أكرم الله عز وجل هذه الأمة برسالة عظيمة، ألا وهي الإسلام، وبخير كتاب، ألا وهو القرآن، الذي ضمّن سبحانه وتعالى كل ما يكفُل سعادة الإنسان وأمنه في الدنيا ونعيمه في الآخرة، فمن نعم الله علينا أن جعلنا أمة القرآن، الذي فيه شفاء ورحمة وموعظة للعالمين؛ مصداقا لقوله تعالى: «وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين». (سورة الإسراء الآية 82)، وقوله تعالى: »يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ». (يونس: 57) وكان خُلق الرسول صلى الله عليه وسلّم القرآن، وهذا ما جعل الصحابة رضوان الله عنهم يفهمون المقصد العظيم من نزول كتاب الحق، فتعاملوا معه من هذا المنطلق، وأتوه من أوله، فأعطوه عقولهم وقلوبهم وأوقاتهم، فتدبّروا آياته ومعانيه وطبّقوا ما جاء فيه، فرفع القرآن أخلاقهم ووجّههم لصالح الأعمال، فأحسن إليهم وأفادهم وأكرمهم وغيّر سلوكهم وطباعهم، وحتى الجن سحرهم كلام الله وآمنوا محبة فيه وفي بلاغته وإعجازه، وهذا ما يتجلى في قوله تعالى: «قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا». (الآية1 2 من سورة الجن) فالقرآن هو المعجزة التي جاء بها محمّد صلى الله عليه وسلّم للأمة الإسلامية قاطبة، لكن ما نلحظه اليوم هو أنّ المجتمعات العربية المسلمة هجرته لانشغالها بالأمور الدنيوية، ولم تعطه حقه كما كان في السابق، ونتيجة هجرانها له تجلت في انحطاط الأخلاق والتأخر عن ركب الحضارة والتقدم في العلم والمعرفة. رمضان هو شهر الصيام وشهر القرآن؛ إذ شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء، وتَنزّل الوحي بالنور والضياء، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء بأعظم كتاب أُنزل للبشرية في أعظم شهر، ألا وهو شهر رمضان؛ مصداقا لقوله عز وجل: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ». (البقرة: 185) فها هو مفتاح خير آخر يفتح أمام الكبير والصغير باب الغوص في بحر من البلاغة والإعجاز وتطبيق ما جاء فيه من معان سامية، فيها دواء لكل اعوجاج، فلنكن أمة القرآن بالفعل، ولا نكون من العازفين عن التدبر، من الذين عميت أبصارهم وسُدت قلوبهم، وهذا ما تجلى في قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). (سورة محمد 24) رمضان فرصة لكل عاقل متدبر للعودة إلى الأصل، إلى أعظم كتاب، إلى القرآن الذي حوى سرّ البيان وجمع الأمة على الخير والإحسان..