تبنّت الحكومة التونسية الانتقالية أمرا يتضمن نشر الاتفاق التجاري التفاضلي المبرَم بين الجزائروتونس، وكذا البروتوكولات والملاحق الخاصة بتنفيذه، حيث يرمي الاتفاق إلى تسهيل وتشجيع تنمية التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدولتين، بما يدعّم الاستثمارات المتبادَلة ويعزّز علاقات الشراكة، وصولا إلى تحقيق الاندماج الاقتصادي والتدرج نحو إرساء منطقة للتبادل الحر بين البلدين. وكان سفير الجزائربتونس السيد عبد القادر حجار، قد أشاد مؤخرا بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال 59 لاندلاع ثورة التحرير، باستكمال كل الإجراءات المتعلقة بالاتفاق التجاري التفاضلي بين البلدين، بما في ذلك المصادقة على المراسيم والملاحق الخاصة بتنفيذه. وتنص أحكام هذا الاتفاق بالخصوص على تمتّع كل المنتجات الصناعية ذات المنشأ الجزائري، بالإعفاء التام من كافة الرسوم الجمركية والضرائب ذات الأثر المماثل عند دخولها التراب التونسي. كما تتمتع قائمة أولى للمنتوجات ذات المنشأ التونسي، بنفس الامتيازات الموكولة لنظيرتها الجزائرية، وذلك عند دخولها التراب الجزائري. ويتضمن الاتفاق تمتّع قائمة ثانية من المنتوجات التونسية بتخفيضات بنسبة 40 بالمائة من الرسوم الجمركية والرسوم ذات الأثر المماثل عند دخولها التراب الجزائري. كما ينص الاتفاق على إجراء مفاوضات لاحقا؛ للنظر في إسناد تخفيضات جمركية للمواد الفلاحية التونسية التي لم تشملها بعد الامتيازات التعريفية. وبناء على هذا الاتفاق، تم تأجيل مناقشة تحرير تجارة المنتوجات الزراعية وكذا المنتجات الفلاحية المصنّعة، مع ضرورة أن ترفَق السلع ذات المنشأ والمصدر المحليين من أحد البلدين إلى البلد الآخر، بشهادة "منشأ" صادرة عن السلطات المتخصصة المعنية من الدولة المصدّرة. وكان البلَدان اتفقا نهاية أكتوبر الماضي، على دخول الاتفاق التجاري التفاضلي حيّز التنفيذ ابتداء من جانفي القادم، وذلك خلال لقاء جمع وزير التجارة السيد مصطفى بن بادة بنظيره التونسي السيد عبد الوهاب معطر، على هامش الدورة الثامنة لمؤتمر الاتحاد الإفريقي لوزراء التجارة الأفارقة، المنعقد يومي 24 و25 أكتوبر الماضي بأديس أبابا، حيث اتفقا على إحداث آلية مشتركة لمتابعة وتقييم هذا الاتفاق. وفي هذا الصدد، كان وزير التجارة السيد مصطفى بن بادة قد أكد على ضرورة دعم التعاون التجاري والاقتصادي بين بلدان اتحاد المغرب العربي، من خلال التفكير في آليات جديدة لدفع هذا التعاون؛ نظرا للإمكانات القيّمة التي تزخر بها بلدان المنطقة. ويأتي قرار الحكومة التونسية بنشر الاتفاق التجاري التفاضلي في سياق التطور الذي يشهده التعاون الجزائريالتونسي في المدة الأخيرة، على ضوء الزيارات المتبادَلة لمسؤولي البلدين، والتي كانت أبرزها الزيارة التي قام بها إلى بلادنا نهاية أفريل الماضي رئيس الحكومة التونسية المؤقتة علي العريض، حيث بحث مع كبار المسؤولين الجزائريين السبل الكفيلة بتطوير الإطار العام للشراكة بين البلدين. كما تم خلال الزيارة النظر في مجمل المقترحات المتعلقة بتنمية المناطق الحدودية المشتركة، وتطوير برنامج لتيسير العبور والتنقل البحري للسياح الجزائريين إلى تونس. وكان رئيس الحكومة التونسية قد أشاد في حديث خص به وكالة الأنباء الجزائرية عشية هذه الزيارة، بالتعاون والتنسيق الأمني "العميق" بين بلاده والجزائر، من أجل "محاصرة" كل أنواع الإرهاب والجرائم المنظمة، مشيرا إلى أن "أمن الدولتين هو أمن مشترك". ويأتي التقارب الجزائريالتونسي على ضوء المخاطر الأمنية الكبيرة التي تعرفها المنطقة المغاربية؛ بسبب تنامي ظاهرة الإرهاب والجرائم المنظمة العابرة للحدود والقارات، في الوقت الذي تعرف منطقة شمال إفريقيا والساحل تحركات كبيرة لهذه الجماعات، الأمر الذي من شأنه إنعاش ظاهرة الإرهاب والجريمة. ورغم الظروف الداخلية التي عاشتها تونس إلا أن المبادلات التجارية بين البلدين عرفت تطورا مقارنة بسنة 2011، حيث واصلت "شكلها التصاعدي" خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية (2013)، مما ينبئ بآفاق رحبة وواسعة لمزيد من التطور. وكانت زيارة رئيس الحكومة التونسية السابق السيد حمادي جبالي للجزائر مطلع شهر ديسمبر من السنة الماضية، قد تُوجت بصدور بيان مشترك، دعت فيه الجزائروتونس المتعاملين الاقتصاديين في كلا البلدين إلى "تجسيد الإرادة السياسية لقادة البلدين، واستغلال فرص الاستثمار المتاحة للمساهمة بفعالية في إنجاز المشاريع المسطّرة فيهما وتنمية المبادلات التجارية بينهما". وعبّرت الجزائروتونس عن "استعدادهما لمواصلة التشاور حول كيفية تنظيم عمل هياكل وآليات التعاون في أفق تحسينه والرفع من أدائه". بدورها، أعطت زيارة وزير الخارجية التونسي السيد عثمان جارندي إلى الجزائر شهر رمضان الماضي، دفعا جديدا للعلاقات الثنائية، لاسيما أنها جاءت بعد الافتراءات التي أطلقتها بعض الأطراف التونسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام ضد الجزائر، تتهمها فيها بضلوعها في تدهور الوضع الأمني في هذا البلد. غير أن التفنيدات التونسية الرسمية وزيارة جارندي لبلادنا سرعان ما وضعت حدا للغط المثار بخصوص هذه المسألة، في الوقت الذي أبدت الجارة تونس استعدادها الدائم لتعزيز التعاون مع الجزائر، بل إن الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة المغاربية تفرض المزيد من التنسيق لمواجهة تحديات الإرهاب والجريمة المنظمة. وظهرت جليا إرادة تونس في عدم فسح المجال لأي محاولة لزعزعة العلاقات الثنائية، في وقت تراهن على دور الجزائر في وضع حد لتنامي الإرهاب، الذي كثيرا ما يستغل الفوضى واللااستقرار من أجل تنفيذ مخططاته، بل كثيرا ما أشادت في هذا الخصوص بمستوى التعاون الأمني بين البلدين. وفي المقابل، ذهبت تصريحات الجانبين إلى دحض هذه الافتراءات من خلال تبنّي رؤية مستقبلية للتعاون، وتشيد في الوقت ذاته بمسيرة التعاون الثنائي، لاسيما فيما يتعلق بالجانب الأمني، الذي يحظى بأولوية في إطار ضمان استقرار وأمن المنطقة. كما اتسم موقف الجزائر من الأزمة التونسية بالحياد، مؤكدة في عدة مناسبات رفضها تدخّل الجيش الجزائري مباشرة في الميدان لمساعدة القوات التونسية ضعيفة التسليح، في القضاء على مجموعات إرهابية تختبئ على الحدود المشتركة بين البلدين.