أكد أكاديميون ومجاهدون خلال ندوة تاريخية نظمت أمس بالجزائر العاصمة، أن العمل الفدائي على مستوى العاصمة إبّان ثورة التحرير المباركة، كان عاملا فاعلا في إسماع العالم بحيثيات معركة الجزائر، لاسيما من خلال التضحيات الجسام التي قدّمها المجاهدون والشهداء في سبيل نيل الحرية والاستقلال. وأوضح أستاذ القانون وتاريخ الجزائر المعاصر والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور عامر رخيلة، في مداخلة له في إطار هذه الندوة التي احتضنها منتدى "المجاهد " بالتنسيق مع جمعية "مشعل الشهيد"، حول العمليات الفدائية بالعاصمة، بمناسبة الذكرى ال56 لاستشهاد شهداء معركة الجزائر الأربعة، أن العمليات الفدائية التي كانت تنفّذ بقلب العاصمة ضد المصالح الإدارية والعسكرية للاستعمار الفرنسي، لفتت انتباه الرأي العام الأوروبي والدولي، ما أدى إلى استقطاب تعاطف مسؤولي هذه الدول مع الثورة، والدعوة لتمكين الجزائريين من استقلالهم. وأكد رخيلة في هذا الإطار، أن النضال الفدائي الذي شهدته شوارع العاصمة بكثافة إبان الثورة، حقّق نجاحا باهرا على المستويين العملياتي والبسيكولوجي ضد العدو الفرنسي، لاسيما وأن هذه العمليات كانت تستهدف بالدرجة الأولى الهيئات والمنشآت العسكرية والمدنية التي تكبّت خسائر متتالية. وقال أيضا، إن الجزائر كانت من بين الدول السباقة في العالم بتطبيق العمل الفدائي أو ما يسمى بحرب الشوارع بعد الهند الصينية، الأمر الذي مكّنها من اكتساب خبرة واسعة بعد الاستقلال في مكافحة الإرهاب، وجعلها تتبوّء مكانة مرموقة في العالم لاسيما من ناحية تنسيق الجهود الدولية في مكافحة هذه الظاهرة. كما أضاف موضّحا، أن إحياء ذكرى استشهاد الأبطال الأربعة لمعركة الجزائر (حسيبة بن بوعلي وعلي عمار المدعو "علي لابوانت" ومحمد بوحميدي والشهيد الطفل عمر ياسف)، تعد فرصة هامة للاطلاع على البطولات الخالدة لهؤلاء الشهداء، الذين دفعوا حياتهم من أجل استقلال الجزائر، داعيا جيل اليوم إلى ضرورة الاستلهام من هذه المسيرة العطرة للشهداء لاسيما في الأوقات العصيبة. وفي الأخير، أوضح المتحدث، أن مسألة كتابة تاريخ الثورة وتدوين الأرشيف وبطولات المجاهدين والشهداء لا يقتصر فقط على المؤرخين والأكاديميين، وإنّما تتوقّف على إشراك كافة المعنيين من جمعيات ومنظمات تاريخية ومراكز بحث متخصصة، إلى جانب أعضاء الأسرة الثورية للإحاطة والإلمام أكثر بالوقائع والشهادات التاريخية. ومن جهته، قدّم رفيق درب الشهيد علي لابوانت، المجاهد سي لعروسي (أمين قسمة المجاهدين لمنظمة جبهة التحرير لمنطقة الجزائر الوسطى) شهادات حيّة عن حياة الرجل وعلاقته برفاقه الثلاثة، حسيبة بن بوعلي ومحمد بوحميدي وعمر ياسف، مؤكدا أن هؤلاء الأبطال كانوا لا يقومون بأي عمل فدائي، إلاّ بعد اتفاق بينهم بالإجماع على العملية المراد تنفيذها ضد العدو الفرنسي. وأبرز المجاهد وهو أحد فدائيي العاصمة الذي أعتقِل في جانفي 1957، الشجاعة الكبيرة التي كان يتمتّع بها هؤلاء الأبطال، الذين لم يثنهم سنهم ولا شبابهم عن الاستماتة في الدفاع عن الوطن. وللإشارة، تندرج هذه الندوة التي شاركت فيها مديرية التربية للجزائر الوسطى، بحضور تلاميذ ثانوية حسيبة بن بوعلي، في إطار الاحتفال بالأيام والأعياد الوطنية التي تبادر بها جمعية مشعل الشهيد، في إطار منتدى الذاكرة التاريخي.