عرفت العلوم الإستشرافية والدراسات المستقبلية منذ أواخر القرن الماضي (1980) منعطفا سياسيا خطيرا قائما على مخططات وبرامج عولمية هادفة، غير تلك المرتكزة على صياغة مجموعة التنبؤات والإفتراضات حول الماضي والحاضر وإسقاط مختلف المحصلات على المستقبل القريب أو المتوسط، بل أصبحت تلك الدراسات المستقبلية تقوم على معطيات مشروطة، تنطلق من قواعد جديدة خاصة، تحمل الخوف والشؤم أكثر من التفاؤل والأمل·· مازال الإنسان، ومنذ وجوده في هذا العالم، يبحث عن وسائل مادية أو فكرية معرفية تمكنه من الإطلاع على مستحدثات المستقبل وعلاقة أحواله بالأخرى، فلجأ ومنذ القِدم إلى الكهانة والعرافة والفراسة والتنجيم والحدس والتجارب الروحانية·· وغيرها، من الوسائل التي تبعث في نفسه الراحة والإطمئنان، عليه وعلى مستقبله وعلى كل ما يساعده في التمكن من السلطة والتحكم في الأعناق والأرزاق بعيدا عن الحروب والفتن، وما أسفرت عنه من انقسامات إقليمية سياسية وفكرية تشعبت إلى مذاهب وإيديولوجيات يمينية ويسارية، اشتراكية ورأسمالية، وإلى أنظمة وسلطة ديكتاتورية دينية ومدنية، وعلمانية وديمقراطية، زادت الفجوة الإنسانية بعدا واتساعا معرفيا ضخما، لا يحاط ولا يحتاط، إلا بفضل ما توصل إليه العقل البشري في إيجاد علم ''الإستشراق'' و''دراسة المستقبل'' وما يقوم عليه من قدرات ومهارات علماء الإستشراف، وما توصلوا إليه من معلومات، لأحداث تاريخية ومداخلات اقتصادية واجتماعية ومالية وتجارية وقانونية، تخص صيرورة وكينونة الفعل البشري ومدى قدرة تحكمه في مختلف أنماط تطويع النظم والإحتراز من الأزمات والمخاطر التي تنتج عنها، كما أنه علم يساعد على فهم التطورات الزمنية للمخططات، والبرامج السياسية الإنمائية وما يتبعها من قرارات مصيرية قد تكون صائبة، وقد تكون معالجة لأحداث مستعصية أو طارئة مستعجلة (المعرفة المبكرة لفهم الأحداث) كما عرفت العلوم الإستشرافية والدراسات المستقبلية منذ أواخر القرن الماضي (1980) منعطفا سياسيا خطيرا قائما على مخططات وبرامج عولمية هادفة، غير تلك المرتكزة على صياغة مجموعة التنبؤات والإفتراضات حول الماضي والحاضر وإسقاط مختلف المحصلات على المستقبل القريب أو المتوسط، بل أصبحت تلك الدراسات المستقبلية تقوم على معطيات مشروطة، تنطلق من قواعد جديدة خاصة، تحمل الخوف والشؤم أكثر من التفاؤل والأمل ذلك لارتباطها بتزايد المشاكل العصرية، لاحتواء الآخر· ومحيطه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، على المستوى المتوسط والبعيد، هذا التوجه الجديد الذي ألزم الباحثين والمتخصصين في الدراسات الإستشرافية والسياسيين أن يولوا جميعا اهتماماتهم نحو المعطيات الكلية للمجتمعات، في إطار النظرة العولمية للوجود البشري دون تحديد أو تخصيص، دولة أو إقليم أن نظام (نظرة العالم القرية) وقبضة الدول القوية المسيطرة على مختلف وسائل العلوم والدراسات الحديثة وما حققته من إنجازات في المجالات المرتبطة بالتقدم التكنولوجي وثورة المعلومات الفائقة والمعطيات الدقيقة التي يحتاج إليه الباحث والدارس لأنماط ''المستقبليات'' المراد تنفيذها عن طريق الوسائط الإقتحامية سريعة التأثير والنجاعة والأداء، بأقل جهد وتكليف والأكثر تطورا وتعقيدا وتجديدا وتحديثا مع الأيام والشهور، إلى غير ذلك من أساليب ترسيخ سياسة الأنظمة المهنية الرامية إلى تحضير الإنسان الضعيف لإكتساب أفكار ومعارف الآخر والخضوع له في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وتوضيح رؤية الدولة الحديثة، غير تلك الموروثة عن العهود البائدة أو تلك المرتبطة، بالشرعية الثورية والمرجعية والدينية، فالاستشراف علم وفن يهتم بالقضايا الفكرية والاجتماعية والاقتصادية للأمم والشعوب، يوفر لها مناهج وتقنيات تساعد الإنسان على فهم توجيهات الأنظمة السياسية والسلطة الدينية والمدنية والسرية، وما ينتج عنها من صراعات وخلافات واصطدامات مذهبية وإيديولوجية تنبئ بالحرب حينا وبالتحضير لاستعمار جديد حينا آخر، تلك النظرة المستقبلية التي يؤكد عليها على الاستشراف بوقوع إحداثها خلال الشعرية الثانية للألفية الثالثة من خلال العديد من الدراسات المنجزة (1980 - 1983) خاصة تلك المتعلقة بمستقبل سلط الحركات الدينية والمدنية في الوطن العربي والصين والهند وغرب أوروبا، باعتبار المجتمع الأمريكي المهين مجتمع ديني يفضّل التعامل مع الحكومات الدينية الأكثر وفاء ودواما والأشد نفوذا وإخلاصا (دين الأقوى على الضعيف)· 1 السلطة الدينية / هي تلك السلطة التي تستمد تشريعاتها من الكتب المقدسة أو المرجعيات الدينية والمذهبية، فالدولة الإسلامية تستمد مصادر تشريعاتها من الكتاب والسُنة ورأي الجماعة وما تضمنه ذلك الدين من قيم وسماحة روحية واجتماعية تبني عليها دساتيرها وقوانينها، تلك السلطة التي غالبا ما تستعمل الدين لأغراض سياسية نفعية خاصة لا تتحقق إلا في ظل سلطة وزعامة دينية دائمة (لها السمع والطاعة) كما للسطة الدينية فكرة ترسيخ فلسفة التوريث (توريث السلطة والملك العام) بين العائلة، والطائفة أو العشيرة والحزب بحجة الأغلبية (سلطة الهراركية الدينية) ذلك التوريث الدائم المرتبط بالتنظيم الديني باعتباره ظاهرة اجتماعية حضرية ضرورية تساعد على استقرار النظام وتحقيق العدالة الإجتماعية الضامنة لحقوق الأفراد والجماعات يتولى شأنها جماعة (مجلس شورى) المنضوي تحت سلطة الزعيم الحاكم والمأمور بتوجيهات الإمام المرجع الذي لا تخالف أوامره ولا ترد أحكامه ولا تناقش أقواله ولا يسأل عن أفعاله (احتكار المعرفة الدينية) ولا تتعدد فيها السلطة ولا تفصل (السلطة التشريعية التنفيذية القضائية)· 2 السلطة المدنية / تعني السلطة المدنية التحضير والتمدن والتفتح والتحديث، تقوم أساسا على العلمانية والقومية والوطنية والديمقراطية المطلقة، تستمد قوتها من الشعب (سلطة الأغلبية) تقصى فيها الأقلية الدينية والعرقية واللغوية والنخبة المشكلة، كما تنشط السلطة المدنية تحت العديد من الآراء والمفاهيم العامة في كل ما يتعلق بالشأن العام للمواطنين، المفضي إلى العيش الكريم لكافة أفراد المجتمع الواحد دون تمييز أو تفضيل، القائمة على الفكر العلمي البعيد كل البعد عن الفكر النظري والفلسفي، ولذلك توصف هذه السلطة بالميوعة والتلقائية، لا تخضع لحواجز دينية أو قانونية أو عرفية، بل للعقل واللين والعمل الجاد والخلاق المساعد على الاستقرار السياسي لمختلف الفاعلين في السلطة المدنية، لأن التوتر الفكري والأزمات الاجتماعية التي تزيد في توسيع فجوة الخلافات السياسية تقضي حتما على التضامن والديمقراطية ثم الجمود فالانهيار· 3 السلطة السرية / أو الخفية هي تلك السلطة التي تتحكم في سير الموجود ومحاربة مختلف أشكال الجمود والمعبر عنها ب''الأنتروبيا''، كما أنها السلطة الفعلية غير الرسمية القادرة على توجيه نمط الحكم في الدول المتقدمة وحماية السيادة الوطنية وثرواتها وتضامنها الديمقراطي واحتوائها لصناع الأفكار من المثقفين وصناع القرار من أصحاب المال والسياسيين النافذين في المجتمع، كما تكمن قوة عمل هذه السلطة في السرية الدائمة والعقلانية والتبصر، وغالبا ما تكون موازية لنظام الحكم والظهور باسم الضمير المقدس والواجب الأخلاقي والمهني والخضوع للأوامر التي تفرشها الضرورة الاجتماعية، غير القابلة للنقاش والتمرد عليها، كما لهذه السلطة الخفية أو السرية أشكال أخرى قد تظهر ولو مرحليا، وهي تلك التي تتكون حول دوائر سياسية نافذة من أجل تحقيق مصالح نفعية خاصة، التي غالبا ما يترتب عنها الفساد السياسي والإجتماعي والإقتصادي بسبب الخلافات والأزمات بين أصحاب المصالح المشتركة، ولا تزول هذه السلطة إلا بزوال زعمائها (ثورات الربيع العربي) الإختلاف السياسي والصراع الإيديولوجي وصدام السلطات وتضارب المصالح المفضي إلى القضاء على الفكر التحرري والشرعية الثورية والمتاجرة بالاستقلال والسيادة الوطنية، بافتعال تصادمات بين سلطة دينية وسلطة مدنية باستعمال المتفجرات والأسلحة النارية والخناجر والسيوف والزج بالمجتمعات في دوامة التحضير لاستعمار جديد، وتمكينه من تفتيت الوحدة الترابية وتهديد الوحدة الوطنية والأمن القومي باسم أنظمة جديدة، غير تلك الموروثة عن الاستعمار، وما عرفته الدول والشعوب التي عرفت الحروب من أجل الاستقلال منذ النصف الأخير من القرن الشعرين، وتطورت فيها الحركة السياسية متنوعة الإيديولوجيات والمذاهب كالإخوانية والسلفية والصوفية والوهابية··· وغيرها من الفرق المتواجدة في الوطن العربي والمبرمجة المنظور العولمي الحديث والملازمة لذلك التحرك السياسي الديني للحركة المسيحية اليهودية وحركة الأمة المطهرة والحركة البروتستانتية الألفية والحركية الإنجيلية المتطرفة في آسيا وإفريقيا وأوروبا الغربية·