لا تزال الذاكرة الرياضية لكل متتبعي أطوار البطولة الوطنية لكرة القدم في الثمانينيات، تحتفظ باسم اللاعب اللامع حميد بن بوثلجة، الذي نشط ضمن فريق اتحاد البناء لسنوات طويلة، وكان صانع ألعابه بدون منازع لفترة قاربت العشر سنوات، وقد التقت به "المساء" في إحدى المناسبات الرياضية وأجرت معه هذا الحوار... كيف كانت بدايتك مع كرة القدم؟ مارست هذه الرياضة مع زملاء الطفولة في الشارع قبل أن أمضي إجازة مع نادي وفاق عين طاية في 1974، لكن سرعان ما انتبه مدرب فريق الأكابر مولود بوصابر إلى إمكانياتي الكروية، حيث ضمني إلى تشكيلته وأنا ضمن صنف الأشبال، وبقيت مع هذا النادي إلى غاية استدعائي إلى الخدمة الوطنية، وبعد ذلك انتقلت للعب مع وداد الرويبة الذي كان يضم آنذاك لاعبين ممتازين على غرار باني وشتالي وعيلي.
لكن متى انضممت إلى اتحاد البناء؟ كان ذلك في موسم 78/ 79، حيث لعبت في صفوف هذا النادي لمدة عشر سنوات على مستوى صنف الأكابر، كان اتحاد البناء نموذجا في التسيير الرياضي، لا سيما في جانب التكوين الذي سمح بإبراز لاعبين كبار منهم من صنعوا مجده مثل المدافعين حر وأولمان، اللذين كانا بمثابة أحسن ثنائي في الدفاع ضمن البطولة الوطنية وأيضا المدافعين عمار مجرب وبوشفرة ووسط الميدان غريب وسعدود، الذي كان مميزا في حراسة المرمى، والمهاجم بلعيدي وبومعطي وجنادي واللاعب البارع شريكي، وكان مدربنا في الأول الروسي روغوف قبل التحاقه بالعارضة الفنية للمنتخب الوطني للثمانينيات، حيث خلفه المدرب واللاعب السابق لفريق جبهة التحرير الوطني، مقران وليكان، لقد كان فريقنا يشكل استثناء حقيقيا في تلك المرحلة من البطولة لعدم توفرنا على مناصرين مثل هو الحال لكل الأندية في الجزائر، و السبب في ذلك يرجع إلى كون الفريق تابع للشركة الوطنية للبناء ( دي ان سي)، ورغم العروض التي كانت تصلنا من بعض الأندية، إلا أننا رفضنا الذهاب لشعورنا بوجود دفء عائلي كبير داخل الفريق، حيث كنا نعيش كأشقاء يستهوينا كثيرا لعب كرة القدم في أجواء هادئة، وقد صعدنا في 1978 لأول مرة إلى القسم الوطني الأول وفي 1982 فزنا بكأس الجزائر ضد وفاق سطيف، لكن لم نفرح بها كثيرا بسبب سقوط الفريق إلى القسم الثاني، وعدنا إلى مكاننا الأول في نهاية موسم 84/ 85 الذي خسرنا فيه نهائي كأس الجزائر أمام مولودية وهران، وقد وصلنا خمس مرات الى عتبة نصف نهائي كأس الجمهورية وأتذكر أننا شاركنا في الكأس الإفريقية ضد نوادي طرارزة الموريتاني والملعب المالي وأسيك أبيجان الإفواري الذي كان في صفوفه اللاعب الشهير يوسف فوفانا.
متى بدأ مستوى اتحاد البناء يتراجع؟ كان ذلك في 1985، حيث دخل اللاعبون في إضراب لأسباب مهنية، واضطرني الوضع إلى مغادرة الفريق واللعب في صفوف اتحاد البليدة وأمل الأربعاء ثم وداد الرويبة، وفي 1991 أنهيت مشواري الكروي مع فريقي الأول عين طاية الذي اندمج مع اتحاد البناء.
تأسف الجميع لعدم استدعائك للمنتخب الوطني رغم موهبتك الكبيرة في كرة القدم، فما السبب في ذلك؟ كنت أضاهي مستوى أحسن اللاعبين الدوليين في تلك الفترة، منهم لخضر بلومي وياحي وماجر وغيرهم من اللاعبين الذين صنعوا أمجاد الكرة الجزائرية، وكنت قادرا على اللعب بسهولة في التشكيلة الوطنية، لكن لم أفهم عدم تواجدي في صفوفها، على غرار ما حصل للاعبين عبد القادر مزياني وبحبوح وعجيسة وقنون وغيرهم من اللاعبين الذين برزوا بقوة في تلك الفترة ، ربما أن بلومي كان أحسن منا في منصب قائد الهجوم، لكن لا يعد ذلك السبب الوحيد الذي كان وراء وضعنا في طي النسيان، و ما آلمني أكثر، أن الجماهير الرياضية في تلك الفترة كانت تطالب مسؤولي الفريق الوطني باستدعائي، لما رأت من حقي في اللعب ضمن التشكيلة الوطنية، لذلك أشعر إلى غاية اليوم بأنني تعرضت ل "الحقرة"، حيث كنت قادرا على تحقيق مشوار دولي كروي كبير مثل بلومي وماجر، لكن ذهنيات ومواقف بعض من كانوا على رأس "الفاف" والفريق الوطني حالت دون تحقيق هذا الحلم الذي كان يراودني في تلك الفترة، أتذكر أنني كنت كلما التقيت بالمدرب محي الدين خالف، ردد علي عبارة " لو قبلت بفكرة الانضمام إلى شبيبة القبائل لكنت ضمن الفريق الوطني"، علما أنني رفضت عدة عروض جاءتني من أندية القسم الأول بسبب تعلقي بفريقي اتحاد البناء، لكن الذي عوض خيبة أملي، هي مباراة اعتزالي التي شهدت حضور أكبر اللاعبين الجزائريين في الثمانينيات، وقد عكس ذلك الموقف القيمة الكبيرة التي كنت أتمتع بها في الوسط الكروي الذي اعترف بإمكانياتي الكبيرة في اللعب.
هل حاولت القيام بمغامرة احترافية؟ كانت لي فرصتان في هذا المجال، المرة الأولى أثناء مشاركتي في دورة رياضية بمدينة تولون الفرنسية، حيث عرض علي أحد معارفي الشخصية الانضمام إلى نادي هذه المدينة ورفضت لأسباب عائلية، كنت أعيش وحيدا مع الوالدة في تلك الفترة، والمرة الثانية أثناء دورة كروية ببيروت، حيث عرض علي نادي الصفاء اللبناني اللعب في صفوفه لكن مدربي آنذاك المرحوم وليكان رفض تسريحي.
إذا رجعنا إلى الوراء، ماذا جنى بن بوثلجة من الممارسة الكروية؟ لا مجال للمقارنة بين تلك الفترة واليوم على الصعيد الكروي، فقد كانت الروح الرياضية موجودة في كل مكان، والفرق تلعب من أجل إمتاع الجمهور الرياضي الذي يتوجه إلى الملاعب من أجل مشاهدة اللعب الجميل والفنيات العالية، نحن اللاعبون كنا نتبادل الاحترام ونحتفظ إلى اليوم بصداقة متينة لم تؤثر عليها السنوات الطويلة التي مرت، ونفس الكلام يمكن أن نقوله على التقنيين الذين كانوا يدربوننا، حيث تعلمنا الكثير منهم، ليس فقط في مجال كرة القدم، بل أيضا في التربية والأخلاق، وللأسف، نجد اليوم الكثير من المدربين لا يحترمون أنفسهم من خلال قبولهم عروضا لا تليق بمستواهم، فضلا عن أن الفاف تستنجد بتقنيين غير مؤهلين لتدريب المنتحبات الوطنية، كل هذا يفسر بوضوح تراجع كرة القدم الجزائرية.
و ما رأيك في المنتخب الوطني الحالي؟ لا يمكن أن نبني فريقا وطنيا بلاعبين يفتقرون إلى تنافس كبير ضمن أنديتهم، ويعد هذا النقص خطأ كبيرا يرتكبه المدرب والمسؤولون المكلفون بتسيير الفريق الوطني، وفي رأيي لن نتمكن من تكوين فريق وطني كبير إذا لم نحصل على بطولة وطنية قوية.
ما هو نشاط بن بوثلجة في الوقت الراهن؟ حاليا أسير جمعية رياضية على مستوى عين طاية تحمل تسمية "شباب فوت" وتخص أصناف الكتاكيت والبراعم والأصاغر، نستفيد من تمويل مديرية الشباب والرياضة لولاية الجزائر والبلدية، ونهتم كثيرا بالتكوين، وبعض لاعبينا السابقين موجودون في كل من نصر حسين داي واتحاد الحراش وباراد وحيدرة.