إذا كانت ملابس العيد تلقى هذه الأيام إقبالا منقطع النظير بحكم أن العيد أضحى على الأبواب، فملابس الختان هي الأخرى تعرف طلبا كبيرا من طرف العائلات والجمعيات التي تحضّر لعمليات الختان التي تتزامن والعشر الأواخر من الشهر الفضيل، وهو ما وقفت عليه “المساء” بزنقة العرائس بساحة الشهداء. وبين البذلة العاصمية التقليدية الأصيلة، التونسية، السعودية والتركية اختار الزبائن التركية والسعودية لضمان الجودة والنوعية. اختلفت توجهات النسوة الباحثات عن بدلة الختان من سيدة إلى أخرى، ففي الوقت الذي اختار بعضهن التمسك بالموروث التقليدي الأصيل، والمتمثل في الڤندورة البيضاء المطرّزة بغرزة الحساب والمرفقة بالبرنوس، اتجهت أخريات للبحث عن التركية، من منطلق أنها أكثر إتقانا وجمالا، خاصة أن السوق الجزائرية اليوم تروّج لها. من خلال الجولة التي قمنا بها بزنقة العرائس كان أول ما شد انتباهنا انتشار عدد كبير من المحلات المخصصة لبيع كل ما يتعلق بختان الأطفال، بدءا ب “الطربوش”، وصولا إلى “البلغة”، غير أنه بعد دردشتنا مع عدد من الباعة تبين لنا أن هناك حالة من اللارضا عند هؤلاء؛ كون الاتجاه اليوم يسير نحو الترويج للبدلات الأجنبية على حساب المحلية، ما جعل الموروث التقليدي يتراجع حسب هؤلاء الباعة، وهو ما حدّثنا به البائع كمال، الذي يُعتبر واحدا من أقدم الباعة بساحة الشهداء؛ حيث قال: “لم يعد الطلب على ملابس الختان الجزائرية الأصيلة، الممثلة في الڤندورة البيضاء أو البيج، والجيلي الأسود المطرّز بالخيوط الذهبية، والبلغة، كما كان عليه الأمر فيما مضى؛ بالنظر إلى الموديلات الكثيرة التي دخلت السوق. ومن منطلق الرغبة في التجديد والتقليد “أصبحنا نبيع البدلات التركية، السعودية، التونسية والمغربية على حساب العاصمية التي تراجع الطلب عنها على الرغم من التعديلات التي عرفتها، كإدخال بعض الزخارف والألوان عليها وأرجع محدّثنا التخلي عنها إلى الرغبة في التقليد والمباهاة، لاسيما بعد أن أصبحنا يقول “نقف عند تصديرة الطفل، إذ يتم تلبيسه “الكوستيم” الأسود، بعدها يلبس مختلف البدلات المستورَدة، بينما يتم تهميش البدلة العاصمية العريقة، التي على الرغم من بساطتها فهي تعكس انتماءنا وأصالتنا”. وحول الأسعار قال بأنها تختلف تبعا للبدلة التي يتم اقتناؤها وعدد القطع المتوفرة بها. وعموما، فإن البدلة العاصمية المكوّنة من الڤندورة، القمجّة وسروال العرب المرفق بالحزام والطربوش والبلغة، تتراوح بين 1200 دج و2300دج، تبعا لنوعية القماش الذي يلعب دورا في تحديد السعر، دون أن ننسى التطريز، خاصة إن كان بغرزة الحساب؛ على اعتبار أن العمل اليدوي باهظ الثمن، بينما تصل التركية إلى 7000دج، فيما تصل السعودية إلى حدود 18000دج، وعلى الرغم من غلائها تلقى رواجا.
حمى المسلسلات التركية طالت حتى ملابس الختان التأثر الكبير للنساء بالمسلسلات التركية ساهم في تغيير أذواقهن، يقول البائع كريم: “نشهد في السنوات الأخيرة دخول العديد من النماذج التي أثرت على صناعتنا التقليدية فيما يخص بدلات الختان، وبعدما كان الطفل يتزين بالڤندورة والبرنوس الأبيض أصبحت النسوة يحرصن على إظهار أطفالهن كالسلاطين والأمراء؛ باقتناء كل ما هو تركي أو سعودي الصنع. وأرجع محدثنا سبب التخلي نوعا ما عن لباس الختان العاصمي، إلى كون هذا الأخير يتم التخلص منه بمجرد أن تنتهي عملية الختان، أما باقي الألبسة على غرار اللباس التركي والسعودي، فيمكن للطفل أن يرتديها في بعض المناسبات. لا ينكر محدثنا ميل بعض النسوة إلى اقتناء اللباس العاصمي، لا سيما مع ما عرف من تعديلات فيما يتعلق بالتطريز بالآلة، وكذا إدخال ألوان جديدة مثل الأحمر بالطربوش والمذهّب على الحزام، ونقوش بالفتلة والمجبود على مستوى الطربوش والجيلي، غير أن الإقبال عموما يتجه نحو اقتناء البدلة السعودية المكوّنة من خمس قطع، وهي العباءة سوداء اللون المطرّزة بالذهبي، الشماغ الأبيض المرفوق بخيط خشن مطرّز لضبطه فوق الرأس، القميص والخف الذي يُشترط أن يكون أبيض.
التعديلات التي طالت بدلة الختان العاصمية فشوّهتها يرى الباحث محمد بلمدور أن اللباس التقليدي الخاص بختان الأطفال بالقصبة، عرف تغيرا كبيرا؛ حيث قال: “لو نعود إلى الفترة الاستعمارية نجد أنه عرف بعض التعديلات، فاللباس الأصلي في عملية الختان كان عبارة عن ڤندورة فقط يلبسها الطفل عشية الاحتفال به وإلى غاية إتمام عملية ختانه، وبدخول الأتراك فُرض على اللباس شاشية اسطنبول الحمراء والجيلي”. وحسب محدثنا فإن بذلة اليوم على الرغم من بقاء بعضها محافظا على بعض أصالته وعراقته، إلا أن التعديلات التي عرفتها حرّفتها وجعلتنا نقتني بدلة غريبة علينا لا نعرفها، وتحديدا فيما يخص الزخرفة التي حرّفت أصالة لباس الختان، “فلا يخفى عليكم أنها كانت لا تطرّز في الماضي”. وحول مكونات بذلة الختان العاصمية أفاد بلمدور أنها تتكون من الڤندورة البيضاء التي لا تطرّز ولا تخرج عن اللون الأبيض، والجيلي وسروال المدوّر المربوط بالخيط أو المحّزمة، وهذه أمور تغيرت، وعليه فإن التقليد شوّه لباس ختان الأطفال، مضيفا أن قلة الحرفيين المتخصصين في صناعة لباس الختان العاصمي الأصلي، فتحت المجال لانتشار مثل هذه الألبسة.