يتأكد من يوم لآخر أن الدبلوماسية المغربية تتخبط فعلا في عدم نجاعة تصوراتها حتى لا نقول افتقادها لخطة عمل واضحة يمكن الانطلاق منها لمعرفة أسباب تصرفاتها العشوائية بعد أن أكدت في كثير من المرات على فوضى عملها وراحت تقحم نفسها في قضايا لا تعنيها لا إقليميا ولا أمنيا. وأكدت كاتبة الدولة للشؤون الخارجية والتعاون المغربية، مباركة بوعيدة، مثل هذا التخبط عندما أكدت بالعاصمة المالية أن بلادها ستحتضن، منتصف هذا الشهر، ندوة أمنية لدول الساحل والمغرب العربي، ثم مؤتمرا دوليا العام القادم لمناقشة هذه الإشكالية الصعبة والمعقدة. والمفارقة أن دولا أكثر تضررا من الأوضاع الكارثية التي تعصف بدول منطقة الساحل بحكم موقعها الجغرافي لم تدع إلى عقد مثل هذه الندوة لقناعتها أن الأمر أكبر من أن تحسمه دول إقليمية يبقى بعضها من أفقر دول العالم. وحتى المغرب الذي يدعو إلى مثل هذا المؤتمر لا يختلف وضعه عن وضع دول الساحل بعد أن وجد نفسه في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية التي يعرفها العالم في قلب أزمات متعددة الأوجه أصبحت تنذر بانفجار اجتماعي وشيك قد يهدد أسس نظام الحكم فيه. وإذا أخذنا الفكرة كفكرة معزولة عن خلفياتها والحسابات المرجوة من ورائها فإنها تبقى إيجابية مادام الأمن والاستقرار ضروريين لتنمية الدول وتحقيق الرفاه فيها، ولكن عندما ندرك النوايا الخفية منها ندرك أن الرباط تريد استغلال مآسي دول المنطقة جراء تفشي الظاهرة الإرهابية لاستغلالها لقضايا داخلية وأيضا لإسقاط ذلك على الصحراء الغربية فإن المسعى يفقد قدسيته ويتحول إلى مجرد عملية ابتزاز مرفوضة. فقد سبق للمغرب قبل عامين أن استخدم غطاء محاربة الإرهاب في منطقة الساحل لخدمة أطروحاته لضم الصحراء الغربية عندما راح يؤكد دون إقناع أن جبهة البوليزاريو تنظيم إرهابي وأن مخيمات اللاجئين أصبحت ملاذا لعناصر إرهابية في محاولة يائسة لنزع صفة العمل التحرري الذي تقوم به هذه الحركة التحررية لتحقيق تقرير مصير الشعب الصحراوي ولكن حيلته وئدت في مهدها كمثل الجمرة التي تلقى في الماء. والمفارقة أن التحرك المغربي هذه المرة أيضا جاء دون مقدمات ولا تهيئة للأرضية لتحقيق نجاح لقاء بمثل هذه الأهمية محكوم عليه بالفشل المسبق إذا سلمنا أن قوى كبرى عجزت عن تحقيق النتائج المرجوة من لقاءات مماثلة بسبب الحساسية التي تكتسيها القضايا المطروحة وصعوبة حسمها. ودليل ذلك أن الولاياتالمتحدة نفسها عجزت عن احتواء ما تسميه بالإرهاب الدولي الذي وضعته ضمن أولويات عملها الخارجي منذ تفجيرات الحادي عشر سبتمبر 2001. بل إن دول غرب إفريقيا والساحل التي يركز عليها المغرب كانت سباقة إلى استحداث آلية للتدخل العسكري لحماية أمن حدودها ولكنها أثبتت فشلها بدليل أول تجربة لها في احتواء الوضع في دولة مالي واستدعى الأمر تدخلا دوليا قادته فرنسا بدعم أممي ولكنها مازالت تتخبط هي الأخرى في تبعاته. يذكر أن المغرب عقد في وقت سابق مؤتمرا إقليميا حول المسائل الأمنية في منطقة الساحل ولكن نتائجه لم تخرج عن جدران المبنى الذي عقدت فيه، وكان بمثابة تشويه لحقيقة الأزمة الأمنية التي تعرفها منطقة الساحل ودول جنوب الصحراء. ولكن المغرب أقحم نفسه مرة أخرى في مغامرة سياسية وأمنية مع علمه المسبق بان عوامل الفشل اكبر من حظوظ النجاح وقد عكس تصريح كاتبة الدولة المغربية للشؤون الخارجية ذلك عندما طرحت الفكرة ولم تحدد لا مكان عقد المؤتمر ولا جدول أعمال أشغاله ولا حتى الدول التي ستشارك فيه. والمؤكد أن الرباط أرادت أن "تسرق" المقترح الذي حمله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال جولته الحالية إلى عواصم منطقة الساحل الذي دعا إلى تبني استراتيجية موحدة لاحتواء مشاكل الساحل والتي تبدأ أولا بضمان لقمة العيش لسكانه الذين يعانون فقرا مدقعا وأوضاعا صحية متدهورة تكون بمثابة بداية لتكافل إقليمي قد يصل في مرحلة لاحقة إلى تنسيق أمني. وبعيدا عن عوامل الفشل فإن الرباط من خلال هذه الدعوة أرادت أيضا تغيير الجغرافيا وتسعى بشتى الطرق إلى أن تتحول إلى دولة من دول الساحل مع أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي ليس لها أية حدود مع دول الساحل سوى مع الصحراء الغربية التي تحتلها ومع الجزائر التي تبقى دولة مغاربية. ولا يستبعد أن تكون المبالغ الضخمة التي تعهدت عدة دول بتقديمها لدول منطقة الساحل من أجل إسعاف سكانها وضمان أمنهم هي التي أسالت لعاب المغرب الذي اقتنص فكرة الأمين العام الاممي ويريد أن يكون محور التحرك في إطارها مع أنه دولة لا تربطها أية صلة بدول الساحل. ولذلك فإن القراءة الوحيدة التي يمكن إعطاؤها للتحرك المغربي أن الرباط تريد ارتداء عباءة اكبر من حجمها في محاولة للخروج من قوقعة عزلتها الدبلوماسية التي وجدت نفسها فيها سواء في محيطها الجهوي والإقليمي أوحتى الدولي.