من حداد إلى حداد واغتيال وراء اغتيال، وجدت تونس نفسها في دوامة ثالوث أزمة أمنية وسياسية واقتصادية، حالت دون تمكنها من تحقيق الإقلاع المرجو لما بعد ثورة الياسمين، وجعلت آمال التونسيين تتلاشى الواحدة بعد الأخرى في سياق أزمة مازالت في بداياتها. واستفاق التونسيون أمس، على وقع صدمة الكمين الإرهابي التي ذهب ضحيته عشرة جنود في أول عملية من هذا النوع تطال قوات الجيش في تونس. وكان وقع العملية قويا على الوضع العام في البلاد، خاصة وأنه جاء في يوم رمضاني، وفي وقت اشتدت فيه تداعيات الأزمة السياسية بعد اغتيال المعارض اليساري محمد براهمي ووضعت الحكومة التونسية أمام انسداد قد يعصف بها في أية لحظة. والمفارقة، أن الكمين الإرهابي جاء في وقت مازالت فيه تونس تحت الحداد، لتجد نفسها في حداد آخر بعد عملية الاغتيال التي شهدها جبل الشعانبي في ولاية القصرين في جنوب غرب البلاد. وجاء توقيت تنفيذ هذه العملية في غير صالح حكومة علي العريض، الذي وجد نفسه تحت ضغط متزايد للدفع به إلى تقديم استقالة حكومته. وهو مطلب رفضه في رد فعل حازم، عندما أكد أنه لن يقدم استقالة، رغم أنه أبان على ليونة في موقفه عندما قبل بتنظيم انتخابات رئاسية ونيابية يوم 17 ديسمبر القادم، المصادف للذكرى الثالثة لاندلاع ثورة الياسمين سنة 2010، ووضع نهاية للمرحلة الانتقالية. وهي طريقة ذكية من العريض للالتفاف على ضغط الأحزاب اللائكية، التي تطالب أيضا بحل المجلس الوطني التأسيسي، بمبرر أن صلاحية وجوده انتهت شهر أكتوبر الماضي. ولكنه موقف لم يقض على أسباب الأزمة وجذورها، رغم محاولة علي العريض إخمادها ولو إلى حين حتى تمر صدمة العملية الإرهابية التي هزت تونس. وقال العريض، إن الحكومة ستواصل ممارسة مهامها "ليس لأننا متشبثين بالكرسي، ولكن من منطلق مسؤولياتنا التي يتعين علينا الاضطلاع بها إلى نهايتها". فهل تصمد مثل هذه المبررات أمام إصرار الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الباترونا وحزب التكتل الحليف لحركة النهضة ووزير الداخلية لطفي بن جدو والرابطة التونسية لحقوق الإنسان الذين طالبوا جميعهم بحكومة وحدة وطنية تحظى بتأييد واسع من طرف كل شرائح الشعب التونسي. ودخل الرئيس منصف المرزوقي كحكم في هذه الأزمة، ليؤكد في خطاب عاجل إلى الشعب التونسي مباشرة بعد اغتيال الجنود العشرة، أن معالجة الأزمة التي تمر بها البلاد لن تكون إلا بالوحدة الوطنية."لأننا إذا كنا نريد فعلا مواجهة خطر الإرهاب، فإنه يتعين علينا أن نواجهه موحدين"، وبقناعة أن تونس والمجتمع التونسي مهددين". وأعاب الرئيس التونسي على التونسيين أن عملية الاغتيال التي نفذت ضد المعارض محمد براهمي بدلا من أن تعزز الوحدة الوطنية، زادت في هوة الفرقة بين أطياف الطبقة السياسية. للإشارة، أن وزير الداخلية، لطفي بن جدو، كان على وشك تقديم استقالته مع عدد من المسؤولين الأمنيين، ولكنه تراجع عن فكرته بالنظر إلى الحالة الاستثنائية التي فرضتها عملية اغتيال جنود الجيش التونسي وحالة الانسداد التي يعرفها المشهد السياسي العام . ولكن هل تأخذ المعارضة العلمانية بنداء وزير الداخلية من أجل إنقاذ الموقف العام بعيدا عن أية حسابات حزبية ضيقة، أم أنها ستجد في عملية الاغتيال التي راح ضحيتها الجنود العشرة فرصة لتشديد قبضتها على حكومة علي العريض، على اعتبار أن الفرصة جاءت على طبق من ذهب للإطاحة بها؟. والمفارقة، أنه في الوقت الذي اغتيل فيه جنود القوات الخاصة التونسية الذين أقحموا منذ بداية العام في عمليات مطاردة وتمشيط لغابات جبل الشعانبي، كان الآلاف من أنصار أحزاب المعارضة يواصلون اعتصامهم أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي، مطالبين فيه برحيل حكومة العريض وحل هذه الهيئة التشريعية.