فرضت التحولات العالمية معطيات تندرج ضمن الاستراتيجيات الجديدة التي ترهن علاقات الدول. فلم تعد قوة الدول تكمن في قوتها العسكرية، أو لنقل لم يعد هذا الجانب هو العامل الوحيد في موازين القوى بين الدول. فالعالم يعيش اليوم عولمة متوحشة لا ترحم من لم يوفر لنفسه الماء والغذاء، لأن حروب المستقبل لن تكون حروبا عسكرية تستخدم فيها ترسانات الأسلحة لفرض السيطرة أو منطق القوي على الضعيف، بل سيكون أكثرها بواسطة سلاح الماء والغذاء. وإذا بدأنا نشهد مؤشرات أزمة اقتصادية عالمية في الأفق، من خلال لجوء الاحتكارات الدولية الى فرض احتكار الغذاء والمضاربة بأسعاره في الأسواق الدولية، فإن ذلك هو بمثابة رد على ارتفاع أسعار البترول، حتى لا تتمكن الدول المنتجة للبترول وأغلبها دول نامية من استغلال هذا الفائض في تنميتها وتحقيق اكتفائها من الغذاء. وعليه، فإنه لابد على المقاربات المستقبلية أن تضع الدفاع الاقتصادي ضمن أولى الأولويات، إذا أرادت الدول المحافظة على وحدتها وسيادتها، بحيث أن الاستقرار الأمني والأمن الغذائي أصبحا عاملين جوهريين في معادلة توازنات العلاقات الدولية. فلا أمن إذن ولا استقرار بدون تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، وهو الاكتفاء الذي لن يتحقق إلا بإيلاء الأهمية القصوى للتنمية الفلاحية التي يتوقف عليها مستقبل الشعوب.