اهتزت الأراضي الفلسطينية، أمس، على وقع جريمة مقتل الأسير الفلسطيني عرفات جرادات في سجن مجدو في إسرائيل في ظروف غامضة ستة أيام بعد اعتقاله بتهمة الانتماء إلى كتائب شهداء الأقصى الجناح المسلح لحركة فتح. فمن الضفة الغربية إلى قطاع غزة، كان للخبر وقع الصدمة على كافة الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم السياسية أمام هذه الجريمة الجديدة، التي تقترف في حق أسير فلسطيني كان يجب أن يحظى بالرعاية اللازمة التي تكفلها له القوانين الدولية في مجال حقوق الإنسان. وجاءت وفاة الأسير الفلسطيني ليؤكد حقيقة المأساة التي يعيشها قرابة ستة آلاف أسير فلسطيني في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي سواء أولئك الذين يقضون عقوبات سجنهم الجائرة في زنزانات انفرادية أو أولئك الذين يقضونها في ظروف مأساوية وحتى أولئك الذين اعتقلوا في إطار ما يعرف بالحبس الإداري دون تهمة ولا محاكمات في تعارض صارخ مع كل القوانين الدولية التي أبقت إسرائيل الاستثناء في مثل هذه الممارسات التعسفية في حق الأسرى الفلسطينيين. ولذلك فإن الوفاة المفاجئة والغامضة للأسير عرفات جرادات جاءت لتؤكد على المسؤولية المباشرة لسلطات الاحتلال في هذه الوفاة إذا ما اعتبرنا أن الأسرى الفلسطينيين يقضون سنوات سجنهم في ظروف كارثية بعيدا عن أعين فرق التفتيش والمراقبة للمنظمات الحقوقية الدولية الممنوعة من زيارة المعتقلات الإسرائيلية للاطلاع على حقيقة معاناة هؤلاء الأسرى الذين يقبع المئات منهم منذ أزيد من عشرين عاما بينما يقضي آخرون عقوبات سجن قياسية. ولا يستبعد أن تمر هذه الوفاة كسابقاتها دون أي تحقيق من منطلق أن سلطات الاحتلال تدرك جيدا أن أي تحقيق حيادي سيحملها المسؤولية المباشرة في موت جرادات ومن سبقه من الأسرى الفلسطينيين وهو ما جعلها تسارع إلى التأكيد أنه توفي بنوبة قلبية مفاجئة ستة أيام بعد اعتقاله. ورغم هذا المبرر الواهي إلا أن ذلك لم يرق لإقناع الفلسطينيين الذين اعتبروا وفاته بمثابة جريمة اغتيال مهما كانت الأسباب على اعتبار أن وفاته كانت في إحدى زنزانات الاحتلال. ولا يستبعد أن يكون الأسير الشهيد قد تعرض لجلسات استنطاق وتعذيب مكثفة وعنيفة أدت إلى وفاته بين أيدي جلاديه من عملاء جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي الذين يكونون قد استعملوا معه الوسائل المهينة والقاسية لدفعه للاعتراف بأمور، خاصة وأن اعتقاله جاء على خلفية انتمائه إلى كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح التي يقودها الرئيس محمود عباس. وساد الحزن الضفة والقطاع في شعور انتاب الطبقة السياسية والشعب الفلسطينيين على السواء ودفعت بفعاليات المجتمع الفلسطيني إلى المطالبة بتصعيد المقاومة الشعبية ضد عدم الاكتراث الذي تبديه سلطات الاحتلال إزاء حياة الأسرى الفلسطينيين. وفي وقفة تضامنية مع الأسير ”المغتال”، قرر الأسرى الفلسطينيون شن إضراب عام عن الطعام حدادا على روح الأسير-الشهيد عرفات جرادات. وتشهد السجون الإسرائيلية، حيث يوجد آلاف الفلسطينيين، حالة توتر على خلفية هذه الوفاة المفاجئة بما ينذر بحركة عصيان داخلها، خاصة وأن موجة الاحتجاجات هذه تزامنت والإضرابات المفتوحة عن الطعام التي يشنها عشرات الأسرى الفلسطينيين احتجاجا على ظروف اعتقالهم، حيث فاق إضراب بعضهم أزيد من ثمانية أشهر دون أن تستجيب سلطات الاحتلال لمطالبهم المشروعة، ويوجد من بين أبرزهم أيمن الشروانة المضرب عن الطعام منذ الفاتح جويلية 2012 وسامر العيساوي المضرب عن الطعام منذ بداية أوت الماضي. وشهدت مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، أمس، مسيرات شعبية احتاجا على وفاة جرادات، شارك فيها مئات الفلسطينيين من مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية تحول بعضها إلى مواجهات عنيفة مع قوات جيش الاحتلال، الذين أطلقوا قنابل صوتية وقنابل الغاز المسيلة للدموع تجاه المتظاهرين الفلسطينيين. ويبدو أن سلطات الاحتلال بدأت تنظر بكثير من الخوف إلى موجة الاحتجاجات هذه واحتمالات تصعيدها بعد وفاة الأسير الفلسطيني، مما جعلها تسارع إلى الاتصال بالسلطة الفلسطينية وناشدتها في مطلب غريب بأن تساعدها في تهدئة المحتجين الفلسطينيين وإقناعهم بوقف مظاهراتهم التي باشروها تضامنا مع الأسرى الفلسطينيين. وتبدي حكومة الاحتلال مخاوف متزايدة من احتمال اندلاع انتفاضة أخرى في الأراضي الفلسطينية ضد الممارسات الإسرائيلية بدءا بسياسة الاستيطان وتدنيس المسجد الأقصى الشريف والانتهاكات الصارخة لأدنى حقوق الإنسان بالنسبة للأسرى الفلسطينيين.