ها هي خمسون سنة تمر وهي بحجم ثمراتها وعثراتها وما قُدّم فيها وأُخّر، خمسون سنة تمر ونقول فيها: “إن دولتنا أرست معالم كبرى في التربية والتعليم، وعملت على إقامة المؤسسات التربوية، وسعت لمحو تركة الاستعمار بالفعل والقوة، وهي خطوات جبّارة، فلا يمكن أن ننكر تلك الجهود التي تُصرف على الوزارات المعنية. ولقد ظلت السياسة التربوية على مدى خمسين سنة، تعمل على تجاوز الصعوبات والأزمات، وتقترح الحلول النوعية رغم كثرة الإكراهات والمضايقات، ومع ذلك بنت بلدنا محطات مضيئة في مسار التربية والتعليم. 3/ 12. تخفيف الحجم الساعي وتحديد العتبة: من المبررات التي رأتها وزارة التربية في مجال التخفيف الساعي الأسبوعي للمواد الدراسية، أن التخفيف له نجاعة هامة قصد تقليص الضغط عن التلميذ في إطار مواصلة إصلاح المناهج التعليمية قصد تحقيق نجاعة قصوى.. بغرض إحداث انسجام شامل بين المضامين المقررة في المناهج والتوقيت المخصص لها... اعتماد حصص ذات 45 دقيقة ضمانا للفعالية واحتراما لقدرات الاستيعاب لدى التلاميذ”، كما أردفت بمجموعة من التحليلات، وهي: - إحداث انسجام عام وعقلنة في شبكة المواقيت، - تخصيص فضاء زمني ضمن التوقيت الأسبوعي لأنشطة المعالجة البيداغوجية والدعم في التعليم الابتدائي، - ضبط التوقيت المخصص للدراسة الفعلية في الفصول الدراسية الثلاثة، - اعتماد حصص ذات 45 دقيقة بدلا من حصص ذات 60 دقيقة؛ ضمانا للفعالية وتجنبا للرتابة والملل واحتراما لقدرات الاستيعاب لدى التلاميذ، - تخصيص 15 دقيقة يوميا للتربية الخلقية، سيحدد مضمونها لاحقا، وهذه حالة جيدة إذا ما كانت في كل حي سكني حديقة للأطفال يرتادها أطفال ما بين السنة الثالثة إلى الرابعة، وحالة ما إذا كان التعليم التحضيري إجباريا من السنة الرابعة إلى السنة السادسة، ولكن إذا لم تتوفر شروط بقاء التلميذ في مدرسته يتعلم باستمرار، وهي القاعدة الأم للمقاربة بالكفايات، فليس من الضروري أن ننقص لهم الحجم الساعي، فلقد درسنا ودرّسنا 30 ساعة في الأسبوع، وما كان ذلك كافيا في الوقت الذي لم تكن هناك انشغالات العصر، فكيف الحال الآن بتخفيف يعود لفائدة أشياء لا تخص دراسته، ولا يعني هذا أن نشغل التلميذ كل الوقت، بل أن نمكّنه من التعليم المستمر والذاتي عن طريق توفير تلك الشروط الموضوعية التي لم تعمل المدرسة الجزائرية على تحقيقها؛ نظرا للكم الهائل من المتمدرسين، ولكن لو نقف وقفة حسابية على هذا التقليص لنرى كم أسبوعا يدرسه التلميذ فنرى أنه يدرس ما يلي: - 2 أسبوعان من شهر سبتمبر، - 4 أسابيع من شهر أكتوبر، - 3 أسابيع من شهر نوفمبر، علما أن هذه السنة (2011) حُذف أسبوع من العطلة السابقة، - 3 أسابيع من شهر ديسمبر، - 3 أسابيع من شهر جانفي، - 4 أسابيع من شهر فبراير، - 2 أسبوعان من شهر مارس - 4 أسابيع من شهر أفريل، - 1 أسبوع من شهر مايو. فيكون العدد الإجمالي: 26 أسبوعا من أصل 52 في السنة، أي يدرس التلميذ عندنا نصف السنة فقط دون التفصيل أكثر في أن 26 أسبوعا هي افتراضية، حيث إن شهر رمضان تتقلص فيه الحصص إلى نصف الساعة، وأن الامتحانات تأخذ ما تأخذ من هذه الأسابيع دون حساب التأخير وغيابات المعلمين والعطل الدينية والعطل الوطنية، وغلق المدارس قبل يوم أو يومين في الانتخابات، والاجتماعات، وأيام التكوين، وزيارات المرضى الأقرباء في المشافي، والتوقف في بعض المناطق في الجنازات، وعيادة الأقرباء نهارا جهارا... فنرى أننا نكرس العطل في العطل، ونزيد تمديد العطل، فأيامنا أغلبها عطل تتخللها أيام العمل؛ فهل بعد هذا نجد المدرسة الجزائرية على غرار المدارس الأجنبية؟! حيث نجد الياباني يدرس 40 أسبوعا في السنة، والفرنسي 36 أسبوعا، والأردني 34 أسبوعا، والسعودي 34 أسبوعا، وإذا حدتث أو وقع تأخير أو غياب فهناك المستخلف، وهناك التعويض المتأخر أو المسبق، فنحن لا نعمل بهذا بتاتا، فمدارسنا أُشبعت عطلا.. وتأملوا فإننا بعيدون عن أمثالنا من الجيران في هذا المجال، ومع ذلك نقول: علينا أن نقلّص من الحجم الساعي، ونقلص من المواد ونحدّد العتبة، فهل فكرنا في كيفية التعويض، وهل عملنا مرة واحدة على تدريس البرنامج؟ وهل أقمنا مقابلة بيننا وبين غيرنا من المنظومات التربوية، وهل نظرنا إلى قيمة البكالوريا عندنا وقارنّاها بمثيلتها عند الجيران؟ ولا أخفي الجزائري أن هذا العمل المسمى الإصلاح التربوي، ليس فيه العلمية ولا فيه المصداقية، ولا فيه التخفيف عن التلميذ. نعم تخفّف عن التلميذ الذي أناطت به حمولة كبيرة من المواد أو الأشغال، فكيف نخفف عن الذي لم يتحمل ثقلا! وبصراحة، فإن التلميذ في المرحلة الابتدائية، حسب هذه الإصلاحات، تنتهي دروسه صباحا على الساعة الحادية عشرة وينتظر الأكل، فهل يوجد الأكل في كل مدارسنا؟ وهل تتحكم المدارس في عدم إخراج التلاميذ للشوارع؟ وينتظر حتى الساعة الواحدة، ثم يستأنف دروسه المسائية إلى غاية الثانية والنصف، ثم ينتهي يومه، فأين يذهب بعد ذلك؟ صحيح أن المصلحين فكروا في تشغيل التلميذ بين الوقتين، وفي المساء بتشغيله في الترفيه العلمي أو الأدبي أو الرياضي. ولنكن صرحاء مع أنفسنا، فإن المدرسة تتخلص من التلاميذ بانتهاء الوقت، وإن حدث أنه وجد نشاطا فأي نشاط؟ ولست أدري هل يتحرى المسؤولون الواقع وهل يسمعون لشكاوى الأولياء، وأنا أسمعهم بأن الدولة تريد التخلص من أولادنا، فمن يأتي بالأولاد في هذا التوقيت والأولياء في عمل؟... وهل يرون ما تعانيه الأمهات من رمي المدارس للتلاميذ إلى البيوت؟ وهل يدري القائمون بأن هذا الفعل قد يكون جيدا بعد أن تجرى تجربة ضيّقة في ولاية واحدة؟ فإذا أبان عن نجاح يعمل على تعميمه، فأي قرارات تُتخذ، وأي قوانين تُستورد من بلد وتطبَّق على بلد؟... ولست أدري أين الخلل في النظام القديم، فهو مثالي وجيد، بل نظام علمي يمكّن التلميذ من الحدود الوسطى في كل شيء، فهل نصلح بهذا الضياع؟ - هل فكرنا في كيفية التقليص من كثرة الفروض والامتحانات؟ - هل فكرنا كيف نجعل مدرستنا تشتغل في شهر مايو وفي شهر جوان بشكل عادي؟ - هل فكرنا كيف نجعل شهر رمضان مثله مثل الأشهر الأخرى؟ - هل فكرنا كيف تنطلق الدروس انطلاقة عادية دون المقدمات الطويلة؟ - هل فكرنا في جعل مدارسنا تشتغل تحت أي ظرف طبيعي؟ - هل قارنّا أنفسنا بغيرنا في هذا المجال؟.../... يتبع