قال الرئيس الأسبق للحكومة، السيد رضا مالك، إن ثورة التحرير الوطني “كانت ضد العروشية والجهوية... فالجندي عندما كان يسأل عن منطقته، لم يكن يقول إنه من تلمسان أو من تيزي وزو وإنما يذكر الناحية العسكرية... وهذا ما قوى نظام جبهة التحرير الوطني، وهكذا أسست الحكومة المؤقتة في سبتمبر1958”، واعتبر أن هذه “الصرامة” في عمل الثورة من بين أهم العوامل التي أثارت انتباه المناضل فرانز فانون وجعلته يدافع عن مفهوم “العنف الثوري”. وعاد السيد رضا مالك، في محاضرة ألقاها، أمس، بمنتدى يومية “المجاهد” بمبادرة من جمعية “مشعل الشهيد”، إلى أهم المراحل، التي ميزت حياة صديق الثورة ومنظرها فرانز فانون بمناسبة مرور 51 سنة على رحيله بحضور تلاميذ الثانوية العاصمية التي تحمل اسمه. واعتبر أن إحياء ذكرى رحيل رجل مثل فانون “واجب علينا”، واصفا إياه بفذ من أفذاذ الثورة ورمز للحركة العالمية لمناهضة الاستعمار في المنتصف الثاني من القرن الماضي. وقال إنه على الشباب الجزائري أن يتذكر هذا الرجل المناضل، الذي رغم أنه لم يعش طويلا (رحل وعمره 36 سنة)، فإنه استطاع أن ينجز أشياء كثيرة من الناحية الثقافية والعلمية. وظهر ذلك بالخصوص عندما اشتغل ابن “المارتينيك”، الذي كان مختصا في طب الأعصاب بمستشفى البليدة، حيث قام بتغيير أساليب العمل ومعاملة المرضى العقليين، وكان من الرواد في استعمال تقنيات جديدة في العلاج كالموسيقى. وكان أول من اكتشف “مرض المنفى”، الذي سماه ب “مرض شمال إفريقيا”، حين عمل بمدينة ليون الفرنسية وذلك بعد أن عاين مرضى جزائريين كانوا يشتكون من آلام مختلفة دون سبب طبي واضح، وحينها تعرف لأول مرة على القضية الجزائرية وتكون لديه تعاطف مع الشعب الجزائري، حيث بدأ في فهم “العنف الثوري” وكذا أهمية رحيل الاستعمار لأنه كان سبب الأمراض العقلية التي كان يعاني منها الجزائريون، وكان بالتالي أول من ربط بين الاثنين. كما انضم فانون إلى النضال من خلال مساهمتة في إيواء الكثير من المجاهدين، قبل أن يعود إلى فرنسا ثم يحط بتونس والمغرب، حيث انضم إلى أسرة تحرير جريدة المجاهد، التي كتب فيها “مقالات رائعة” -مثلما قال-. وامتد نضال فانون إلى البلدان الإفريقية بعد أن عين سفيرا للحكومة الجزائرية المؤقتة في غانا، إذ استغل هذه الفرصة لينشر الفكر التحرري في إفريقيا، لاسيما وأنه تخلى عن فكرة “الثقافة الزنجية” التي كان يؤمن بها سابقا وكتب حولها مؤلفا بعنوان “بشرة سوداء، قناع أبيض” انتقد فيه الأفارقة الذين أخذوا جنسيات أجنبية ومنها الفرنسية، معتبرا ذلك بمثابة “مسخ”. وشدد السيد رضا مالك على أن ما يميز فانون عن غير الجزائريين الذين ساندوا ثورة التحرير هو “أنه أصبح جزائريا وانضم إلى جبهة التحرير الوطني... وساند فكرة مكافحة الاستعمار بالسلاح، لكن في إطار استراتيجية وتخطيط واضح... وأعجب كثيرا بصرامة الثورة الجزائرية التي نظر لها... وحاضر للمجاهدين ومن بينهم الرئيس الراحل هواري بومدين عندما كان بتونس”. كما لم ينس المتحدث التذكير بأن فرانز فانون انتقد ما سماه “متاهات ما بعد التحرير”، قبل أن يتحقق الاستقلال، الذي لم يعشه، إذ توفي في 12 ديسمبر 1961، داعيا إلى الانتباه لعدم الوقوع في البيروقراطية والركود من جديد. وتوفي فرانز فانون إثر إصابته بسرطان الدم، ورفض في الأول العلاج بالولاياتالمتحدة مفضلا روسيا، لكن عدم حدوث أي تحسن في حالته جعل المقربين منه يقنعونه بضرورة التوجه إلى الولاياتالمتحدة، ليتوفى بعدها، وقال رضا مالك إن فانون ألف كتابه “المعذبون في الأرض” وهو مريض، وكان من ميزاته “الكتابة بسهولة وبسرعة”.