لازالت تشكيلات تكتل الجزائر الخضراء تعيش على وقع الصدمة التي أحدثها الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية للعاشر ماي الجاري، والتي خيبت توقعاتها وتمنياتها برؤية تكتلها القوة السياسية الأولى في البلاد، وقد دعا قادة التكتل أمس مجالس الشورى الوطنية لحركاتهم الثلاث إلى الانعقاد ''من أجل بلورة موقف سياسي حيال الوضع الجديد''. وأشارت الحركات الثلاث المشكلة لتكتل الجزائر الخضراء (حركة مجتمع السلم، حركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني)، في بيان وقعه قادتها إلى أن التكتل ''يعبر عن مخاوفه تجاه المستقبل، كون هذه النتائج تسببت في إعادة قطار الإصلاحات إلى نقطة الصفر وأرجعت البلاد إلى عصر الأحادية وكرست المزيد من اليأس في قدرة الصندوق الانتخابي على تعميق الإصلاحات وزرع الأمل في المستقبل''، واعتبرت في سياق متصل أن ''ما حدث يوم 10 ماي 2012 هو ضربة للإصلاحات واستخفاف بالإرادة الشعبية''، محملة ''الجهات الضالعة فيها المسؤولية الكاملة على المآلات التي لم تحترم فيها تطلعات الشعب وأشواق الشباب إلى الحرية والانعتاق في الذكرى الخمسين للاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية''. وبعد أن جدد التكتل اعتراضه على نتائج الانتخابات التشريعية المعلنة، واعتبرها ''تناقضا مع الحقيقة السياسية التي صنعها الشعب في الصناديق''، خلص بيان القادة الثلاث إلى أن ''التكتل بهذه النتيجة يرى نفسه القوة السياسية الأساسية الأولى في البلاد التي تنعقد عليها آمال الإصلاح ورهانات المستقبل''، معلنا بالمناسبة عن سلسلة من الإجراءات التي قرر اتخاذها تبعا لهذا الوضع الجديد، ومنها ''التواصل مع كل أطياف الطبقة السياسية بهدف التشاور وتنسيق الجهود وبحث إمكانية الخروج بموقف مشترك حيال النتائج المعلن عنها، لتصحيح مسار الديمقراطية ولجم نهم الداعين إلى عودة الجزائر إلى ما قبل 5 أكتوبر ,''1988 إضافة إلى دعوة مجالس الشورى الوطنية لأحزاب التكتل إلى الانعقاد من أجل بلورة موقف سياسي حيال الوضع الجديد''، و''دعوة المناضلين إلى الإبقاء على أهبة الاستعداد لمواصلة مسيرة الجزائر الخضراء التي بدأت مع بوادر الربيع الديمقراطي المؤجل في الجزائر''. ويفهم من القراءة الأولى للقرارات التي أعلنها قادة التكتل الأخضر أن مسيرة تحالف الأحزاب السياسية الثلاث لن تتوقف عند جدار الانتخابات التشريعية رغم قساوة نتائجها على قادتها ومناضليها، وأن العمل المشترك سيستمر في ظل الرهانات السياسية التي سيسعى التكتل إلى كسبها، لا سيما مع اقتراب مواعيد انتخابية هامة تتطلب من التكتل تعزيز صفوفه وتمتين دعائمه من أجل إثبات قوته السياسية. ولعل الوقت القصير الذي يفصلنا عن موعد الانتخابات المحلية المقررة قبل نهاية السنة تجعل من تمديد عمر التكتل خيارا ملحّا واستراتيجيا بالنسبة للحركات الثلاث التي يبدو أن قادتها خرجوا بانطباع إيجابي عن تجربتهم الفتية التي انطلقت في السابع مارس الماضي، أي قبل شهرين فقط من تاريخ الاقتراع، ما قد يجعل الرغبة في مواصلة المغامرة السياسية أمرا مشروعا. غير أن هذا الانطباع العام الذي لم تخفيه بعض العناصر القيادية في الحركات الثلاث المشكلة للتكتل الأخضر، يتعارض مع التحاليل التي رأت في حركة مجتمع السلم الخاسر الأكبر في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لا سيما في حال مقارنة حصادها هذه المرة بما غنمته الحركة في تشريعيات ,2007 فضلا عن التساؤلات الكثيرة التي تثار حول المصير الذي ستختاره ''حمس'' بالنسبة لمسألة مشاركتها في الحكومة من عدمها، ولو أن البيان الصادر عن قادة التكتل يحمل إجابة ضمنية لهذه التساؤلات وذلك عندما خلصت الوثيقة إلى أن ''التكتل يرى نفسه بعد نتائج التشريعيات ''القوة السياسية الأساسية الأولى في البلاد التي تنعقد عليها آمال الإصلاح ورهانات المستقبل''، وهو ما يمكن فهمه على أن التكتل اختار هذه المرة صف المعارضة على اعتبار أن نتائج الاقتراع صنفته في المرتبة الثالثة بعد حزب جبهة التحرير الوطني والأرندي. ولا مفر من الإشارة إلى الطروحات البراغماتية التي تربط نجاح حركة مجتمع السلم في المستقبل بضرورة تغيير قيادتها المطالبة حسب أصحاب هذا التحليل بتحمل مسؤولياتها كاملة للإخفاق الذي منيت به خلال الاستحقاق، ولو أن تشدق مناضلي التكتل وقادته بمبرر ''التلاعب بنتائج الانتخابات'' قد تشفع لقيادات حركاتها هذه المرة وتمكنها من فرصة أخرى وتمنحها الضوء الأخضر من مجالسها الوطنية للشورى لمواصلة المسيرة والتأهب للمعارك السياسية القادمة. ولو أن الأمر يبدو بسيطا عند مجرد الكلام، لكنه في الواقع أعقد من ذلك وخاصة عندما نثير هنا أحد أهم المبادئ التي رسخها المرحوم محفوظ نحناح في ''دستور'' حركة مجتمع السلم والمتعلق بمبدإ المشاركة، الذي يكرس خيار النضال من داخل الحكومة، والتخلي عنه سيدخل الحركة في تجربة جديدة لم تعهدها من قبل.