بسبب تزامن شهر رمضان هذا العام مع فصل الصيف وأجوائه الساخنة، يحاول الجزائريون الذين اشتهروا بتفننهم في إعداد موائد عامرة بكل ما لذ وطاب، تحسبا لمواعيد الإفطار، الاعتماد على الأكلات الرمضانية التي تتكون بشكل أساسي من خضر موسمية، تماشيا مع طبيعة هذا الموسم الذي تدخل فيه الشهية في “خصام” مع لهيب الحرارة! ورغم أنّ المطبخ الجزائري مشهور بأطباقه الدسمة، لاسيما التقليدية منها الّتي تبدع ربات البيوت في إعدادها في رمضان الشتاء، إلاّ أنّ المسألة - بحسب تصريحات بعض المواطنين – تغيرت في رمضانيات أيام الصيف، والتي تحل علينا للمرة السادسة على التوالي، حيث أنّ الأجواء الساخنة فرضت على الأسر الجزائرية وضع برنامج غذائي خاص لرمضان، يقوم على تغيير نوعية الوجبات المقدمة في الإفطار وحتى السحور، لتكون خفيفة على المعدة في فصل تؤثر حرارته على الشهية كثيرا، لاسيما وأنّ معدلات الحرارة تلامس ال 40 درجة مئوية في العاصمة أحيانا، وتفوقها في مناطق أخرى من الوطن. ويركز البرنامج الغذائي الرمضاني بالنسبة للعديد من العائلات الجزائرية في هذه الأيام على حذف بعض الأكلات الثقيلة التي تحضر في رمضان الشتاء، وكذا بعض الأطباق الزائدة، تجاوبا مع نقص الشهية. وبإحدى أسواق الجزائر الوسطى، قالت فتاة شابة: “إنّ مائدة إفطار العائلة تقتصر عادة على الحساء (الحريرة) وطبق خفيف يعتمد على بعض الخضار الموسمية، على غرار طبق “الدولمة” الّذي يحتوي على خضار موسمية محشوة باللحم المفروم. فيما أشارت سيدة أخرى إلى أنّها استغنت تماما عن الطبق الرئيسي الّذي اعتدنا على تناوله في رمضان بعد الحساء، حيث استبدلته بالسلطات، بعدما تبين لها أنّ أفراد عائلتها يعزفون عن تناوله في كل مرة. أما الآنسة “فهيمة”، فأوضحت أنّ عائلتها ما زالت محتفظة إلى حد ما بتنويع المأكولات من خلال إعداد أطباق رئيسية تقليدية، لكن مع الحرص على اختيار الخفيفة منها حتى يتسنى لأفراد الأسرة تناولها، مثل “شطيطحة جاج” التي تحضر بقطع الدجاج والحمص، و«طاجين الزيتون” بشرائح الجزر. ومن جانبه، ذكر السيد “علي”(رب عائلة) أنّه يكتفي بتناول الحساء والسلطة عند حلول موعد الإفطار حتى لا يثقل معدته، مضيفا أنّ هذا البرنامج الغذائي الرمضاني يشعره براحة كبيرة، لاسيما وأنّه يعاني من مرض القولون. ومن أبرز الأكلات الجزائرية الرمضانية الّتي تظهر في رمضان بشكل خاص، وتحديداً عندما يأتي في فصل الصيف، هناك الغراتان بالدجاج والبطاطس، طبق الباذنجان بصلصة الطماطم وطبق الفلفل المشوي بالطماطم وزيت الزيتون. ومن الأكلات الرمضانية الجزائرية المعتمدة على الخضر الموسمية أيضا؛ البطاطس المقلية بالبيض، وقد تكون مرفوقة ب«البوراك” أو “البريك”، إذ يعتمد تحضيرهما على رقائق العجينة(الديول). كما قد تعوضهما “العجيجات”، وهي عبارة عن كريات من البطاطا المسلوقة التي تقلى بعد إضافة الجبن والبقدونس. ولو أنّ حضور هذه الأكلات الخفيفة على المائدة لا يكون بشكل يومي، كما هو الحال في رمضانيات الشتاء. ومن الأكلات التي تظهر بشكل كبير على مائدة الإفطار في رمضان، هناك “اللحم لحلو” الذي يحضر باستخدام الفواكه المجففة، ويضاف إليها المكسرات والسكر وشرائح التفاح، مع إقصاء قطع اللحم في هذا الفصل ليكون الطبق خفيفا، حسب ما كشفت عنه بعض الآراء.. وبموجب هذه المعطيات، يسمح البرنامج الغذائي الخفيف في رمضان الصيف لربة البيت، بالتخلص من مشقة الطبخ والعجن التي تفرضها رمضانيات الشتاء لإعداد وجبة الإفطار، حيث أنّها لا تتعدى طبق الحساء (الشوربة) المعد من القمح المطحون “الفريك”، أو حساء الحريرة، إضافة إلى السلطة. الإقبال على التمر في الأسواق عرف تراجعا نسبيا، إذ يعترف بعض المستهلكين بأن التمر لا يثير شهيتهم كثيرا في هذا الفصل، رغم ما يمثله الإفطار بهذه الفاكهة من أهمية، حيث أنّ من السنة في الإسلام تناول حبات من التمر وقت الإفطار، وهذا الأمر الذي يعكسه تأرجح أسعاره ما بين 200 دج و300 دج للكيلو غرام الواحد، ليصل في بعض المناطق إلى 350 دج، بعدما كان يقترب سعره في سنوات خلت من 400 دج للكيلوغرام الواحد. وفي حين يظل طبق “المسفوف” (الكسكس بالزبيب أو بالخضار) سيد مائدة السحور لدى بعض العائلات، كونه يزود الجسم بالعناصر الغذائية التي تسمح بمقاومة الجوع وتجنب الهبوط المفاجئ للسكر.. تعتبره عائلات أخرى طبقا ثقيلا في فصل الحرارة، إذ يتم استبداله بفنجان قهوة أو بعض الفواكه والمحليات حتى تكون الوجبة خفيفة. أما خلال السهرة، فيفضل البعض شرب الشاي أو القهوة، وأحيانا تنضم إلى المائدة كميات من الزلابية التي يتذوق البعض منها قطعة صغيرة لا أكثر على سبيل استرجاع ذوقها الّذي قد يكون منسيا في سائر الأيام الأخرى. وكما هو الحال منذ السنوات الخمس الماضية التي حل فيها شهر رمضان خلال الصيف، ما زال المستهلك الجزائري حريصا على ملء موائد الإفطار بالعصائر المختلفة لإطفاء عطش الصيام، مع تناول الفواكه الصيفية بعد أداء صلاة التراويح أو عقب الانتهاء من تناول وجبة السحور، ومنها البطيخ الأحمر، الشمام والعنب، لتكون زادا للصائمين خلال النهار وتساعد على مواجهة معدلات الرطوبة العالية، وما تسببه من فقدان كبير لماء الجسم. فرغم أنّ وجبات الإفطار خفيفة إلاّ أنّ الجوع لا يطاردهم، حيث يبقى العطش أصعب ما يمكن أن يواجهه الصائم في رمضان.