ما زالت دار عزيزة معلما أثريا صامدا يشهد على أيام القرن السادس عشر في القصبة السفلى.. والعزيزة حسب العثمانيين، تعني ''ثمينة''. لكنّ التسمية في حد ذاتها تعود إلى عهد الاحتلال الفرنسي، إذ لم تكن تسمية ''عزيزة'' تطلق على هذه الدار في عهد العثمانيين، ذلك أنّ المؤرخين الفرنسيين هم من أطلقوا تسمية عزيزة عليها، تبعا لما أفادنا به الباحث والمؤرخ محمد بن مدور.. رغم الترميمات التي خضع لها هذا القصر، إلاّ أنّ ملامحه العمرانية العامة تؤكد بأنّه بناية من عهد ولى خلف عبقا عثمانيا يثير الفضول، لمعرفة تفاصيل عن حياة كانت تدب في أرجائه تحت إمارة سلطان.. كان قصر عزيزة، يحكي المؤرخ محمد بن مدور، تابعا لآخر السلاطين العثمانيين في الجزائر، وتم اتخاذه كإقامة للضيوف الذين يأتون من البلدان الأخرى لإجراء علاقات مع الجزائر.. لكن فيما تشير بعض الحقائق التاريخية إلى أنه كان دار إقامة للضيوف، تروي المذكرات القديمة بأنه كان إقامة للأسقف.. يتميز القصر بنمط معماري محلي ممزوج بالأسلوب العثماني.. ويتجلى ذلك من خلال الأعمدة التي تتخذ عدة أشكال؛ أبرزها شكل ''اللواي'' أو''نصف اللواي''.. و''اللواي'' اسم نبتة محبوبة لدى الجزائريين. يتكون القصر من طابقين، به حمام ومجموعة من المنازل، تميزها نوافذ، أبواب وأسقف من الخشب المطلي المزين بالزخارف، وجدران مزينة، إذ أنّ الشكل الهندسي لدار عزيزة يسود بدرجة ملحوظة في المنازل الجزائرية، إلاّ أنّ هذا لا ينفي أنّه تزاوج مع النمط المعماري العثماني، ليحمل بين طياته بعض بصمات الفن المعماري المستوحى من المشرق. والعنصر الرئيسي داخل هذه الدار هو الصحن الذي تنتظم حوله كل الغرف، وهوما يشكل إرثا من مخلفات الأسلوب العمراني المتميز بالباحة ذات الأعمدة، ما يجعل القصر نموذجا عن كافة المنازل الجزائرية التي تميزت بتأثيرات تجعل الزخرفة والديكور من نصيب الداخل والخارج في آن واحد.. وعموما كانت الدار في الأصل، تتكون من ساحة تحيط بها عدة غرف وحمام، لكنّ ملامح هذا القصر تغيرت كثيرا، حيث ضيع صفته الأصلية في زلزال ,1616 فعرف إثر ذلك عدة ترميمات.. ففي ساحته الكبيرة، لا توجد ''السقيفة'' كما هوالحال في منازل القصبة.. وباب القصر أيضا ليست أصلية.. عند المدخل، نجد منحدرا يؤدي مباشرة إلى الطابق الأرضي، لكنّه في الحقيقة يعد الطابق الأوّل بالنسبة للعثمانيين. كما تتميز ساحته الكبيرة في الوقت الراهن، بوجود نافورة في الوسط لم تكن موجودة من قبل، في سنة ,1830 تحولت دار عزيزة إلى ثكنة تحرس القائد الأعلى للجيش، لاسيما وأنّها توجد بالقرب من قصر حسان باشا. بعد الاستقلال، سكنها مواطنون. وقد أقام فيها ''حمدان خوجة'' لمدة سنة.. وألف فيها كتابا حول الأميرات الجزائريات.. ومن ضمن ما ورد في بعض المذكرات التي تركها، أنّ تاجرا من أصل يهودي باسم ''بن دران'' يسكن بالعاصمة، اشترى كل ما وُجد في قصر عزيزة.. وقد استغرقت عملية إخراج محتوياته مدة أسبوع، مما يدل على الكم الهائل لممتلكات الدار.. ثم استعملت الدار لاحقا كمقر لأوّل مجلة جزائرية تحمل اسم ''الثقافة''، والتي كانت تصدر باللغة العربية لأغراض سياحية. وصنف هذا القصر في سنة ,1887 وخلال آخر إحصاء لتراث القصبة سنة ,1992 إذ أدرجت هذه الأخيرة من طرف اليونيسكو في سجل التراث العالمي. وعليه، تظل دار عزيزة معلما أثريا هاما في قلب القصبة العتيقة، أوالذاكرة التي تروي تاريخ الشعب الجزائري بكل ما تحمله من معالم وهندسة تعود إلى العهد التركي، لتشكل خصوصيات تميزنا عن مختلف الدول العربية. فالقصبة بصفة عامة، تعتبر اليوم مقصدا سياحيا هاما، نظرا لما تحتويه من آثار وقصور تتميز ببراعة التصميم، على الرغم من تعرضها للتخريب في فترة الاحتلال الفرنسي، وكذا الكوارث طبيعية.