تعد العطور جزء من ثقافة كل شعب، لأنها تعكس جانبا من شخصية الناس عبر مايختارونه من أنواع لروائح متعددة. والمعروف حاليا طغيان العلامات الأوروبية لاسيما الفرنسية في عالم العطور، لدرجة أنها أصبحت مرجعا، وهو ماكلفها موجة من التقليد التي مست كل الأسماء الكبيرة المعروفة.مقابل ذلك ورغم ان الدول العربية تعد منبعا هاما للخامات التي تصنع منها العطور الأوربية، فان اغلبها لايملك صناعة وطنية خاصة، بل ان أسواقها أغرقت بالعطور المقلدة. وكان حضور السيد شادلي شلبي وهو مختص في صناعة العطور بتونس في الصالون الدولي للسياحة والأسفار،فرصة للحديث عن هذا العالم، لاسيما وانه عرض مجموعة من العطور التونسية التقليدية للبيع في الصالون. أمام طاولته التي وضعت بجانب الجناح التونسي في الصالون، وقف محدثنا يعرض مجموعة من العطور بأسماء مختلفة، والتي كان يبيعها في قارورات خاصة جميلة الشكل ومميزة...إنها الطريقة التونسية لجلب الزبائن والنابعة من ثقافة سياحية متجذرة في هذا البلد. فإضافة الى الخلفية التقليدية للجناح الذي حمل بصمة تونسية بحتة،فان السيد شلبي كان يرتدي الزي التقليدي التونسي لتكتمل ''الصورة الثقافية- السياحية'' أمام الزوار الذين حاموا حول طاولة العطور لاستنشاقها واختيار إحداها للاستعمال الشخصي أو لإهدائها. نساء ورجال وحتى أطفال ابدوا اهتماما لم يكن غريبا، بالنظر لحب الجزائريين الكبير للعطور ولاكتشاف الجديد في هذا المجال. سألنا السيد شلبي عن مميزات منتجاته فأشار الى انه يعمل في صناعة العطور منذ عشرين عاما. ويختص في تحضير مستخلصات العطور عبر تقنية تقطير الزهور بالماء المقطر.''عطورنا طبيعية بدون كحول وبدون مواد كيميائية، وبضع قطرات منها في الصباح تكفي للتعطر طيلة اليوم،كما يمكن وضع بضع قطرات في الحمام من أجل الحصول على رائحة جميلة في كامل الجسد،ولدينا صابون وكذا مستحضرات عطرية خاصة بالمنزل يمكن استخدامها كبخور''. هكذا يشرح محدثنا خصائص هذه العطور التي ورث تحضيرها من أبيه الذي ورثها هو الآخر من أجداده، لتستمر هذه الحرفة التي يمارسها في مدينة سيدي بوسعيد السياحية حيث يوجد سوق للعطارين يمتد تاريخه الى العهد العثماني،وبه أكثر من 400 عطار يلجأ إليهم اكبر صناع العطور في العالم للحصول على مستخلصات العطور المستخدمة في إعداد الماركات العالمية. وبالنسبة للمواد الأولية المستخدمة، فان محدثنا يكشف ان أهمها الورد''تونس بها أنواع كثيرة من الورد...وحتى كبار العطارين الأوروبيين يأتون إلينا لاقتناء مستخلص العطور بأنواعه المختلفة المركز جدا والخفيف والذي تتراوح أسعاره بين 2000 و10 آلاف أورو للكيلو''. وعن طريق تحضيرها يوضح ان ذلك يتم بطريقة تقليدية عبر عملية التقطير التي ينتج عنها عطور مختلفة،وعبر الشم يتم إعداد الخلطات التي تطلق عليها أسماء مختلفة ولكل عطر ميزته، مع اخذ رغبات الزبائن بعين الاعتبار، كما يمكن إعداد خلطات تشبع العطور المشهورة التي يحب الناس اقتناءها بأسعار معقولة. ويذكرنا السيد شلبي كيف ان مثل هذه العطور المنتجة تقليديا ومحليا كان البعض يراها خاصة بالموتى فقط،وذلك راجع الى معطيات ثقافية وأخرى خاصة بمميزات العطور القديمة، التي كان لابد من تطويرها حتى تستجيب لذوق نساء ورجال اليوم. وبالنسبة لأكثر العطور طلبا، فانه يؤكد انه عطر الياسمين الذي يقبل عليه بكثرة العطارون الأوربيون الذين يستخدمون الياسمين كأساس لأغلب العطور المنتجة،كما يشير الى الاهتمام البالغ للسياح الذين يزورون تونس باقتنائها،ولهذا اختير لها أسماء تونسية وشرقية عموما مثل ''ليالي قرطاج''،''ألف ليلة وليلة''،''عطر الحب'' ''عطر الصحراء''...ويقول''نفضل ان تبقى عطورنا محلية وان لاتتحول الى ماركات صناعية لأننا نعمل خصيصا مع السياح، وهم يحبون هذا النوع من العطور لاختلافها عن تلك المتوفرة لديهم في أوروبا''.