عكست حصيلة قتلى المواجهات المسلحة التي دارت رحاها بعاصمة جنوب السودان والتي بلغت صباح أمس 66 قتيلا الوضع الخطير في هذا البلد على خلفية صراع وخلافات سياسية حادة في أعلى هرم السلطة في جوبا. وكشف مصدر طبي بالمستشفى العسكري بالمدينة أن سبعة جنود لقوا مصرعهم في المستشفى بعد أن استحال على الطاقم الطبي إنقاذ حياتهم بعد أن فقدوا كميات كبيرة من الدم بينما تم إجلاء 59 جثة لعسكريين قتلوا في مواجهات ليلة الاثنين إلى الثلاثاء. وجاءت هذه الحصيلة الثقيلة مغايرة لما سبق وأن أكده ماكور كوريون، كاتب الدولة السوداني للصحة، الذي أكد مقتل 26 شخصا بين عسكري ومدني سقطوا خلال الاقتتال الذي اندلع في العاصمة جوبا منذ مساء الأحد. ودخلت دولة جنوب السودان وبشكل مفاجئ منذ نهار الأحد حالة من الفوضى العارمة بعد هجومات مسلحة نفذها عسكريون محسوبون على ريك ماشار النائب السابق للرئيس سيلفا كير ضد مواقع وثكنات عسكرية في عاصمة البلاد. وسبق للرئيس كير أن اعتبر الهجمات بأنها محاولة انقلابية ضد نظامه تم إحباطها وأن عمليات تمشيط واسعة شرع فيها من أجل إلقاء القبض على منفذي الانقلاب. وعلى نقيض التصريحات المطمئنة التي أكدها الرئيس سيلفا كير بأن قواته تمكنت من استعادة المبادرة العسكرية وأعادت الاستقرار بعد أن فرضت سيطرتها على الوضع إلا أن ذلك لم يمنع من اندلاع مواجهات أكثر ضراوة صباح أمس بين قوات نظامية ومسلحين يعتقد أنهم من الموالين لنائب الرئيس المقال ريك ماشار. وأكدت مصادر أمنية سودانية جنوبية أن الأوضاع تدهورت بشكل كبير، أمس، في عاصمة البلاد رغم التعزيزات العسكرية التي تم نشرها في مختلف المحاور الرئيسية للمدينة والمواقع الإستراتيجية وخاصة مقار الرئاسة والحكومة ووزارات الدفاع والداخلية. وبالنظر إلى خطورة الوضع الأمني العام تحولت العاصمة جوبا إلى مدينة أشباح إلا من دوريات عسكرية يقوم أفرادها بمراقبة الوضع بعد أن هجرها سكانها خوفا من رصاصة طائشة أو اشتباك مفاجئ بينما أبقى التجار أبواب محلاتهم مغلقة. وتحصن السكان في منازلهم في وقت كانت فيه عمليات إطلاق نار بالأسلحة الآلية متقطعة تسمع من حين إلى آخر بالإضافة إلى دوي مدافع في أحياء متفرقة.وأكدت مصادر عسكرية أن المواجهات اشتدت في محيط مقر القيادة العامة للجيش وسط العاصمة وأخرى على مقربة من مقر وزارة الأمن الوطني في جنوبها ونقطة مواجهة ثالثة في غربها حيث يوجد مقر إحدى أكبر الثكنات العسكرية. ولم يتضح إلى حد الآن حقيقة ما يجري في هذا البلد الإفريقي الحاصل على استقلاله حديثا وخاصة ما تعلق بحقيقة تورط نائب الرئيس السابق، ريك ماشار، في المحاولة الانقلابية رغم أن مصادر سودانية جنوبية أجمعت على التأكيد أن مصير هذا الأخير بقي مجهولا منذ اندلاع المواجهات بعد أن فقد كل أثر له في مقر سكناه أو وظيفته. وقال دونالد بوث، المبعوث الامريكي الخاص إلى السودان وجنوب السودان، إن الوضع في العاصمة جوبا يبقى مشحونا بالتوتر وغير مستقر وانه بصدد جمع كل عناصر المعلومات الخاصة بالوضع مما يجعل من الصعب تحديد الجهة التي تسببت في انفجار الأوضاع. ولكن مصادر سياسية جنوب سودانية متطابقة أكدت أن القطيعة وقعت بعد أن قرر ريك ماشار ومؤيديه مغادرة اجتماع لمجلس التحرير الوطني لسان حال اللجنة التنفيذية للحركة الشعبية لتحرير السودان والتي انفجرت تركيبتها بين مؤيد للرئيس سيلفا كير ومؤيد لنائبه ومنافسه السياسي ريك ماشار. واشتعل فتيل الخلافات بين الرجلين، حلفاء الأمس ضد النظام السوداني في الخرطوم وأعداء اليوم على خلفية تنافس غير معلن عن رغبة أبداها مشار لخوض انتخابات الرئاسة سنة 2015 وهو ما شكل القطرة التي أفاضت كأس الغيض لدى الرئيس سليفا كير الذي أقاله وحكومته الصيف الماضي وكان ذلك بمثابة بداية لمسلسل خلافات لن ينتهي الآن.