تخفيف الضغط على مصلحة ”باستور” يتطلب فتح فروع بالمستشفيات الكبرى يشير البروفيسور بدر الدين ميتيش رئيس مصلحة الحروق بالمؤسسة الاستشفائية للمحروقين بالعاصمة ”باستور”، إلى أن الإشكال الكبير الذي يواجه المحروقين هو قلة المؤسسات المختصة بالأطفال المحروقين، على الرغم من الطلبات الكثيرة التي تم رفعها للجهات الوصية في كل المناسبات لوضع حد لهذا المشكل، إلا أنها لم تأت بنتيجة، ليستقبل مستشفى العاصمة المحروقين من كل ولايات الوطن.
متى بدأ اهتمامك بالحروق كاختصاص؟ بدأت بمصلحة المحروقين بباستور منذ أن دشنها الوزير السابق يحيى قيدوم عام 1995، وقبل أن أنتقل إلى مصلحة باستور بالعاصمة كنت أعمل بعيادة نانسي بباب الوادي، مع الأستاذ رشيد بوعياد أغا الذي كان له شرف فتح أول عيادة خاصة بعلاج المحروقين سنة 1974، وقتها كنت طبيبا مساعدا، وبعد فتح مركز آخر للمحروقين البالغين بالدويرة، أصبح هناك مركز خاص بالأطفال، أما من يتجاوز سنهم 15 سنة فيتم إرسالهم إلى مصلحة الدويرة.
ما الذي جعلك تختار الاهتمام بالمحروقين كتخصص؟ في الحقيقية لم يكن اختيارا لأن تخصصي كان جراحة الأطفال في أول الأمر عند الأستاذ أبو العلا بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، إذ تخرجت سنة 1982، وبعد أدائي للخدمة الوطنية، وتحديدا عام 1985، التحقت بمستشفى بئر طرارية قسم جراحة الأطفال، وبعدها بحوالي 6 أشهر تم تحويلي إلى مستشفى باب الوادي بمصلحة الحروق، في جراحة الأطفال المحروقين، وخضعت وقتها للعديد من التربصات بفرنسا، كون التخصص كان جديدا في الجزائر وتحديدا ما يخص الجراحة الترميمية، وبعد أن أنهيت أطروحتي في سنوات التسعينيات، تم تعييني كرئيس مصلحة المحروقين الكائنة بالعاصمة.
كيف تنظر إلى تخصص الحروق بعد خبرتك الطويلة في المجال؟ هو من أكثر التخصصات صعوبة، ويتطلب التعامل معها بكثير من الإنسانية، لأننا نتعامل مع أطفال يأتون في حالات متقدمة من الحروق، لأن المراكز المتخصصة قليلة، بل تعد على أصابع اليد، أعتبر نفسي واحدا من الذين سخرهم الله لخدمة هذه الفئة التي أعدها من ضحايا الكوارث المنزلية التي يعتبر الإهمال واللامبالاة سببها الأول.
فيما تتمثل أهم الصعوبات التي واجهتك في هذا التخصص؟ تعد الحروق من أخطر الحوادث التي تصيب الأشخاص، ولعل خطورتها تكمن في الآثار التي تترتب عنها والمتمثلة في التشوهات التي تحدث وترافق الفرد طيلة حياته وتذكره في كل مرة بما حصل له، وهي أهم تحد نواجهه لأن المحروق عندما يقصدنا يتطلع دائما من خلال عمليات الترميم إلى بلوغ مرحلة يختفي فيها التشوه، وهي الأمنية التي يستحيل تحقيقها، بينما تتمثل الصعوبة الثانية في عجز المصلحة عن استيعاب العدد الكبير من المحروقين، إذ نضطر في كثير من الأحيان إلى عدم استقبال بعض الحالات وتقديم مواعيد بعيدة بسنتين أو ثلاث باستثناء الحالات الاستعجالية لعدم وجود أسرة تحويهم، وهذا انشغال لا يخص فقط مصلحة المحروقين الخاصة بالأطفال، إنما يمس أيضا مصلحة المحروقين بالدويرة التي تعاني بدورها العجز بالنظر إلى الإقبال الكبير عليها.
ما هي طاقة استيعاب مؤسسة باستور للمحروقين؟ تستقبل مصلحة المحروقين بالعاصمة خلال السنة حوالي ألف مريض مصاب بحروق متفاوتة الخطورة بطاقة استيعاب لا تزيد عن 70 سريرا، لكن عندما نتحدث عن مصلحة يقصدها أطفال محروقون من 48 ولاية يتحول المركز إلى شبه ملجأ، إذ يفترش المرضى الأرض وهذا أمر سلبي، لأن ارتفاع عدد المرضى ينعكس سلبا على نوعية العلاج، ويعرض اكتظاظ المرضى للإصابة ببعض الالتهابات لضعف العناية الصحية بالنظر إلى عددهم، وتحديدا في فصل الشتاء، مما يضطرنا في كثير من الأحيان إلى تقديم توجيهات إلى المؤسسات الاستشفائية التي بها محروقون بغرض التكفل بهم إلى حين وجود أماكن شاغرة.
في رأيك هل هناك مشاريع تخص إنجاز مؤسسات للمحروقين خاصة بالأطفال؟ على حد علمي هناك مشروع جديد خاص بالمحروقين في طور الإنجاز بوهران، وآخر كان مقررا بالعاصمة وتحديدا بالقبة بطاقة استيعاب تبلغ 120 سرير، لكن لم يشرع فيه، وبلغنا مؤخرا أنه ألغي، وهو خبر مؤسف بالنسبة لنا كمختصين وللمرضى، بحكم أن مشاريع إنجاز مؤسسات استشفائية خاصة بالمحروقين لا تزال مؤجلة، نقترح كمختصين أن يتم فتح فروع على مستوى المؤسسات الاستشفائية الكبرى عبر مختلف الولايات، تكون بذلك كمصالح خاصة بالمحروقين تحوي عددا معينا من الأسرة من 10 إلى 15 سريرا، للحد على الأقل من الضغط الواقع على العاصمة، حتى يحصل المريض على جودة عالية في العلاج.
التخصص في الحروق من التخصصات الحديثة في الجزائر، ما تعليقك؟ حقيقة الاهتمام بالحروق كتخصص قائم بذاته جديد في الجزائر، وتفطنت المصالح الوصية إلى العناية به من حيث العنصر البشري، إذ تم خلال الثلاث سنوات الأخيرة تدريس التخصص الخاص بالجراحة العامة في مجال الحروق والجراحة الترميمية، وعليه نملك اليوم أساتذة مختصين في الحروق، وفي الآونة الأخيرة تخرج 3 أساتذة جدد في طب الحروق، بالتالي لا نملك مشكلا من حيث العنصر البشري، أما فيما يخص الجانب المادي وتحديدا التجهيزات، نطالب بتوفير بعض الأجهزة والمعدات الضرورية في العلاج كالبذلة التي يتم تغليف المحروق بها والتي تعد باهظة الثمن، كما أنها غير مؤمنة اجتماعيا.
تأثرت لحال طفل فقد يديه ورجليه وامرأة طلقها زوجها، حدثنا عن حالة عالجتها وظلت عالقة في ذاكرتك؟ عالجت العديد من المحروقين، غير أنني وقفت عاجزا أمام حالة ظلت إلى اليوم ترافقني كلما تقربت لعلاج حالة معينة، وهو طفل تعرض للحرق بالكهرباء نتج عنه احتراق يديه حتى الكتف، ومن الركبتين إلى أسفل القدمين، أي أنه أصبح من دون يدين ورجلين ويحتاج إلى مرافق دائم، وأذكر أنني تأثرت كثيرا لحاله، لكن طبعا مع التعود على مشاهدة مثل هذه الحالات أحاول في كل مرة التحكم في مشاعري لأتمكن من أداء عملي، وهناك حالة أخرى لامرأة عالجتها في السابق تعرضت لحروق عميقة على مستوى الوجه إلى درجة أن أولادها لم يتعرفوا عليها، تأثرت كثيرا بحالتها، خاصة بعد أن انتهت بطلاقها من زوجها.
معروف أن الحروق تتسبب في تشوهات، هل هناك عناية بهذا الجانب؟ التشوهات يتم علاجها عن طريق ما يسمى بالجراحة التجميلية، لكن في هذه الأخيرة نركز على الجانب الوظيفي أكثر من الجانب الجمالي، أي نحاول أن نصلح التشوه بحيث يمكن أن يؤدي العضو المحروق وظيفته مثل الأصابع التي قد تنكمش جراء التعرض للحرق، فيتم إعادة زرع الجلد مثلا بحيث يمكن للأصابع أن تتحرك، نفس الشأن بالنسبة للرقبة مثلا أو الفم الذي يتعرض للحرق، أما الجانب التجميلي فيحتاج إلى المزيد من التكوين وهو تخصص في بداية الطريق بالجزائر.
الحديث عن التشوه يقودنا إلى التطرق إلى الجانب النفسي للمريض، هل واجهتكم صعوبات تتعلق بعدم تقبل المحروق لحالته؟ أشير في البداية إلى أن المصلحة تحوي مختصين نفسانيين يحتكون بالمرضى المشوهين الذين يصعب عليهم تقبل حالتهم، خاصة إذا أصاب التشوه بعض المناطق الحساسة كالوجه مثلا، إذ وقفنا عند بعض الحالات لأطفال فكروا في الانتحار، وحالات أخرى فضلت العزلة والانطواء، من أجل هذا نحرص على الجانب النفسي في العلاج، حيث نحاول إقناع المرضى بضرورة تقبل حالتهم والتعايش معها، غير أن ما يصعب علينا الأمر هو المجتمع الذي يهاجم المرضى ويصعب عليهم الاندماج بعد أن تعرضوا لتشوهات وتحديدا تلك التي تبدو ظاهرة كتلك التي تصيب الوجه.
ما هي أهم مصادر الحروق في الجزائر؟ بالنظر إلى الحالات الكثيرة التي تتعاقب على المصلحة، أجزم أن أهم الأسباب التي تعرض أطفالنا للحروق هي الحوادث المنزلية التي تقع تحديدا في المطبخ نتيجة انسكاب السوائل الساخنة من حليب أو ماء أو زيت، إلى جانب الغاز الذي يشكل خطورة كبيرة، وتحديدا ما له علاقة ب”الطابونة” والقدر الضاغط.
ما الذي تقترحه لتوعية المواطنين من الحوادث المنزلية؟ أركز كثيرا على الإعلام، لأن المجتمع الجزائري يفتقر كثيرا إلى التحلي بثقافة في مجال الحروق المنزلية، ولعل أنسب طريقة للتوعية هي البرامج التلفزيونية التي ينبغي أن يتم برمجتها في الوقت الذي تجتمع فيه العائلة لتكون الاستفادة عامة.