كانت ظاهرة ارتداء البرنوس أو القشابية منذ زمن بعيد معروفة في أوساط المناطق ذات الطابع الفلاحي والريفي، وبعدها تلاشت ولم يعد يرتدي القشابية إلا الفلاح أو سكان المشاتي والمناطق الريفية، أما البرنوس، فقد كان يرتديه القليل من الموّالين أو الفلاحين من كبار السن، لكن الآية انقلبت في السنوات الأخيرة، حيث أصبح أمر ارتداء القشابية والبرنوس من العادات المتحضرة، وعادت ظاهرة التهافت عليهما إلى الواجهة خاصة من قبل الشباب، بل أن بعضهم يرسل في طلب النوع غالي الثمن منها والمصنوع بطريقة جيدة. اليوم أصبح الأطفال الصغار يرتدون القشابية الصغيرة بدلا من المعاطف، أما البرنوس فأصبح يلبس في المناسبات فوق البدلة أو ''الكوستيم'' خاصة في الأعراس، كنوع من التباهي نظرا لغلائه، وقد ذكر العديد من ممتهني هذه الحرفة أن ثمن القشابية يصل إلى 10 ملايين سنتيم، أما البرنوس فحدث ولا حرج، لأن سعره يصل أحيانا إلى 15 مليون سنتيم، وذلك راجع إلى غلاء الوبر الذي يجلب أحيانا من دول الخليج، لذلك فقد لقبوهما بأغلى الملبوسات العربية. وعلى الرغم من تراجع عدة صناعات حرفية بتبسة المعروفة بتمسكها بتقاليدها، إلا أن حرفة صناعة القشابية والبرنوس لازالت قائمة على اختلاف أنواعها، ألوانها ومواد صنعها. وقد عمل حرفيون من مناطق الولاية على تطويرها وتجديدها من أجل الحفاظ عليها من الزوال، ومن أجل تواجدها الدائم خاصة بالنسبة للرجال عامة والشباب خاصة، إذ يعمل الكثير من الحرفيين على استقطاب عدد هائل من محبي البرنوس والقشابية من خلال جلب أو تشجيع اليد العاملة من الشباب في هذا الميدان، لمنع تراجع هذا النوع من الحرف أو اندثارها. وقد أكد لنا أحد الحرفيين من منطقة الشريعة بقوله؛ إن لصناعة القشابية طرقا منها القديمة ومنها المبتكرة، كما لها أنواع كثيرة منها الصوفية المصنوعة من مادة الصوف وهي تصنع عادة بالمناطق الفلاحية، وهناك القشابية الوبرية المصنوعة من وبر الجمال، والتي يتم صنعها بالمناطق الصحراوية، أما القشابية الحريرية، وهي نوع موجه لميسوري الحال نظرا لثمنها الباهظ جدا، وكذلك هناك القشابية العادية التي غالبا ما تكون مصنوعة من قماش سميك فقط وثمنها ليس غاليا، يقتنيها الكثيرون، أما عن كيفية تطويرها، فقد أوضح حرفي آخر يزاول نفس الحرفة، بأنه يتخذها كمهنة يعيل بها عائلته. الكثير من محترفي صناعة القشابية والبرنوس، وبغية تطويرها وتحديثها وإنقاذها من الإندثار والزوال، عمدوا إلى الاستعانة بالشباب الراغب في تعلم حرفة ما؛ منهم من يستعين بالعاملين في مجال الخياطة لتكون القشابية أو البرنوس مصنوعة بطريقة صحيحة، متقنة وجيدة تسر الناظرين كشيء من التنويع والتحديث، إضافة إلى خلق فرص عمل في هذا المجال، وذلك بعد ملاحظة عودة توافد الكثيرين على إقتناء البرنوس والقشابية وارتدائهما من جديد. وقد ارتأينا التحادث مع بعض الشباب لمعرفة رأيهم في الموضوع، وسر عودة القشابية والبرنوس إلى الأفق، حيث أكد لنا فتحي وهو شاب يبلغ من العمر 28 سنة، أن ارتداء القشابية والبرنوس أحسن من المعاطف في فصل الشتاء، نظرا لما يحس به مرتديهما من دفء، خاصة إذا كانت القشابية مصنوعة من الصوف الحقيقي أو وبر الجمل، إضافة إلى مظهرها الجيد، مضيفا أنها مكلفة لكنها في حقيقة الأمر أحسن، لأنها تدوم لسنوات، بعكس المعاطف والأبسة الشتوية الخارجية الأخرى التي لا يدوم عمرها الزمني إلا سنوات معدودة لا أكثر. أما محمد وهو رب أسرة، فقد كان يرتدي قشابية وابنه ذو ال 04 سنوات كذلك يرتدي قشابية من جهته، قال إن أمر ارتداء هذا النوع من اللباس يعود لزمن بعيد، غير أن القشابية غابت عن الساحة لتعود مؤخرا، مشيرا أن أمر ارتدائها يعود للأصالة والتمسك بالتقاليد، لأنه كما يقول، ينتمي لأب كان يحبذ ارتداء القشابية دوما والبرنوس في المناسبات، وقد غرس في أبنائه حب ارتدائهما، وسوف يقوم هو كذلك بغرسها في نفوس أبنائه لأنها تعبر عن أصالة وعراقة المجتمع التبسي، وليست في المجتمع التبسي فقط، بل بالكثير من الشرائح والمناطق عبر ربوع الوطن. وهذا توفيق في ريعان شبابه يبلغ من العمر 20 سنة، أكد أنه يرتدي القشابية لأنه تاجر يبيعها أيضا، نظرا لكثرة الإقبال عليها في الوقت الحالي خاصة من قبل الشباب، وحتى الأطفال، لأنها تزيدهم جمالا، مضيفا أن عملية بيع القشابية والبرنوس كانت غير مجدية أو مفيدة من قبل، لكنها أصبحت في الوقت الحالي تدر فائدة كبيرة لمن يبيعها. بقي أن نقول إن التمسك بالعادات والتقاليد من أجمل ما يكون، وإن ارتداء القشابية أو البرنوس يعود إلى زمن طويل، لكن ازدهارهما الآن ساهم أولا في خلق يد عاملة خاصة بعد إقبال الكثيرين على تعلم صنعها، وثانيا في تحريك دواليب منتوجاتها وموادها المتمثلة أساسا في الصوف والخيوط وغيرها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن؛ لماذا لا نتخذ من صناعة القشابية، البرنوس، الزرابي وغيرها مشاريع خاصة بالمرأة الريفية الماكثة بالبيت، خاصة وأن أغلب النسوة يخترن الصناعات التقليدية عن الصناعات الأخرى، ويتفنن في طرق صنعها وتزيينها، وهو أمر يجب على أصحاب الشأن التفكير فيه بجدية لأنه سيساهم حتما في انتعاش هذا النوع من الصناعات الحرفية والإقتصاد الوطني عموما.