ليس هناك أسهل من إطلاق العنان للألسنة تلوم وتنتقد وتتهم وتتفنن في اقتراح الحلول لمختلف الانشغالات والمشاكل الحاصلة بشتى الميادين.. لكن الأصعب أن تجد أصحاب هذه الألسنة الطويلة لا يساهمون قيد أنملة في ميدان العمل الحقيقي المبني على تحمل المسؤولية في قضايا الحفاظ على مبادئ المواطنة وتجسيد قيم التحضر والمدنية. والأمثلة في هذا المجال كثيرة، تنطبق على كل واحد منا في حيه وبلديته وولايته، بل وقبل ذلك في أسرته الصغيرة، وقد أثبت الميدان أن المواطنين الذين يشتكون رداءة المحيط وسوء الخدمات بمختلف القطاعات وتفاقم المشاكل الاجتماعية يدسون رؤوسهم في ”رمال الأنا” ولا يفكرون البتة في الصالح العام، وعندما يحدث مكروه ينتقدون كل شيء إلا أنفسهم. هذه الذهنية السلبية هي التي أوصلتنا إلى الجزم بأن المجتمع تنصل من مسؤوليته والأسرة لم تقم بواجبها على أكمل وجه، والأمثلة متعددة ابتداء من مرافقة الأطفال في مسارهم الدراسي والاجتماعي، ومرورا بالسهر على تسيير شؤون الحي،، وغيرها، وكأنهم ينتظرون أن تسهر هيئة رسمية على ذلك. وإذا أجرينا عملية مسح للأحياء التي لا تملك جمعيات تمثلها فإننا نكاد نجزم بأن أزيد من ثمانين بالمائة تخلو من هذا الإطار القانوني، الذي يفرض أن يكون العين الساهرة على شؤون المجتمع ويساهم في العملية التنموية التي قد لا تنجح إذا لم تجد من يترجمها على أرض الواقع. والحقيقة أن ذهنية ”الأخذ والاستفادة” دون العمل والمساهمة ذهنية استهلاكية بحتة واتكالية لا تصنع المواطن الصالح الذي يعول عليه في أوقات المحن والإحن، والأغرب في هذه المعادلة الصعبة أن تجد ”الطبقة المثقفة” الأكثر تفلسفا واستعراضا للأفكار دون ترجمتها في الميدان.