كشفت تصريحات الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بخصوص الملف النووي الإيراني أمام الوزير الأول الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، على درجة التيه التي وجد الرئيس الامريكي نفسه فيها، إلى درجة جعلته يدلي بتصريح ونقيضه في نفس الوقت. وكان السؤال المحوري الذي طرح بمناسبة التصريحات الودية بين أوباما وحسن روحاني ووزيري خارجيتهما جون كيري وجواد ظريف عن مستقبل العلاقة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل على ضوء التقارب الحاصل بين طهرانوواشنطن وإذا كانت الضجة ثارت بين مختلف الأوساط السياسية الإسرائيلية من أقصى اليمين إلى اليسار وصولا إلى أحزاب الوسط، رافضة مثل هذا التقارب وساخطة على الرئيس الامريكي، إلا أن الجميع بقي ينتظر نتائج زيارة الوزير الأول بنيامين نتانياهو ولقائه بالرئيس اوباما لمعرفة حقيقة النظرة الأمريكية إلى الملف النووي الإيراني. وكما كان متوقعا، فقد اضطر الرئيس الامريكي إلى أن يهدئ من درجة التذمر التي حملها نتانياهو، أول أمس، بعد أن نفى بطريقة ضمنية كل تقارب مع إيران، مؤكدا لضيفه نتانياهو أن الخيار العسكري تجاه إيران مازال مطروحا في تناقض صارخ مع تصريحات سابقة أكد من خلالها انه يفضل الخيار الدبلوماسي التفاوضي مع طهران في وقت راح فيه وزيره للخارجية جون كيري يؤكد أن سرعة التقارب مع إيران قد تؤدي إلى التوقيع على اتفاق خلال ثلاثة أشهر. وكشفت تصريحات اوباما بعد لقاء نتانياهو عن سياسة اللعب على الحبلين التي يريد أن يكرسها في تعامله مع بلدين عدوين في منطقة تبقى في قلب الاهتمامات الإستراتيجية الأمريكية. ويبدو أن الرئيس الامريكي وجد صعوبة في التكيف مع لعبة يجيدها رجال السيرك أكثر من رجال السياسة وخاصة في ظل الرهانات التي تمثلها إسرائيل في الحسابات الأمريكية وأيضا رغبة واشنطن في عودة الدفء إلى علاقتها مع دولة محورية في كل الترتيبات الأمنية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط بحجم إيران. وأيضا بسبب عدم رغبة واشنطن في فتح جبهة صراع جديدة مع إيران تلبية لرغبة إسرائيل في توجيه ضربة لإيران. وأعطت مثل هذه الازدواجية في خطاب الادارة الأمريكية أنها تعاملت مع أعقد القضايا المطروحة أمامها باحترافية منقوصة فلا هي أقنعت الإيرانيين ولا هي أرضت الإسرائيليين بخطاب أعرج أفقدها مصداقيتها كأكبر قوة في العالم. وحرص الرئيس الامريكي الذي وصلته أصداء ردود الفعل في إسرائيل والحملة التي كالتها الصحف ورجال السياسة ضده على أن يظهر بمظهر السند الذي يجب أن يعتمد عليه الإسرائيليون وأن الحلف القائم بين واشنطن وتل أبيب لن يتزعزع أمام أية مستجدات أو طارئ، مما جعله يؤكد على القوة العسكرية كخيار قائم للتعامل مع إيران. وهو التذبذب في المواقف الذي جعل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يطالب الرئيس الامريكي بالكف عن سياسة المراوغة التي يتفنن في لعبها كلما تعلق الأمر بالملف النووي الإيراني وقال إن ذلك سيهدم الثقة التي بدأت تعود إلى علاقات البلدين وتضر بصورة الولاياتالمتحدة. ولم يستسغ المسؤول الإيراني قول الرئيس الامريكي أن إيران قبلت التفاوض تحت الضغط الدولي الممارس عليها والتهديدات بضربها في تعارض مع كل التصريحات المتفائلة التي طبعت موقفي مسؤولي البلدين في الأيام الأخيرة. والواقع أن الانقلاب في موقف الرئيس الامريكي وبهذه السرعة تجاه إيران إرضاء لإسرائيل أمر لا يبعث على الاستغراب إذا سلمنا بدور اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة وتأثيره على الشاردة والواردة في كل أمر يخص إسرائيل. فهو يمثل رأس حربة الدبلوماسية الإسرائيلية فكلما فشلت الدبلوماسية العلنية في كسب قضية أو موقف أمريكي إلا وتحرك هو سرا في عمق دوائر صناعة القرار الامريكي لتصحيح مسارها في الاتجاه الذي يخدم أمن إسرائيل ويضمن تفوقها العسكري في منطقة الشرق الأوسط. وربما يكون كل ما حدث مجرد تحول تكتيكي في استراتيجية ثابتة وأن واشنطن لا يمكنها أن تضحي بمصالحها المتكرسة مع كيان زرعته في قلب الوطن العربي لتتخلى عنه بسبب الملف النووي الإيراني التي ترى فيه إسرائيل انه يستهدفها.