ما زالت الثلوج التي تهاطلت بكميات هائلة في شهر فيفري المنصرم على مرتفعات بلدية تيكجدة بالبويرة، تستقطب العديد من هواة المنظر الطبيعي الأبيض في شهر مارس، حيث توافد عشاق الحلة البيضاء الطبيعية والمغامرون الذين تتملكهم الرغبة في التزحلق على الثلج من مختلف الولايات، إلى هذه البويرة التي يطمح القائمون عليها لتحويلها إلى قطب سياحي مميز، من خلال برمجة تسعة مشاريع؛ منها ما يتعلق بإنجاز محطة حموية بالهاشمية وأربعة مشاريع أخرى على مستوى مقر الولاية، لتوسيع قدرة الاستيعاب بما يفوق 800 سرير. منازل متناثرة هنا وهناك في أحضان الطبيعة.. شمس دافئة تغمر المكان، وثلوج متفاوتة في درجة الذوبان، هو مشهد لم يكن من الممكن أن يمر مرور الكرام على عيون الوفد الصحفي الّذي قادته رحلة سياحية إعلامية من تنظيم الديوان الوطني للسياحة إلى تيكجدة مؤخرا، قبيل منتصف النهار بدأت الحافلات التي أقلت الوفد الصحفي في الاقتراب من مرتفعات البويرة.. ورغم طول الطريق، إلاّ أنه لا يمكن أن يتسلل الملل إلى من مرّ منها ناشدا الوصول إلى الحظيرة الوطنية المحمية جرجرة.. في مشهد خلاب امتزج فيه بياض الثلوج مع خضرة الأشجار والنباتات، كانت المنافسة شديدة بين عوامل الطبيعة في تلوين السلاسل الجبلية بالمنطقة. وفي هذا المرتع الذي ينشده كل من يبحث عن الاسترخاء ومن تستهويه رياضة التزحلق على الثلوج المتراكمة في القمم، كانت وقفة للتأمل في موقع سياحي تدعو مؤهلاته الطبيعية للاستغلال والاستثمار، وتراه يتيح للسواح الظفر بلحظات من متعة شتوية لا تختلف نكهتها عن تلك المعهودة في دول أخرى. في تيكجدة، حيث قضى الوفد الصحفي سويعات من الزمن، يشعر الزائر للمكان لأول مرة بأنه في مرتفعات سويسرا.. أو أنه يجول في بعض الدول الأوروبية التي تشكل الثلوج ديكورها الخارجي في فصل الشتاء عادة. أما عن تسمية تيكجدة، فثمة حكاية جاءت على لسان المرشد السياحي نور الدين بوعناني، مفادها أن التسمية الأصلية لهذه المنطقة التي صنفت كبلدية منذ ,1990 هي''تكجديت''؛ ويقصد سكان منطقة القبائل بهذه الكلمة جذع شجرة الأرز الّذي كان يستخدم كركيزة عند تشييد بيت، الأمر الذي يفسر سبب إطلاق المرأة القبائلية للقب ''تيكجديت'' على زوجها. تقع ''تكجديت'' على علو 1475متر، وبالتحديد في أسفل سطح ''كروك''، ما يجعلها بمثابة قطب سياحي يقصده السياح المحليين والأجانب، وتتدوال على زيارته العديد من الفرق الرياضية بوصفه المكان المناسب للقيام بالنشاطات التدريبية. فيما لا يتوانى البعض الآ خر في اتخاذه مركزا للتزحلق على الثلج أو تسلق الجبال. وما يزال هذا المكان الخلاب يحافظ على البعض من ثرواته النباتية والحيوانية، خاصة القردة التي لا يمكن للزائر أن تفوت عليه فرصة مشاهدتها، وتراها لا تفوت هي الأخرى فرصة الاحتكاك بكل من يقترب منها ربما طمعا في قطعة حلوى أو حبة موز، رغم اللافتات التي دونت عليها عبارات ''لا تطعموا القردة!. عند حدود الساعة الرابعة مساء، وعندما أوشكنا على مغادرة المكان، أخذت الحركة تدب لتكسر صمت الفترة الصباحية، وذلك إثر توافد بعض العائلات.. اقتربت ''المساء'' من إحدى السيدات التي قالت: ''لقد جئت من بلدية باب الزوار من العاصمة، مغتنمة فرصة عدم تمدرس طفلي هذا المساء، لأرى هذا المشهد الرائع الذي لم يسبق لي وأن شاهدته في حياتي. عائلة أخرى من ولاية الشلف، قصدت المكان ليشاهد أفرادها لأول مرة منظر البياض على مرتفعات جرجرة، حيث كانت علامات الإنبهار بادية. فيما صرح رب عائلة من البويرة بأنه استغل يوم راحته الأسبوعية للتنزه في تيكجدة، مضيفا أن مشهد الثلوج مألوف بالنسبة له، لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لأفراد عائلته، فأبى إلا أن يصطحبهم ليروا مشهدا فريدا من نوعه في الجزائر. عموما، كان المشهد العام لا يخفي حقيقة الجمال الذي أسر القلوب وسحر الألباب، حيث غادرنا المكان في وقت كانت فيه أنظار العائلات مشدودة إلى المشهد الأبيض الذي لم يشاهده البعض سوى في دول أوروبية أو عبر القنوات التلفزيونية. ولعل أهم ما كشفت عنه الزيارة هو أهمية وضرورة الاستثمار في هذا المكان الّذي يعد من أهم المواقع السياحية البارزة في ولاية البويرة. وفي هذا الصدد، كشف رئيس مصلحة النشاطات السياحية بالبويرة عبد القادر هبولة إلى طموح تحويل الولاية لمنطقة سياحية بامتياز من خلال جملة المشاريع المسطرة، فبالإضافة إلى هدف تطوير نسبة الإيواء التي تقدر حاليا ب 516 سريرا توفرها ستة فنادق، تجري حاليا دراسة لتهيئة أربع مناطق للتوسع السياحي في كل من تيكجدة، تالة رانا، حمام كستانة والريش، وينتظر من خلال هذه الدراسة التي هي قيد الإنجاز، رفع نسبة التوافد السياحي في هذه الولاية ذات الطابع الجبلي الفلاحي ليتخطى حدود ال 30 ألف سائح، وهو المعدل السنوي للسياح المقبلين على الولاية، علما أن سنة 2011 استقطبت 38 ألف سائح.