أخذ مخطط عمل الحكومة من أجل تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية الذي عرض شهر سبتمبر على البرلمان، على عاتقه جملة من الأعمال التي ستباشرها بهدف ترقية قطاع الثقافة، إذ ستسعى إلى تحسين ظروف الفنانين الاجتماعية والمهنية من خلال اتخاذ تدابير من شأنها أن توفر لهم ظروف عمل لائقة ومشجعة على الإبداع، وهو ما يعكس اهتمام الدولة الجدي بهذه النخبة واطلاعها على تطلعاتها. تترجم النقاط التي أدرجتها الحكومة في مخطط عملها إدراكا دقيقا لوضعية المثقفين والفنانين من الجانب الاجتماعي وجعلها من ضمن الأولويات التي ستشتغل عليها الوصاية، خاصة مع تصاعد أصواتهم في كل مناسبة، مطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية ورفعها إلى مستوى نظرائهم في العالم، وذلك تقديرا لمهمتهم الحيوية في هندسة أفكار مجتمع متحضر واعٍ ومثقف. وإلى جانب ذلك، ستكون لوزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي، مهمة مواصلة عملها المستمد من برنامج رئيس الجمهورية، وتحقيق الأهداف التي تطرقت إليها الحكومة في مخطط عملها الأخير، فإلى جانب تحسين الظروف الاجتماعية للمثقفين والفنانين، هناك جملة من الأولويات ركزت عليها الدولة للإسراع في تجسيدها على الميدان، هي بمثابة تكملة للعمل الذي انطلق منذ أن اعتلى السيد عبد العزيز بوتفليقة سدة الحكم، وهذا بهدف تكريس النجاحات التي توالت والتحديات التي كُسبت وتدارك النقائص المسجلة تداركا فعليا. وفيما يخص دعم الإبداع الفني والثقافي، ستعكف الحكومة على مواصلة الحركية الثقافية القائمة على دعم المبدعين الوطنيين وكذا الفاعلين في الجمعيات التي تنشط في المجتمع، وستقوم باستكمال برنامج تزويد شبكات تزويد كافة بلديات الوطن بمكتبات للمطالعة العمومية من خلال إنشاء شبكات للتوزيع ورقمنة الوثائق الموجودة وكذا ترقية المطالعة العمومية. إضافة إلى تطوير الصناعات الثقافية، لاسيما تلك الخاصة بالكتاب والسينما من خلال تدابير الدعم والتدابير الجبائية وتلك المحفزة على الاستثمار، وتوفير وسائل للحفاظ على التراث الوطني من الأفلام، وتدعيم النشاط المسرحي بهياكل جديدة في فنون المسرح والعروض والفنون التمثيلية، بالإضافة إلى دعم التكوين الفني والثقافي من خلال فتح فروع جديدة وأنواع التكوين الخاص وتوسيعها إلى ولايات الجنوب. وفيما يتعلق بنشر الفن والثقافة، سيتمثل عمل الحكومة في توفير الهياكل القاعدية والفضاءات لممارسة الأنشطة الثقافية لفائدة المواطنين في إطار دعم الثقافة الجوارية، من خلال استرجاع الهياكل الثقافية الموجودة على المستوى المحلي، والنهوض بالنشاط الثقافي والعلمي عبر مضاعفة التظاهرات الفنية والملتقيات والصالونات والمعارض والمهرجانات، فضلا عن مواصلة النشاط الثقافي وإعطاء دفع للإبداع وإدماج الثقافة في حياة المواطنين، ومواصلة تطبيق سياسة إضفاء الطابع المؤسساتي على المهرجانات الثقافية. وستواصل الحكومة في مجال التراث الثقافي، العمل على الحفاظ على التراث الثقافي الوطني وتثمينه، حيث سيتم تعزيز الترتيب المؤسساتي والتنظيمي الموجود من خلال إنشاء هيئات جديدة مكلفة خصوصا بعلم الآثار الوقائي ومكافحة المتاجرة بالأملاك الثقافية وكذا تسيير التراث الثقافي، ولهذا الغرض، ستنصب الأعمال ذات الأولوية على الشروع في عمليات ترميم الأملاك المنقولة التابعة للمتاحف الوطنية، وتصنيف المواقع والأملاك الثقافية وتأمينها من أجل دعم جهاز مكافحة كل أشكال المساس بالتراث الثقافي الجزائري. إلى جانب مواصلة إنجاز الجرد العام للأملاك الثقافية وإثراء البنك الوطني للمعطيات المتعلقة بالتراث غير المادي، وذلك من خلال تسخير الوسائل المادية والبشرية لهذا الغرض، ومواصلة تصنيف الموروث الثقافي الجزائري من قبل اليونسكو ضمن قوائم التراث العالمي للإنسانية. وكانت وزارة الثقافة قد خصصت حيزا كبيرا من الاهتمام بهذا الموضوع، وأدرجت له ميزانية خاصة به، وقد برزت أهم أعمال الترميم في السنة الماضية بتلمسان بمناسبة تتويجها عاصمة للثقافة الإسلامية، كما شهدت نفس أعمال الترميم بأهم المناطق الأثرية بقصبة الجزائر في 2007، بمناسبة فعالية الجزائر عاصمة الثقافة العربية، والأكثر من ذلك، فقد سعت الوزارة الوصية سعيا حثيثا إلى مكافحة تهريب الآثار، ولاسيما على الحدود الشرقية للبلاد، واستطاعت أن تعيد أكثر التماثيل أهمية في التاريخ، ويتعلق الأمر بتمثال ماركوس أوريليوس سنة 2008. إن مخطط العمل الذي عرضته الحكومة قبل أن تعكف على تجسيده في الميدان يستمد جوهره من برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، لذا فإن جهود الحكومة التي ستوجه خلال هذه الفترة نحو مواصلة تجسيد الأهداف المنوطة بكل قطاع في مجال الاختصاص الذي يؤول إليه وتحسين الخدمة العمومية بصفة عامة تحسينا محسوسا، ولم تستثن بذلك قطاع الثقافة، حيث تهدف الدولة بالأساس إلى ترسيخ الهوية الوطنية وتقوية الشخصية الجزائرية والحفاظ على التراث الثقافي وإعادة إحيائه وكذا ترقية الإبداع الفني وحضور الثقافة الجزائرية في العالم.