي'' وغيرها من المدائح. جدير بالذكر أن جمعية ''ناس عيساوة'' تنتمي إلى زاوية سيدي بومدين التي أنشأها المرحوم مقدم الطريقة العيساوية الحاج أحمد مجدوب سنة ,1948 وشاركت في العديد من المحافل الوطنية والدولية. وتلتها فرقة ''سماع مصر'' للانشاد والموسيقى الصوفية التي تتخذ من عبارة ''لنسمع حتى نرى .. ونرى حتى نسمع'' شعارا لها، حيث قدمت وصلات من الأناشيد الصوفية بقيادة انتصار عبد الفتاح، وبدأت برنامجها بأنشودة ''إلى النبي'' يقول مقطعها الأول: "إلى رحاب يثرب إلى ضياء الكوب إلى الزكي الطيب إلى النبي" وقد استمتع الجمهور بهذا الشدو القادم من أرض الكنانة، وتميزت الفرقة بأدائها العصري لهذا اللون الفني الأصيل، واستعملت فيه موسيقى مهذبة بالقيثارة والقانون والناي، كما استعملت في بعض الوصلات التصفيق، مثلما كان في أداء ''صلوا على من ذكر الله''، و''قمر سيدنا النبي'' و''نور النبي لما ظهر''، كما استحضرت أحد أشهر الأناشيد الدينية المعروفة المغناة باللهجة المصرية الموسومة ''قمر الليالي نبينا يا غالي''، وختمت ب''العبارة نسل واحد من الجدود'' وهي أنشودة تدعو للسلام واحترام الأديان والمعتقدات. وتأسست الفرقة سنة 2007 وجمعت أهم الأصوات المجهولة والمتميزة في الإنشاد بأقاليم مصر المختلفة، وعلى ضوء فلسفة السماع والبحث عن أشكال عرض جديدة؛ فإن الفرقة تنهل من التراث وتسعى لإحياء فرقة سماع التراث وإحياء الطرائق التراثية المختلفة. وفي ختام الحفل، لم يوفق المزج الذي تمت برمجته بين الفرق الثلاث الجزائرية، المصرية والمغربية، وحسب انتصار عبد الفتاح؛ فقد رجع السبب إلى التحضير القصير جدا له، إذ تم في ساعتي عمل فقط ومع الفرقة المغربية، وعلى من ذلك فقد استمتع الحضور بعذب الأصوات، لا سيما وأنها غنت في مدح سيد البشر مبعوثة ''المساء'' إلى تلمسان: دليلة مالك