وصفت وزيرة الداخلية الفرنسية السيدة ميشال اليوت ماري أمس، الجزائر ب"الشريك الاستراتيجي والأساسي"، بالنسبة لبلادها، وأنها تعد أيضا "شريكا مهما" في مكافحة الإرهاب، وأكدت أن زيارتها سمحت بمناقشة الملفات الأمنية ومشروع الاتحاد المتوسطي وقضايا أخرى تخص ممارسة الشعائر الدينية. اختتمت وزيرة الداخلية الفرنسية أمس، زيارتها إلى الجزائر بتنشيط ندوة صحفية بمقر مديرية الحماية المدنية بالعاصمة وتطرقت خلالها إلى كل القضايا التي أثارتها مع المسؤولين الجزائريين. وأكدت في هذا السياق بأن الجزائر تعد "شريكا استراتيجيا أساسيا" بالنسبة لفرنسا وذلك في كل المجالات سواء على الصعيد الاقتصادي أو الثقافي أو الأمني أو بما يتعلق بتنقل الأشخاص، مجددة استعداد بلادها ودائرتها الوزارية لتعميق التعاون أكثر فأكثر خاصة في مجال الحماية المدنية والتنسيق الأمني من خلال تبادل الخبرات والمعلومات وضمان أمن مواطني البلدين، وأوضحت أن هذه الزيارة تسجل ضمن مسعى بناء علاقات استثنائية في إطار خارطة طريق التعاون بين البلدين التي رسمها الرئيسان عبد العزيز بوتفليقة ونظيره نيكولا ساركوزي شهر ديسمبر الماضي. وحرصت السيد أليوت ماري خلال الندوة الصحفية التي نشطتها بحضور نظيرها الجزائري السيد نور الدين يزيد زرهوني على إبراز الطابع الإيجابي للعلاقات الثنائية بين البلدين وتحاشت التطرق إلى نقاط الخلاف خاصة تلك المتعلقة بالتاريخ. وتحدثت عن التعاون المثالي في مجال الحماية المدنية وأشارت إلى الاتفاقية الموقعة أمس، بمقر مديرية الحماية والتي تنص على تمويل وعصرنة القدرات العملياتية للحماية المدنية. ووقع على الاتفاقية المدير العام للحماية المدنية السيد مصطفى لهبيري ونظيره الفرنسي هنري ماس، وأشارت إلى أن هذه الاتفاقية من شأنها أن "تعطي دفعا جديدا للعلاقات بين جهازي الحماية للبلدين كما أنها تبرز الإرادة المتبادلة لتوفير حماية أفضل لمواطنينا". وفي سياق استعراضها لمجالات التعاون بين وزارتي الداخلية للبلدين قالت أن ذلك لا يقتصر فقط على قطاع الحماية المدنية لكنه يشمل أيضا "مجال الإدارة المحلية" من خلال فتح أفاق جديدة للتعاون غير الممركز في هذا المجال عبر تبادل التجارب قصد تعزيز العلاقات بين ضفتي المتوسط لمعالجة المشاكل المشتركة. وكشفت وزيرة الداخلية الفرنسية عن تعاون وثيق بين البلدين في مجال الشرطة العلمية على النحو الذي يسمح بضمان أمن مواطني البلدين وأكدت أن هذا التعاون يهدف بالأساس إلى مواجهة الجريمة المنظمة والإرهاب، وأنه تم الاتفاق على وضع برنامج إضافي لتكوين أعوان الشرطة إضافة إلى البرنامج الحالي وذلك بغرض الاستجابة للطلبات الخاصة في مجال التكوين والحصول على معارف جديدة. ويرتكز هذا التعاون على تبادل المعلومات والخبرات واعتماد جملة من الشروط في استخراج الوثائق الإدارية مثل اعتماد البصمات البيومترية في استخراج التأشيرة وجوازات السفر وبطاقة التعريف الوطنية، وقالت: "أن الاعتماد على هذه الإجراءات من شأنه أن يساهم أكثر في تفكيك شبكات الإجرام والتأكد من هوية الأشخاص الذين يسافرون ويتنقلون بين البلدين". وتناول السيد زرهوني ونظيرته اليوت ماري أمس خلال المحادثات التي جمعتهما هذا الملف، وأكدا على أهمية التحقق من هوية الأشخاص الذين يتنقلون بين البلدين ولم يستبعدا التعمق في مناقشة هذا الجانب في إطار تنفيذ مشروع الاتحاد المتوسطي. وغير بعيد عن ملف الإجرام تناولت السيد اليوت ماري مع الصحافة ملف مكافحة الإرهاب وذكرت بموقف بلادها بضرورة محاربة هذه الظاهرة "العابرة للأوطان" باعتماد مقاربة تتقاسمها كل دول العالم. وقالت الوزيرة الفرنسية أن فرنسا كما هو الحال بالنسبة للجزائر تعرضت إلى هجمات إرهابية، وأن التهديد الإرهابي لا يزال قائما إلى غاية اليوم وهذا ما "يجعلنا نقول أنه لا يمكن مكافحته إلا بصفة جماعية" وخلصت إلى التأكيد على "أن مكافحة الإرهاب يوجد في قلب علاقاتنا، وأن الجزائر تعد شريكا استراتيجيا في هذا المجال، ونحن نتعاون معا بكل شفافية وفي إطار الثقة المتبادلة"، واعتبرت أن هذا التعاون سيمكن البلدين من الانتصار على "المتطرفين والإرهابيين الذين تسببوا في قتل عدد معتبر من الأبرياء"، ووجهت في هذا الإطار تحية إلى "أولئك الذين يساهمون في مكافحة الإرهاب في الجزائر". وحول زيارتها إلى ولاية تلمسان وإمكانية التطرق إلى ملف الحدود البرية المغلقة بين الجزائر والمغرب، أكدت السيدة اليوت ماري أن هذا الملف غير مدرج في أجندة الزيارة وأن تنقلها إلى هذه الولاية الحدودية كان بغرض زيارة مواقع دينية منها مقابر الفرنسيين، كما ستكون فرصة لبحث آليات محاربة تجارة المخدرات ورافعت في هذا السياق من أجل نظرة موحدة لمواجهة تنامي هذه الظاهرة، وأعلنت أنها أبلغت نظيرها السيد زرهوني برغبة فرنسا في إقامة مركز في المنطقة لإيقاف تطور الظاهرة ووضع حد للشبكات التي تتاجر بها. وعلى صعيد آخر التقت السيدة اليوت ماري خلال اليوم الثاني والأخير من زيارتها إلى الجزائر بوزير الشؤون الدينية والأوقاف السيد بوعبد اللّه غلام اللّه وتناولت معه ملف تنامي "الطوائف" في البلدين، وأكدت أن هذا الملف يشكل انشغالا بالنسبة لحكومتي البلدين بالنظر إلى الخطر الذي قد تشكله للأمن الداخلي. وحول ملف ممارسة الشعائر الدينية بالجزائروفرنسا نفت السيدة اليوت ماري إثارة ملف التنصير مع السيد غلام الله، وأكدت تطرقهما إلى انتخابات تجديد أعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية كون الدين الإسلامي يعد ثاني ديانة بفرنسا والجالية الجزائرية المقيمة بهذا البلد تعد الأكبر من حيث العدد، وتحدثت في هذا الإطار أيضا عن مشاريع سطرتها دائرتها الوزارية تهدف إلى خلق صندوق خاص بتمويل بناء المساجد بفرنسا. ورافعت وزيرة الداخلية الفرنسية من جهة أخرى من أجل تجسيد مشروع الاتحاد المتوسطي الذي بادر به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي واعتبرته مسألة حيوية بالنسبة لدول حوض المتوسط، وبالنسبة لها فإن التكتلات الإقليمية سواء في آسيا وأمريكا ستجعل من سكان المنطقة "أقزاما" في كل المجالات، خاصة الاقتصادية منها مقارنة بنظرائهم في هذه المناطق، ولإبراز مدى تمسك الحكومة الفرنسية بهذا المشروع أكدت أن بناء الاتحاد المتوسطي يشكل تحديا بالنسبة لكل سكان المنطقة والذي يجب رفعه خلال السنوات ال20 القادمة "حتى يكون له ثقل على المستوى العالمي اقتصاديا وثقافيا وحتى من ناحية القيمة الإنسانية". وفي ردها على سؤال يتعلق بالبلد الذي وقع عليه الاختيار لاحتضان مقر هذا الاتحاد والهياكل الأخرى، وما إذا كان بالفعل تم اختيار المغرب وتونس لاحتضان مقرات وهياكل الاتحاد كما أشارت إلى ذلك بعض التقارير الإعلامية، لم تنف الوزيرة الفرنسية بصراحة مثل هذه الأنباء واكتفت أمام إصرار الصحافيين للحصول على معلومات رسمية من الطرف الفرنسي بهذا الشأن بالقول:"تعاملوا بحذر مع مثل هذه الإشاعات"، لكن الاتحاد المتوسطي يهدف إلى تكريس تضامن أكبر بين الدول وأن "دولة كبيرة بحجم الجزائر سيكون لها دور استراتيجي في بناء وتجسيد الاتحاد المتوسطي"، مثلما أضافت الوزيرة الفرنسية. ولدى تطرقها إلى ملف اعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية في الجزائر على ضوء التصريحات الأخيرة لسفير بلادها في الجزائر السيد برنار باجولي، فضّلت السيدة اليوت ماري التذكير بالتصريحات السابقة التي أدلى بها الرئيس نيكولا ساركوزي وقالت أنه يجب التفكير في كيفية بناء المستقبل. وفي سؤال حول موقف بلادها من تطورات القضية الصحراوية، أكدت أن موقف فرنسا من القضية كان دائما متطابقا مع لوائح مجلس الأمن ولعبت دورا كبيرا في بعث المفاوضات بين طرفي النزاع جبهة البوليساريو والمغرب قصد إيجاد حل وفقا لما تنص عليه الشرعية الدولية.