بهذا العنوان تزيّنت مجلة "الثقافة" في عددها الجديد، السينما التي خطت خطوات عملاقة بعيد الاستقلال ببصمات الثورة ونضالها ضد الإحتلال الفرنسي، لتنتقل بعد ذلك لمعالجة المشاكل الإجتماعية ومواكبة ثورة البناء والتشييد، التي وللأسف لم تحرز على الانتصار المتألق إبان الثورة ولم تتمخّض إلا عن شعارات سرعان ما أكلها الإفلاس وتوقفت دواليبها وأصبحت في خبر أسواق الفلاح والقرى النموذجية والمصانع الجاهزة التي تحولت إلى شبه خردة· السينما الجزائرية تحرّكت تحركا سريعا، لكن توقفت توقفا مفاجئا بتلك السرعة التي انطلقت بها، فانقلبت وتعطّل محركها ولم تعد هناك سينما بتلك الجودة والقوة، وحتى القاعات أُغلقت، لكن هل السينما كانت حاضرة في عاصمة الثقافة العربية لعام 2007؟ وهل تفلح المهرجانات والأفناك في النفخ في روح السينما الجزائرية وإعادة بعث رفاتها من جديد؟ من خلال العنوان الذي اتسمت به مجلة الثقافة "السينما والسوسيولوجيا: أية علاقة ممكنة؟"، "الهوية الثقافية والذاكرة البصرية··" "السينما الجزائرية الرصيد والطموح··" كل هذه العناوين الكبيرة تنصب استفهامات فارغة، من حيث الرصيد فإنه قليل جدا وتم استهلاكه، أما الطموح فهو غير واضح ويغلّفه ضباب إيديولوجي ما يزال يوجهه بمحركات صادئة، حيث ينتهي الفيلم من العرض الشرفي الأول ثم لا نشاهده مرة أخرى إلا في حدوث مناسبة من المناسبات، وهذا الفقر السينمائي يعود سببه لانعدام صناعة سينمائية واحتكار شريحة معينة للسينما، حيث تجد من يدعمها ماليا ويشجعها إعلاميا وهي لا تستطيع الخروج من الحصار الإيديولوجي الذي وضعته على ذاتها، وهكذا نجد الدراما الجزائرية فقدت الكثير من تألقها في الستينيات والسبعينيات، فهل تستفيد هذه السينما من الأخطاء ومن الفشل الذي ضربها، أم أنها ستبقى تواصل سيرها بقدمها العرجاء وبمنظارها المضبّب الذي لا تتضح له الرؤية إلا من خلال ما تراه له الضفة الأخرى؟! وهذا ما أكدته السيدة الوزيرة في افتتاحيتها للعدد ال14 (أوت 2007) المعنون ب "السينما الجزائرية: حتى تستعيد مكانتها···؟"، حيث تقول "استعادة السينما الجزائرية لمكانتها، لدورها لقدرتها على التأثير، ليس مجرد تطلع محترفين أو مولعين بالفن السابع أو راغبين في إمتاع الجمهور ومؤانسته، بل هي رغبة جامحة تسكن كل من حمل همّ هذا الوطن حاضرا ومستقبلا··"، ومع هذا يأتي العدد ال 14 ليس فقط لتوصيف السينما الجزائرية، بل ذهب إلى بعدها العربي، السينما العربية التي لم تستطع الفلتان من جاذبية الماضي ومآسي المجتمعات سواء المعالجة التراجيدية التي تصل لحد أقصى الحزن أو الكوميدية التي هي الأخرى المأساة بوجهها المقلوب وشرّ البلية ما يضحك· وهكذا يطلعنا فهرست العدد على عدة مواضيع منها ما هو مصير السينما العربية؟ حين تحاكم السينما التاريخ، السينما العربية ثورة على الأنا السينما والسوسيولوجيا: أية علاقة ممكنة، مقدمات سينمائية حول اصطلاحات غير سينمائية· ولم يتوقف العدد عند الدراسات، بل حاول الاقتراب من صناع السينما، فحاور المخرج الجزائري أحمد راشدي، أما في المقالات فقد تميز العدد بمقالين الأول ما هو علم الايقونات؟ والثاني دور الإعلام في نشر الثقافة· كما لم يَخْلُ العدد من بعض التوابل السينمائية في بورتري سكوت··!! لنسمع·· ما قيل عن يوسف شاهين، العدد رغم وجهته السينمائية، إلا أنه لم يدر بوجهه عن المدن والتاريخ، بل استحضر عاصمة الرستميين تيهرت تحت عنوان تيارت: محطات تاريخية ومواقع أثرية··· أما في الفنون التشكيلية، فقد تناول العدد الهوية الثقافية والذاكرة البصرية، والفنون التشكيلية المغاربية، ويعود بنا العدد إلى المسرح والسينما في غواية الصورة: السينما تسطو على المسرح، أما الأركان الثابتة في العدد مثل القصة، القصائد، التحقيق، إنتاجات سينمائية وأبعاد، فهي الأخرى شكلت العدد ال 14 لتجعله عددا متميزا بتميز الجزائر عاصمة للثقافة العربية· ومما زاد العدد رونقا وجمالا، الورق الممتاز والإخراج الجيّد، توزيع الصور والموضوعات المختارة بطريقة تدفع إلى القراءة وتكسر الملل، أضف إلى ذلك صورة الغلاف، حيث تميز صدرها بمجموعة من الأفيشات لأفلام السينما الجزائرية، أما الظهر فتميز بصورة المخرج المتألق الأخضر حمينة مع ابنه من لقطة فيلمه الذي أحرز السعفة الذهبية في مهرجان كان 1974 وقائع سنين الجمر، بالإضافة إلى الأفيشات الأخرى التي تشبه اللوحات التي تزين العدد كفيلم زاد وجبل باية بالإضافة إلى أغلفة أعداد مجلة البهجة التي أصدرتها وزارة الثقافة بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية· *