دقّت هيئة الأممالمتحدة والمنظمات المختصة التابعة لها أمس ناقوس الخطر، محذرة من كارثة إنسانية عالمية قد تهدد الاستقرار العالمي في حال استفحال تداعياتها على الدول الفقيرة· وقررت الأممالمتحدة وممثلو 27 منظمة إنسانية تابعة لها بالعاصمة السويسرية بيرن استحداث هيئة طوارئ في محاولة لإيجاد ميكانيزمات كفيلة لوقف الإرتفاع الفاحش لأسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك·ولجأت الأممالمتحدة التي مثّلها أمينها العام بان كي مون في هذا الاجتماع إلى هذا الإجراء بناء على تقارير متلاحقة لمنظماتها التابعة لها، والتي أعطت صورا سوداوية حول وضعية الغذاء في عشرات الدول الواقع معظمها في الجزء الجنوبي من القارة·وقال روبير زوليك رئيس البنك العالمي إن الأسابيع القادمة ستكون حاسمة بالنسبة لأكثر من ملياري نسمة، بعد أن أصبحت أسعار المواد الغذائية المرتفعة بمثابة معركة وتضحيات يومية، لأن الأمر أصبح مسألة حياة أو موت"· وقررت الأممالمتحدة بمناسبة هذا الاجتماع- غير المسبوق- إنشاء وبشكل عاجل، خلية أزمة تضم مدراء الوكالات الإنسانية الأممية، ورئيس الصندوق الدولي والبنك العالمي تحت رئاسة الأمين العام الأممي بان كي مون· وفي نداء استغاثة وجهه هذا الأخير إلى كبار العالم، طالب فيه بضرورة القيام بتحرك مستعجل من أجل تغذية "أفواه الجياع" في العالم من خلال تقديم مساعدات آنية وكافية لتفادي وقوع كارثة إنسانية في العديد من الدول الفقيرة·وقالت شيرين جوزيت المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي إن الحاجيات الإنسانية للعام الجاري تقدر بحوالي 3.1 مليار دولار، ويتعين توفير 755 مليون دولار في القريب العاجل لمواجهة الارتفاعات المتلاحقة لأسعار المواد الغذائية الأساسية التي أصبحت تهدد الاستقرار في كثير من الدول الفقيرة وحتى متوسطة الدخل· ويبدو أن الأممالمتحدة ومعها منظماتها الإنسانية ستجد صعوبة كبيرة في تحصيل هذا المبلغ بسبب الفارق الكبير القائم بين ما يملكه برنامج الغذاء العالمي المقدر ب 18 مليون دولار والمبلغ اللازم (755 مليون دولار) لمواجهة التحدي الذي أصبحت تفرضه الاحتياجات الغذائية في الدول المتضررة· وكانت منظمة الزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" دقّت ناقوس الخطر منذ مدة وحذرت المجموعة الدولية من كارثة إنسانية محدقة بغالبية دول العالم عندما أشارت إلى حاجتها لمبلغ 1.7 مليار دولار لتحسين قطاع الزراعة في الكثير من الدول النامية، وخاصة تلك المتضررة من انعكاسات ارتفاع الأسعار، وفي وقت تدنت الاحتياطات العالمية من المواد الغذائية إلى أدنى مستوياتها منذ قرابة ثلاثة عقود· ولكنه ورغم النداءات الملحة التي ما انفك المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة "فاو" يوجهها إلى الدول الكبرى، إلا أنها بقيت دون صدى، بعد أن صمّت هذه الدول آذانها لنداءات الاستغاثة المتلاحقة، وهو مازاد في تعميق أزمة الغذاء العالمية وأوصلها إلى نقطة الخطر"· وتعد الدول الإفريقية من أكثر الدول تضررا من انعكاسات الارتفاعات المتلاحقة بمعظم أسعار المواد الغذائية، وأدت في بعضها إلى اندلاع مظاهرات "الخبز"، استدعت من سلطاتها اتخاذ إجراءات استعجالية للحد من تفاقم هذه الأزمة· ولكن الهدوء الذي يسود الدول الإفريقية المصنفة في خانة الدول الأكثر فقرا في العالم يبدو أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، على اعتبار أن أسعار المواد الأساسية ما انفكت منحنياتها تتجه نحو الأعلى مع ازدياد حدوث الإنفجار الأكبر· وهو الوضع الذي دفع بصندوق النقد الدولي إلى التعبير عن انشغاله العميق إزاء آثار الأزمة الغذائية في القارة الإفريقية· والواقع أن الدول الإفريقية المتضررة تدفع ثمنا غاليا لسياسات هذا الصندوق والبنك الدولي بسبب الشروط المجحفة التي يفرضها على اقتصاديات هذه الدول بدعوى تأهيلها لدخول نظام اقتصاد السوق الليبرالي، ولكنها في الحقيقة شروط تعتجيزية، كثيرا ماكانت سلبياتها أكثر من إيجابياتها، وتؤدي في النهاية إلى الانفجار المحتوم·