مع بدء العد التنازلي لاستقبال العيد، تجد جل العائلات الجزائرية على قدم وساق في رحلة بحث عن أضحية جيدة لتطبيق السنة النبوية، إذ تصبح الأضحية مطلبا ملحا خاصة لدى الزوجات والأطفال بالدرجة الأولى، الذين يريدون التفاخر بهذه الأضاحي بين عائلاتهم وجيرانهم، حيث بات من الضروري على الأولياء اصطحاب أبنائهم الصغار من أجل اختيار كبش العيد، حيث أصبح اليوم تردد الأطفال رفقة ذويهم على أسواق الماشية جزءا لا يتجزأ من ديكور الاحتفال بعيد الأضحى، فالطفل هو من يختار أضحيته بنفسه ولا يهم سعرها أوحتى نوعها. المتجول عبر عديد نقاط بيع الأضاحي وكذا الأسواق الشعبية بقسنطينة، يلاحظ «غزو» الأطفال رفقة أوليائهم لها، على اختلاف أعمارهم، فمنهم حتى الرضع ومن لا يتجاوز عمره السنتين، إذ أضحت اليوم أماكن عرض الماشية كأنها نقاط تسلية وترفيه بالنسبة للأطفال، كما أن معظم الآباء خلال شرائهم للأضحية، باتوا يستشيرون أطفالهم ممن اصطحبوهم ويقتنعون بآرائهم واختياراتهم، ولو كان ذلك بعيدا عما تحويه جيوبهم، خاصة إذا اختار الطفل كبشا أقرنا.. وباقترابنا من بعض الأولياء، أكدوا أن تردد الأطفال الصغار على أسواق الكباش أصبح جزءا لا يتجزأ من تقليد عيد الأضحى، حيث قال أحدهم بأن الزمن تغير، فبعد ما كان الأطفال في الماضي يبتهجون عند قدوم عيد الأضحى لما يرافق هذه المناسبة من عادات جميلة، أهمها إنجاز رسومات عن الكباش مع تزيينها بالصوف أو القطن، كانت مهمة توكل إليهم من قبل الأساتذة والمعلمين في المدارس، حيث يهتم المعلمون بالرسم، فيما يهتم الصغار بالتزيين، إلى جانب إلصاق الصوف بمساعدة الأمهات اللائي يتقنن بعناية قطعها لتحقيق أجمل الرسومات. من جهة أخرى، يلاحظ المتجول في أسواق بيع الماشية، تحول هذه الفضاءات التجارية إلى مرافق للتسلية والتقاط الصور التذكارية، حيث تعدى أمر اختيار الأضحية من قبل الأطفال إلى تحول هذه الأسواق إلى أماكن أشبه باستوديوهات تصوير مفتوحة بالهواء الطلق، يمثل الأطفال الصغار فيها دور البطولة تحت أضواء كاميرات أوليائهم وهواتفهم النقالة لالتقاط الصور، حيث أصبح كبش العيد دمية أو تمثالا حيا يلتف حوله الصغار لالتقاط أجمل الصور مع أقوى الكباش وأجملها، جاعلين من أولياؤهم مصورين، حيث غالبا ما تجدهم وأولياؤهم ممن يستسلمون لدلالهم، في رحلة بحث عن كبش بقرنين ملتويتين وكبيرتين الحجم، كأنهم متوجهون إلى حلبة المصارعة، أين يرى المتجول عبر هذه الأسواق تداول الأولياء على التقاط الصور لأبنائهم مع كبش العيد وكأنهم يلتقطونها مع فنان مشهور. ولعل ما أثار انتباهنا ببعض أسواق الماشية، عرض بعض الموالين لبعض الكباش التي تجلب حقا انتباه العام والخاص، نظرا لغرابة شكلها، سواء تعلق الأمر بالحنة التي تزينها أو أشكال القرون الملتوية التي يتسابق البعض للتفاخر بها، ناهيك عن تعمد بعض الموالين قص الصوف بطريقة مضحكة أو جذابة، كأن الأمر يتعلق بحلاقين محترفين يتفننون في «القصات»، مما جعل بعض الأطفال «يجبرون» آباءهم على شراء واحد من تلك الكباش، لمن استطاع، بسبب غلاء سعرها بالدرجة الأولى، أو إجبارهم الوقوف في طوابير لأخذ صور تذكارية أمامها نظرا لجمالها.. وغرابتها. وفي حديثنا مع بعض الشيوخ ممن كانوا بعين المكان، لمسنا تعجبهم من هذه الظواهر الغريبة، سواء ما تعلق بجلب الأطفال الصغار إلى الأسواق، أو أخذ صور تذكارية مع الكباش، ولعل الأغرب في الأمر -حسب الجد الطاهر- اقتناع بعض الآباء باختيارات أطفالهم التي كثيرا ما تكون مرتبطة بشكل الكبش، بعيدا عن نوعه وسنه، حيث قال الجد بأنه تعلم مع والده قديما تقنيات لاختياره، كالنظر إلى فمه وأسنانه لمعرفة إذا كان «ثني» صغيرا أو كبيرا وغيرها، عوض الاعتماد على قرنيه وضخامة حجمه، مشيرا إلى أن الكباش المعروضة بهذه الطريقة الغريبة جلها كبيرة، ومن الممكن أن تكون غير جيدة. يبقى لعيد الأضحى بعاصمة الشرق، رغم اختلاف الأزمان، نكهة خاصة ومميزة، لما يحظى به من عادات وتقاليد متوارثة من جيل إلى آخر، لا تزال معظم العائلات القسنطينية متمسكة بها، سواء من حيث الانطلاق في إجراءات التحضير لهذا العيد بأسابيع عديدة من خلال بعض العادات، كتطهير المنازل واقتناء كل ما يلزم المطبخ من أوان وسكاكين جديدة، أو التمسك بالعادات القديمة الطريفة كقيام الجدات أو حتى النساء اللائي ورثن عن أمهاتهن كيفية مسك لوح الكتف الأيمن للكبش لاستقراء الغيب، وحفظه داخل كيس الدقيق إلى قدوم العيد المقبل للبركة، أو عادة الألسنة إذ تحرص النسوة اللائي تأخر أطفالهن عن النطق، على جمع سبعة ألسنة كباش من سبعة بيوت مختلفة مع طهيها وتقديمها لهم، وغيرها من العادات..