قدّم المؤرخ الفرنسي أوليفيي دارد، أول أمس بالجزائر العاصمة، مقاربته العلمية التي جاءت في كتابه “رحلة في قلب المنظمة السرية المسلحة”، حيث أكد أن هذه المنظمة تأسست في ظرف تقهقر الجيش الفرنسي وضعف الدولة التي كان يترأسها آنذاك شارل ديغول، بفعل عمل جبهة التحرير الوطني على تدويل القضية الجزائرية، فضلا عن الخسائر التي تكبّدها من قبل جيش التحرير الوطني. كشف المؤرخ الفرنسي أوليفيي دارد أن عمله على إنجاز الكتاب دام سنوات، وبادرته فكرة تناول هذه الفترة من تاريخ فرنسا المعاصر، في بداية عمله كباحث أكاديمي، إلا أنه وجد صعوبات في تناول الموضوع؛ كونها مرحلة حساسة عرفتها فرنسا، فلم يلق التشجيع الكافي للخوض في الموضوع بل العكس، تم نصحه بالابتعاد والحذر من تناوله، ثم توجه إلى مراحل أخرى، فكان أول عمل أكاديمي له يتطرق لفترة الثلاثينيات من القرن الماضي. واعتمد المؤرخ الذي حل ضيفا على الموعد الخامس والأخير لديوان دار عبد اللطيف المخصص ل “الجزائر وقائع استعمارية”، على أرشيف المراسلات والمحفوظات التاريخية التي تحوزها “المنظمة السرية المسلحة”، وبنى عليها دراسته العلمية، التي أبرزت العمليات الدامية التي قامت بها فرنسا في الجزائر على يد هذه المنظمة الإرهابية، فقد أشار المتحدث إلى أن المنظمة تأسست بعدما تأكد لها أن وجودها بالجزائر سينتهي قريبا، وحاولت الإطاحة بالرئيس ديغول، كما أن لها العديد من العمليات الإجرامية استهدفت الجزائريين وهم يستعدون لنيل حريتهم. وحسب المؤرخ فإن فكرة تأسيس منظمة سرية متمردة على السلطة الفرنسية، جاءت في الفترة الممتدة بين جانفي وفيفري 1961 بإسبانيا، وانطلقت فعليا في ماي 1961، وهي منظمة غير شرعية لها خلفية تاريخية تمتد إلى قوات الدفاع الذاتي سنة 1956 وعبر مراحل تطورت، لتقدّم نفسها بزعامة الجنرال بوتش كعامل مقاومة بهوية مزدوجة مدنية وعسكرية لمواجهة جبهة التحرير الوطني، منبها في السياق إلى أن المنظمة السرية المسلحة التي كانت بالجزائر العاصمة ليست نفسها التي كانت بوهران أو قسنطينة، فتلك التي كانت بوهران تضمّ مدنيين، وهي الفكرة التي سيعمل عليها المؤرخ مستقبلا. ويعتقد أوليفيي دارد أن عدد أعضاء المنظمة لا يتعدى المائة، وأن عملها دام حتى بعد استقلال الجزائر، وذكر واحدة من جرائم المنظمة الشنيعة، وهي اغتيال الأديب مولود فرعون سنة 1964، ولكنها ما لبثت أن تلاشت. للإشارة، فإن الكتاب يقدّم أرشيفا يضيئ، بشكل خاص، خلفية التفاوض على “اتفاقيات إيفيان”، واختيار سياسة الأرض المحروقة التي قامت بها المنظمة لتدمير الجزائريين والقضاء على ما يملكونه دون تجاهل رأي السلطات العسكرية وردود الفعل المدنية. وأوليفيي دارد مؤرخ وكاتب فرنسي، درس بمعهد الدراسات السياسية بباريس، وينتمي إلى تقليد التاريخ السياسي المتجدد داخل هذه المؤسسة، تركز أبحاثه على اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا، ومؤخرا شارك في تحرير سلسلة من الندوات والموائد المستديرة على تشارلز موراس وجاك بان فيل التي تم نشرها.