عملت المجموعة التي قادت انقلاب 19 جوان 1965 على إعادة تقنين الحياة السياسية، فأصدرت نصين أحدهما ذو طابع سياسي إيديولوجي، هو الميثاق الوطني الذي تَضمّن المحاور الكبرى لبناء المجتمع الاشتراكي ووحدة القيادة السياسية للحزب والدولة، فيما يُعتبر النص الثاني تكريسا قانونيا للدولة، وهو الدستور الذي تم إعداد مشروعه في أكتوبر 1976 من قِبل لجنة خاصة ضمت متخصصين في السياسة والقانون في إطار حزب جبهة التحرير الوطني، ونوقش في ندوة وطنية وافقت عليه في 6 نوفمبر 1976 قبل عرضه للاستفتاء الشعبي بتاريخ 19 نوفمبر 1976، ليصدر ثاني دستور للجزائر رسميا في 22 نوفمبر 1976. فبعد الانقلاب على حكم الرئيس بن بلة في 19 جوان 1965 والذي قامت به مجموعة من الضباط بقيادة الرئيس الأسبق الراحل هواري بومدين، صدر في 7 جويلية 1965 أمر بإعادة تنظيم ممارسة السلطة في البلاد، وذلك عبر آليات تم تجديدها بدقة، وتتمثل في مجلس الثورة المتكوّن من 26 عضوا، والذي تجمعت بيده كل الصلاحيات، وأُوكلت له المهمتان؛ التشريعية والتنفيذية، فضلا عن مهمة تعيين الحكومة إلى حين انتخاب دستور يساير المرحلة الجديدة. وضمت أجهزة السلطة أيضا الحكومة، التي تُعتبر أداة تنفيذ بيد مجلس الثورة، ويرأسها رئيس مجلس الثورة، وتم إنشاء هيئات استشارية كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي. وعرفت المرحلة إعلان الرئيس الراحل في 19 جوان 1975 نيّته في العودة إلى الشرعية الدستورية، وتم تبعا لذلك إصدار الميثاق الوطني بتاريخ 5 جويلية 1976 بعد إجراء استفتاء شعبي عليه، هو يُعتبر المصدر الأسمى لسياسة الأمة وقوانين الدولة، ومَهّد لعملية التحضير لمشروع ثاني دستور للدولة، عُرض على الاستفتاء الشعبي في 19 نوفمبر 1976. وقد ميَّز المرحلة عرضُ كلٍّ من مسوّدة الميثاق الوطني ومشروع دستور 1976 للنقاش العام، تدخّل فيه أعضاء الحزب الواحد والنقابات العمالية ومختلف الجمعيات، الأمر الذي اعتُبر بمثابة أولى خطوات الديمقراطية في العالم الثالث. وحسب بعض الكتابات والدراسات التي تناولت المرحلة، فقد تشكل انطلاقا من الوثيقتين اللتين طُرحتا للاستفتاء الشعبي، الدستور الوطني للجمهورية الثانية. وشكّلت المناقشات الواسعة التي جرت حول المشروعين فضاء ديمقراطيا لحرية الرأي والتعبير في الجزائر؛ من خلال إشراك مختلف مكوّنات المجتمع، وفتح المنابر لمختلف فئات الشعب؛ من عمال وفلاحين وطلبة ومثقفين، للتعبير بكل حرية عن رأيهم بشأن آفاق مستقبل الشعب الجزائري والتطلع نحو بناء دولة قوية تسودها العدالة الاجتماعية. وأعاد الدستور الجديد الذي تضمَّن أزيد من 198 مادة، التأكيد على الالتزام بالاشتراكية، كما أعلن حزب جبهة التحرير الوطني الحزب السياسي الشرعي الوحيد في البلاد، فيما نصت مادته 126 على إنشاء هيئة تشريعية وطنية تحمل تسمية المجلس الشعبي الوطني بدلا من المجلس الوطني. وقَسّم هذا الدستور وظائف السيادة إلى عدة وظائف أساسية، تشمل الوظيفة السياسية التي يمارسها حزب جبهة التحرير الوطني من خلال مؤسساتها المتمثلة في المؤتمر، اللجنة المركزية والمكتب السياسي، فيما يتولى رئيس الجمهورية بمفرده الوظيفة التنفيذية، ويمارس بالإضافة إليها مهامَّ تشريعيةً عن طريق الأوامر. وعرف دستور 1976 التنصيص لأول مرة على إنشاء المجلس الشعبي الوطني، الذي أُوكلت إليه الوظيفة التشريعية، كما ضمّت وظائفُ السيادة الوظيفة الرقابية والقضائية والتأسيسية. وخلافا لسابقه (دستور 1963) والذي يمنح طبقا للمادة 71 منه صلاحية إجراء التعديل الدستوري لكل من رئيس الجمهورية والأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني معاً، يخوّل دستور 1976 مبادرة تعديل الدستور لرئيس الجمهورية وحده؛ حيث تنص المادة 191 منه على أنَّ "لرئيس الجمهورية حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور في نطاق الأحكام الواردة في هذا الفصل". ويتطلب إقرار التعديلات المبادَر بها أغلبية مطلقة من أعضاء المجلس الشعبي الوطني إذا كان مشروع التعديل عاديا وغير معقَّد، وذلك طبقا للمادة 192 منه، التي نصت على أن "المجلس الشعبي الوطني يقرّ مشروع قانون التعديل الدستوري بأغلبية ثلثي أعضائه"، في حين نصت المادة 193 منه على أنه "إذا تعلق مشروع قانون التعديل بالأحكام الخاصة بتعديل الدستور، فمن الضروري أن يتم الإقرار بأغلبية ثلاثة أرباع المجلس الشعبي الوطني". كما عرف نص دستور 1976 تعديل الأحكام المتعلقة بثابت الدين الإسلامي، حيث جاءت صياغتها في أول دستور للجزائر في المادة الرابعة، التي كانت تنص على أن "الإسلام دين الدولة، وتضمن الجمهورية لكل فرد احترام آرائه ومعتقداته وحرية ممارسة الأديان"، فيما أعيدت صياغتها في دستور 1976 في المادة الثانية، التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة"، ولم تعدَّل هذه المادة منذ ذلك الوقت في دساتير 1989 و1996 ولا في التعديلات الدستورية في 1988 و2002 و2008. وطبقا للأحكام المرتبطة بمبادرة التعديل تم إدخال تعديلات على مواد دستور 1976 في ثلاث فترات متعاقبة، وتمت هذه التعديلات في جويلية 1979 وجانفي 1980 عن طريق المجلس الشعبي الوطني، وارتبط مضمونها أساسا بمركز رئيس الجمهورية من حيث إجراءات انتخابه وسلطاته، وكذا إنشاء مجلس محاسبة يتخصص في رقابة التسيير المالي لمصالح الدولة والهيئات الحكومية، فيما تم إقرار المراجعة الثالثة لهذا الدستور باستفتاء شعبي في 3 نوفمبر 1988، تم بموجبها إحداث نظام الثنائية في الجهاز التنفيذي، الذي أصبح يضم إلى جانب رئيس الجمهورية مركز رئيس الحكومة، مع التأكيد على مبدأ مسؤولية الحكومة أمام البرلمان.