تشهد أغلبية محلات شارع العربي بن مهيدي أشغال إعادة التهيئة وتغيير الواجهات وتوحيدها، من أجل رد الاعتبار للعاصمة وإعطائها الوجه اللائق بها، بعد أن فقدت مظاهر الجمال التي كانت تميزها في السابق، ويرتقب تطبيق إجراءات أخرى؛ منها إلزام أصحاب المحلات على تمديد ساعات العمل، توفير النقل وفتح قاعات السينما ليلا لإعادة الحياة إلى العاصمة التي أصبحت تنام باكرا وتغلق أبوابها على السابعة مساء، مشكلة بذلك الاستثناء، فهل ينجح مسؤولو العاصمة وبلدية الجزائر الوسطى في تجسيد الحياة الليلية التي فشلت تجارب سابقة في تحقيقها؟. الزائر لشارع العربي بن مهيدي، يلاحظ تغيّر واجهة بعض المحلات التي وحّدت لونها بعد طلائها بالأسود والأبيض، فتخلّصت من فسيفساء الألوان التي أفقدتها اللمسة الجمالية التي يفترض أن تميزها، كونها تقع في أحد أهم شوارع العاصمة التي سحرت الفرنسيين الذين عملوا كل ما في وسعهم للمكوث فيها، كما جلبت اهتمام العديد من الزوار من مختلف أنحاء العالم، قبل أن تغرق في الفوضى ومشاهدة تنم عن غياب الحس الحضري، حيث تسعى السلطات إلى محوها من خلال المشروع الذي انطلق السنة الماضية، بطلاء العمارات وإزالة الهوائيات المقعرة والمكيفات الهوائية، ثم تهيئة واجهات المحلات التي دخل أصحابها في سباق ضد الساعة للانتهاء منها قبل نهاية جوان المقبل، وهي العملية التي لقيت استجابة واسعة من قِبل المعنيين. ومن بين هذه المحلات الصيدلية الواقعة بالقرب من البريد المركزي التي توشك الأشغال بها على الانتهاء، حيث اكتست حلة جديدة مغايرة تماما لما كانت عليه بسبب الشروط التي فرضتها السلطات المحلية لولاية الجزائر، ومنها بلدية الجزائر الوسطى التي زودت التجار بدفتر شروط محدد وتتابع الأشغال باستمرار، مثلما ذكر ل” المساء” أحد عمال الصيدلية، مؤكدا أن المصالح المعنية تنبههم عندما لا تحترم المعايير المفروضة”؛ اضطررنا إلى تغيير لون الرخام المستعمل في الجهة السفلية للواجهة من الرمادي إلى الأسود الذي حدد ارتفاعه بحوالي متر ونصف، بينما تطلى الجهة العلوية بالأبيض مثل العمارة”، وهو ما أعطى هذه الصيدلية وجها مغايرا تماما عما كانت عليه في السابق. الأبيض والأسود لمحلات بن مهيدي وغير بعيد عن الصيدلية، يجري صاحب محل لبيع المجوهرات هو الآخر نفس الأشغال التي تشمل، حسب دفتر الشروط الذي تحصلت ”المساء”على نسخة منه، كل الأجزاء الخاصة بواجهة المحل، لاسيما تلبيس الجدران الخارجية، وضع اللافتة الضوئية، إصلاح الستار أو استبداله، وضع ستائر شفافة تظهر الضوء ليلا وطلاء واجهة المحل، إذ تنص المادة الرابعة من دفتر الشروط على ضرورة توجيه إعذار من قبل رئيس البلدية في حالة عدم امتثال مالك المحل لقرار إعادة تهيئة واجهات المحلات وقيامه بالترميمات اللازمة في أجل محدد، كما يجب على رئيس البلدية اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إلزامه على تنفيذ الأشغال التي لا يجب أن تعيق سير الراجلين، حيث لا تتجاوز المساحة المشغولة من الرصيف من أجل الأشغال مترا أو 1.50 مترا، حسب عرض الرصيف الذي يمنع أن توضع فوقه مواد البناء، كما يمنع عرض المبيعات خارج المحل سواء على الرصيف أو تعليقها على الجدران، ومنع التنصيب الفوضوي للمكيفات على واجهات المحلات، كما يطلب من التجار ترقيم المحل بمادة البرونز ووضع الرقم على يمين واجهة المحل، وهي الإجراءات التي أبدى صاحب مقهى”ميلك بار” الواقع بمحاذاة مكتبة العالم الثالث بساحة الأمير عبد القادر في حديثه مع”المساء”، استعداده لتطبيقها وتجسيد الشروط التي فرضتها البلدية، منها تهيئة الجهة السفلية للمقهى باللون الأسود ووضع الواجهة المطلوبة، من خلال الاستعانة بفرقة المتابعة التي شكلتها البلدية، كما أبدى المتحدث استعداده لإبقاء أبواب المقهى مفتوحة على مدار 24 ساعة، إذ تعتزم البلدية فرضه على أصحاب المحلات بعد انتهاء عملية تغيير الواجهات في نهاية جوان، لإعادة النشاط لأحياء العاصمة ليلا، شريطة توفير الأمن والنقل ”لأنه لا يعقل أن أفتح المقهى ليلا وأستهلك الطاقة الكهربائية دون استقبال الزبائن الذين يدخلون مبكرا إلى منازلهم، بسبب غياب النقل”. محلات مفتوحة ليلا إذا توفرت الشروط كما لمسنا نفس الانطباع لدى صاحب محل لبيع المجوهرات، يقع بالقرب من مقر بلدية الجزائر الوسطى، إذ كان يتابع باهتمام أشغال التهيئة التي انتهى منها جاره الذي يمارس نفس النشاط، حيث أشار إلى أن الستارة الحديدية الواجب وضعها يجب أن تحتوي على ثقوب ينبعث منها الضوء الذي طُلب من التجار إبقاؤه مشتعلا طول الليل، بينما رفض المتحدث فكرة تمديد أوقات العمل إلى غاية التاسعة ليلا، بدلا من السادسة مساء، مثلما طالبت به البلدية، وذلك لأسباب تتعلق بالأمن، إلى جانب التوقف المبكر لوسائل النقل التي يجب على السلطات المحلية أن تضمنها، ”لأن صاحب المحل بإمكانه أن يضمن النقل لعماله، لكنه لا يمكن أن يضمن ذلك للزبائن”، مما يؤكد أن مسألة إعادة الحياة للعاصمة ليلا تتطلب اتخاذ العديد من الإجراءات، وتدخل مختلف القطاعات المعنية للقضاء على العراقيل التي غيّبت ثقافة الخروج ليلا، مع إجبار السكان والزوار على التزام بيوتهم ابتداء من السابعة مساء، بسبب غياب فضاءات الترفيه والتسلية؛ كقاعات السينما، المسرح، المحلات، قاعات الشاي والمقاهي التي تغلق أبوابها مبكرا، رغم أن وسائل النقل، مثل حافلات ”الإيتوزا”، الميترو والترامواي تشتغل إلى غاية الحادية عشر ليلا، دون أن يركبها أحد، كما أدى النقص الكبير في حظائر السيارات إلى اختفاء كل مظاهر الحياة، حتى بقلب العاصمة التي أصبحت مؤهلة للعودة إلى أيام زمان، نتيجة غياب مبرر المشكل الأمني ووجود وسائل النقل العصرية، مثل الميترو الذي قد يجعل محاولة إعادة الحياة إلى العاصمة ليلا موفقة، بعدما فشلت التجارب السابقة، خاصة بعد الإجراءات التي تعتزم السلطات المحلية تطبيقها. نشاطات وبرامج في انتظار الزبائن وفي هذا الصدد، أشار رئيس بلدية الجزائر الوسطى، السيد عبد الحكيم بطاش ل” المساء”، إلى أن مصالحه وضعت برنامج عمل لإعادة الحياة إلى العاصمة التي تتحول إلى ”مدينة أشباح” عند السادسة مساء، وذلك من خلال نشاطات مختلفة تشمل الصناعات التقليدية، برامج ثقافية ورياضية في الفضاءات المفتوحة بشوارع العربي بن مهيدي، ديدوش مراد والخطابي الذي سيخضع للتهيئة، ويستعمل من قبل الراجلين فقط، فضلا عن وضع مخطط عمل لضمان النقل ليلا، من خلال عقد اجتماع مع نقابة سيارات الطاكسي، مؤسسة النقل الحضري وشبه الحضري ومصالح الميترو من أجل تمديد العمل إلى ساعات متأخرة من الليل، كما سيتم فتح ثلاث قاعات للسينما في أول جوان، وجعلها تشتغل إلى غاية الواحدة صباحا، وذكر المتحدث بأن واجهات محلات شوارع عسلة حسين، العربي بن مهيدي، الخطابي، محمد الخامس، وكريم بلقاسم وديدوش مراد، ستخضع هي الأخرى للتهيئة التي حدد تاريخ 30 جوان كآخر أجل لانتهائها، على أن يتم غلق المحلات التي لم تستجب لهذا الإجراء وتعرقل مشروع عصرنة العاصمة، وذلك بعد تحسيس التجار بأهمية العمل الذي يقومون به، حيث تم وضع مكتب دراسات تحت تصرفهم ومجموعة عمل مكونة من 15 إطارا من البلدية لمتابعة الأشغال، منهم تقنيون سامون في العمران لإنجاح العملية التي استجاب لها أصحاب المحلات بنسبة 90 بالمائة، بينما سيتم تهديم الأجزاء التي خضعت للتوسعة دون رخصة من قبل بعض التجار، خاصة بالنسبة لوسط العاصمة، وبالضبط بشارع العربي بن مهيدي الذي تحول إلى حي فوضوي، حسب السيد بطاش الذي أشار أيضا إلى الشروع في إعادة تهيئة كافة أرصفة شارع العربي بن مهيدي ببلاط مصنوع من مادة ”الغرانيت”، بعد الانتهاء من تهيئة واجهات المحلات، فضلا عن تقوية الإنارة العمومية من قبل المؤسسة المعنية، مع التركيز خلال هذه العهدة على البيئة والقضاء على مشكل النفايات بأحياء بليلي، ميلوز وتيلملي قبل نهاية السنة، ثم الانتقال إلى أحياء أخرى، كما تجري عملية تهيئة الأرصفة بعبان رمضان، إلى جانب مشاريع لإعادة التهيئة بأضواء حيوية بكل من ساحة البريد المركزي وساحة شارع زيغوت يوسف، مقابل نزل السفير و117 كريم بلقاسم، والتي ستنطلق قبل جوان القادم، إلى جانب مشروع إعادة تهيئة الحدائق الأربع، وهي صوفيا، خميستي، بيروت والحرية، بعد أن تم تحويل تسييرها من مؤسسة ”ايديفال” إلى مصالح البلدية التي يشرف مسؤولها الأول على متابعة مختلف الورشات التي انطلقت منذ أكثر من سنة في تهيئة الشوارع الرئيسية للبلدية، حيث شملت العملية في المرحلة الأولى ترميم العمارات الهشة وإعادة صبغها، خاصة شرفات العمارات التي كانت مهترئة وتشكل خطرا على المارة، كما تم إزالة الهوائيات المقعرة وأجهزة التبريد الواقعة على واجهات العمارات وكوابل الهاتف والكهرباء التي كانت موضوعة بشكل عشوائي، وذلك بمشاركة العديد من المؤسسات، لإعادة الاعتبار لأهم الشوارع التي تكتظ بالمارة نهارا وينتشر فيها المشردون ليلا، غير أن مشروع الجزائرالبيضاء قد يرى النور ويعيد الحيوية للعاصمة تدريجيا، لأن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، كما يقال.