جدد رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، دعوته الشعب الجزائري إلى التوجه بكثافة غدا إلى مكاتب الاقتراع لكي تعبر كافة الشرائح والفئات عن اختيارها الحر في انتخاب ممثليها من أي اتجاه أو انتماء كانوا في هذا الحدث الذي سيكون مغايرا لسابقيه ومتميزا من حيث المشاركة الأوسع لمختلف التيارات السياسية. واغتنم رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، فرصة إشرافه على احتفالات ذكرى مجازر الثامن ماي ,1945 أمس بعاصمة الهضاب العليا سطيف، لتوجيه رسالة إلى الشعب الجزائري من أجل أن يثبت غيرته على هذا الوطن بأداء الواجب الوطني وممارسة الحق الدستوري وتحمل المسؤولية الكاملة من خلال انتخاب مجلس وطني شعبي تعددي سليم التركيبة. وفي هذا السياق؛ لم يتوان الرئيس بوتفليقة في إضفاء القدسية على واجب الانتخاب بالقول إنه يعد ''أمانة عظمى من بين أمانات المواطنة الواعية الراشدة''، مشيرا إلى أنها تقتضي ''تحكيم الضمير الوطني إيمانا واحتسابا في اختيار البرامج والمرشحين والمرشحات الأكفاء الخالين مما يعرض أهليتهم السياسية والأخلاقية للطعن''. وخاطب -في هذا الصدد- الشباب في القاعة متعددة الرياضات التي توشحت باللون الأزرق وبحضور حوالي 1500 مدعو، بالقول إنه يحمل الشباب مسؤولية العمل على تجسيد رسالة السلف الصالح والتصدي لقوى الشر ''التي تتربص بالجزائر كما تتربص بالدول العربية''، ليردف -في هذا الصدد- قائلا ''أنا واثق بأن شباب الجزائر سيتصدى لدعاة الفتنة والفرقة وحسابات التدخل الأجنبي'' و''أنه سيبرهن مرة أخرى أنه أهل للمسؤولية، وسيرفع التحدي ويجعل هذه الانتخابات وثبة أخرى في مسيرة البناء والتجدد الوطني''. وطالب القاضي الأول في البلاد هذه الفئة بأن تكون مؤثرة في صناعة القرارات وتحديد السياسات، من خلال انتخاب مجلس وطني شعبي تعددي سليم التركيبة يعكس واقع الأمة وتطلعاتها، و''يكفل حق المشاركة الفعلية للجميع بما فيها الأحزاب الفتية الناشئة واختيار منتخبين ذوي كفاءة ومصداقية، حاملين رؤى جديدة وبرامج جادة حصيفة''. في المقابل؛ وجه رسالة للمترشحين الذين قرروا دخول المعترك الانتخابي لأن يكونوا على مقدار الثقة التي يضعها فيهم الشعب من خلال الاضطلاع بالمهام المعتبرة وفق ما تقتضيه المرحلة القادمة وما يعكسه مستوى الإصلاحات السياسية وفي مقدمتها مراجعة الدستور، الذي قال عنه رئيس الجمهورية إنه ''فاتحة عهد جديد، لا سيما فيما يتعلق بترقية الحكم الراشد وتحديث مؤسسات الجمهورية وتوسيع مجال الحقوق والحريات''، كما أن الوعي بأهمية هذا الحدث يفرض -كما يضيف رئيس الجمهورية- على المرشحين والمرشحات الابتعاد عن ''التصرفات الشائنة وغير المرضية في تعاطي المنافسة الانتخابية''...''التي تمس بصدقية المجالس المنتخبة وتحط من القيمة المعنوية والأخلاقية لخدمة المواطن لأمته في المجال السياسي''. وأمام الجهود التي بذلت في شرح الرهان الكبير المعقود على هذا الاستحقاق، فقد أكد القاضي الأول أنه لا يوجد خيار آخر إلا النجاح في مرحلة كثيرا ما يصفها ب''المصيرية''، عاقدا الأمل -في هذا الصدد- على الشعب الجزائري الذي قال عنه إنه ''يقدر أهمية الحدث وحساسية الظرف'' وأنه لا يعتقد بأنه سيخلف وعده ويخذل وطنه في هذا الموعد. ومن باب التأكيد على الاهتمام الذي يوليه شخصيا لهذا الموعد الذي وفر له كل الضمانات لضمان نزاهته وشفافيته، أشار رئيس الجمهورية في خطابه، الذي تخللته الهتافات المساندة له وزغاريد النسوة، إلى أن مساهمته في هذه الانتخابات من خلال تشجيع المواطنين للإقبال عليها، جاءت للتقليل من الصعوبات التي قد يجدها المواطن في اختيار الأنسب من المرشحين. لا أعمل لحزب ضد آخر ونفى رئيس الجمهورية -في هذا الصدد- أنه يعمل لحزب ضد آخر، بالقول ''إن انتمائي السياسي معروف ولا غبار عليه''، مؤكدا أنه ليست لديه أغراض وراء ذلك وخاطب الحضور قائلا بالعامية ''جيلي طاب جنانو ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وعاش من عرف قدره''. في المقابل؛ دعا الشباب لحمل المشعل وتولي المسؤولية بتنظيم نفسه داخل الجمعيات والأحزاب السياسية، مشيرا إلى أن دور الشهداء والمجاهدين قد انتهى في تسيير البلاد دون الانتقاص من دورهم، بل أكد أنه يجب أن ''نكون بررة بآبائنا وأجدادنا ولابد أن نعطيهم حقهم وهم الذين أعطوا البلاء الحسن''. ومن أجل تفادي ما عانته البلاد خلال العشرية الماضية وتفادي تكراره، أكد القاضي الأول في البلاد ضرورة العمل من أجل مصالحة وطنية أعمق مما هي عليه شريطة أن لا ''نتحاور بالعنف ومع أصحاب العنف، بل نتحاور مع الذين يفكرون في مصلحة الجزائر''. وأبدى الرئيس بوتفليقة عدم رضاه لجهل الجيل الحالي بتاريخ بلاده، محملا المسؤولية للمشرفين الذين ركزوا في برامجهم التعليمية على مخططات لمحو الأمية والتي قال إنها لم تتسم بالبعد التاريخي اللازم، مشيرا -في هذا الصدد- إلى أن هناك الكثير من أبناء الجزائر من لا يزال يجهل أبطاله الثوار على غرار كريم بلقاسم، عبان رمضان، عميروش وحتى الرئيس الراحل بن بلة الذي وافته المنية مؤخرا، رغم أنه كان أول رئيس جزائري. وفي هذا السياق؛ دعا كتاب التاريخ إلى الاضطلاع بهذه المهمة، قائلا ''لابد أن نبحث عن ماضينا حتى نعرف من نحن وحتى نكون غدا نحن ولا نكون غيرنا''، كما خاطب الشباب مرة أخرى قائلا ''المشوار طويل معكم ولبناء الجزائر نؤكد لكم أن الأسس صحيحة وفيها من الخيرات ما يمكن ذلك''، في حين ربط ذلك بضرورة أن يتحلى الجميع بالتفكير الجماعي والعقلانية، مشيرا -في هذا الصدد- إلى تزايد المطالب والاستعجال في المطالبة بتحقيقها في أسرع وقت، لافتا إلى لجوء البعض للاضرابات بسبب السكن مثلا، في حين أن آخرين يطالبون بإنجاز طريق بمستوى الطريق السيار في مناطق أخرى من الوطن. وتساءل الرئيس عن القيمة المالية التي يمكن أن يكلفها مثل هذا الإنجاز على حساب الأجيال القادمة، ورغم ذلك، لم يغلق باب الأمل بالقول إن هذه المطالب ستؤخذ بعين الاعتبار. كما دافع رئيس الجمهورية عن الإنجازات التي حققتها البلاد منذ الاستقلال في رده على من ينكر ذلك، بالقول إنه تم إنجاز الكثير في مجال التعليم والعلاج وحتى السكن رغم تزايد المطالب بالقول ''من يريد محاسبتنا فليأت لنحاسبه نحن''. الجزائر أقامت برؤية متسامية علاقات مثمرة مع كافة الدول بما فيها فرنسا وفي سياق حديثه عن ذكرى الثامن ماي؛ قال رئيس الجمهورية أن ثمن استرجاع الحرية والسيادة الوطنية كان باهظا، داعيا الشعب الجزائري وخاصة الأجيال الجديدة لأن يدركوا بكل وعي أن ما حققته البلاد من حرية واستقرار وتقدم وديمقراطية إنما كانت نتيجة تضحيات غالية وجهود جبارة يجب أن تقدر حق قدرها. ورغم بشاعة هذه المظاهرات والإجرام التعسفي الذي طال العديد من الأبرياء خلال هذه المظاهرات، أوضح رئيس الجمهورية أن الدولة الجزائرية المستقلة عملت برؤية متسامية ورؤية مستقبلية منذ خمسين عاما على إقامة علاقات صداقة وتعاون مثمر مع مختلف دول العالم وفي مقدمتها الدولة الفرنسية إيمانا منها بضرورة جعل البحر الأبيض المتوسط فضاء سلام وخير مشترك بين شعوب المنطقة. ورغم أن مناسبة الزيارة طغى عليها الجانب التاريخي والحدث الانتخابي، إلا أن الجانب الرياضي لم يستثن منها من خلال اغتنام الرئيس بوتفليقة المناسبة لتجديد تهانيه لفريق وفاق سطيف بمناسبة فوزه بكأس الجمهورية، ومهنئا فريق شباب بلوزداد على ما قدمه، قائلا إن الفائز في النهاية هي الكرة الجزائرية. مبعوثة ''المساء'' إلى سطيف: مليكة خلاف