هل سبق لكم وأن سمعتم عن حرفة تسمى بالطرز المعني؟.. تبدو الحرفة غريبة وغير معروفة، ولكنها في الحقيقية موجودة، وتعرف عليها الجمهور بالمعرض الدولي للصناعات التقليدية في طبعته 18 وهي وليدة تفكير الحرفي والفنان المبدع علي بالقاسمي من ولاية الشلف، الذي خلق بأعماله الفريدة التميز بالمعرض بدليل الإقبال الكبير على جناحه للفرجة والاستمتاع بجمال هذه التحف. جناح الحرفي احتضن مجموعة مميزة من التحف في شكل أشجار معدنية مصنوعة بطريقة فنية في غاية الروعة والجمال، وتبين لنا ونحن ننظر إليها أنها تكاد تكون لدقة تصميمها مثل المنظر الحقيقي للأشجار الطبيعية، وهو الأمر الذي يترجم التحدي الذي رفعه الفنان والذي عكسته أعماله من خلال استظهار شكل الشجرة بسلك معدني يصعب عليك معرفة نقطة البداية التي انطلق منها ونقطة النهاية. حول هذه الحرفة التي امتهنها منذ خمس سنوات قال محدثنا بأنها في حقيقة الأمر ”ابتكار جاء وليد التأثر بالفن الصيني المرتبط بغرس الأشجار بالأواني، وفي الواقع كانت البداية بتجريب غرس شجرة الزيتون في إناء صغير”، غير أني يقول :«لم أتمكن من الصبر عليها والعناية بها بالطريقة التي يعتمدها الصينيون، ففكرت سريعا في استبدال ما هو طبيعي بالإصطناعي، حيث قمت باستخدام السلك المعدني وكأنه خيط ورحت أحاول صنع شجرة وتطريز أوراقها بطريقة تبدو فيها الشجرة وكأنها حقيقية. يستلهم الحرفي علي، أفكاره من تأثره بالمناظر الطبيعية ويترجمها في شكل نماذج إبداعية بالاعتماد على السلك المعدني الذي يشترط فيه أن لا يقطع مطلقا إلى غاية الانتهاء من إعداد الشجرة، فبعض الأشجار تتطلب 500 متر من السلك حتى يفرغ من إعدادها، كما يعتمد أيضا على خياله الواسع في استلهام بعض المناظر ولشدة تأثره بالطبيعة الخلابة بولاية الشلف، قام بتجسيد شجرة الفلين التي تعد من أكبر الأشجار بالولاية وتطلبت منه 800 متر من السلك المعدني ليفرغ منها. يعد الحرفي علي أول من احترف الطرز المعدني بالجزائر، واعتبره بمثابة بديل عن موهبة الرسم التي تخلى عنها لأسباب إرتأى عدم الحديث عنها، ولأنه كما قال فنان ويحتاج إلى الإبداع أوجد لنفسه حرفة يعود تاريخها إلى المصريين القدامى الذين كانوا يزرعون الحشائش بالأواني، بعدها انتقلت الفكرة إلى باقي الدول المجاورة. أما بالصين فاجتهد بعض الصينيون في زراعة الأشجار بأواني غير أنها تتطلب الكثير من الجهد حيال التقليم والعناية بالشجرة، ولأني فنان ولديّ موهبة تبحث عن التجسيد الميداني، فكرت في تحويل الأشجار المغروسة بالأواني إلى أشجار مصنوعة من المعدن، في البداية اعتمدتها وسلية لأعالج بها حالة القلق التي تنتابني، بعدها رحت أحاول تطويرها واليوم وبعد أن برعت فيها أحاول الخروج من الطبيعة لتجسيد منظار أخرى تحاكي أفكاري الفنية. تتطلب حرفة الطرز المعدني الكثير من الصبر والقدرة على الإبداع، وقوة اليدين لأن عملية التحكم بالسلك وتشكيله على هيئة شجرة يحتاج إلى جهد عضلي تتحمله أصابع اليدين وحدها، وقد يستغرق العمل على شجرة واحدة من أربع ساعات إلى 20 يوما بالنظر إلى التفاصيل التي تحملها كل شجرة. في رصيد الفنان والمبدع علي 50 تحفة على هيئة أشجار معدنية كل واحدة منها تحاكي حدثا معينا يفهمها من يتقن لغة الفنانين ويملك إحساسهم، وينوي عدم الإكتفاء بإعداد شجرة واحدة في إناء، وإنما يسعى إلى تجسيد أجمل الغابات الموجودة بالجزائر بالاعتماد على خيط المعدن وتقديمها على شكل لوحات فنية في مجسمات تعكس الجمال الطبيعي الذي تزخر به الجزائر.