وصفت مصادر نقابية قرار الثلاثية ال16 إلغاء المادة 87 مكرر من القانون 90/11 المحدد لعلاقات العمل، بأنه مكسب تاريخي لكل العمال، كون إلغاء هذه المادة التي تم إدراجها في 1994 لأسباب ودواع ظرفية مرتبطة بالأوضاع المتردية التي كانت تعرفها البلاد آنذاك، سيترتب عنه إعادة تحديد مفهوم الأجر الوطني الأدنى المضمون، وتثمين قيمته مما سيؤدي إلى ارتفاع عام في أجور فئات كثيرة من العمال بنسبة تتراوح بين 10 و20 بالمائة. ففي هذا الإطار، اعتبر الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، عبد المجيد سيدي السعيد، إعلان الوزير الأول عبد المالك سلال موافقة الحكومة وشركائها على إلغاء المادة 87 مكرر حدثا تاريخيا، لاسيما بالنسبة للعمال ذوي الدخل الضعيف والفئات المهنية المصنفة في الخانات الدنيا، فيما أكدت عدة قيادات نقابية من الاتحاد بأن قرار إلغاء المادة 87 مكرر وإدراج تعريف جديد للأجر الوطني المضمون الأدنى في قانون المالية القادم يعد مكسبا للطبقة الشغيلة في الجزائر، كما اعتبرته انتصارا للمنظمة النقابية الوطنية في نضالها الذي خاضته في السنوات الأخيرة من أجل إعادة تصحيح وضعية "مختلة" كانت قد ساهمت في إرسائها لدواع ظرفية مرتبطة بتغليب المصلحة العليا للبلاد على حد تعبير بعض النقابيين. فالمادة 87 مكرر التي أعادت بناء تركيبة الأجر الوطني الأدنى المضمون، تم إدراجها في قانون 90/11 المتعلق بعلاقات العمل بموجب المرسوم التشريعي 94/03 الصادر في 11 أفريل 1994 بموافقة من الاتحاد العام للعمال الجزائريين، الذي لم يجد مبررا للاعتراض عليها آنذاك في ظل الوضعية الصعبة التي عرفها الاقتصاد الوطني في فترة التسعينيات والمرتبط بالوضع العام الذي كانت تعيشه الجزائر، وبموجب هذه المادة الجديدة أصبح مفهوم الأجر الوطني الأدنى المضمون "يضم الأجر القاعدي والتعويضات والمنح بكل أنواعها باستثناء التعويضات المسددة في إطار تعويض المصاريف التي يدفعها العامل". وقد اعتمد ممثلو الهيئة النقابية في فوج العمل المشترك الذي تكفل بدراسة ملف إلغاء هذه المادة على المفاهيم الدولية التي تحدد معنى الأجور الدنيا، ومنها المفهوم الذي تحدده الاتفاقية 131 للمنظمة الدولية للعمل، للأجر الأدنى في الدول النائشة، حيث تنص هذه الاتفاقية على ضرورة أن تراعي هذه الدول عددا من العناصر الأساسية في ضبط الأجر الأدنى المضمون، منها، الاحتياجات الأساسية للعمال وعائلاتهم، المستوى العام للأجور على المستوى الوطني، غلاء المعيشة ومستواها مقارنة بالمجموعات الاجتماعية الأخرى، وكذا خدمات الحماية الاجتماعية المتاحة والعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تميز البلد. ومن ضمن ما خلص إليه تقرير ممثلي النقابة هو أن هذه المادة التي تعترض رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون، تعتبر في حقيقتها إجراء انتقاليا، لم يعد له مبرر للوجود في الوقت الحالي. ومع موافقة الحكومة وأرباب العمل على مطلب النقابة، وإعلان الوزير الأول عن قرار إلغاء هذه المادة، مؤكدا بأن الإجراء سيدخل تصحيحات لفائدة بعض العمال، يصبح حساب الأجر الوطني الأدنى المضمون، محصورا في القيمة التي تحددها أطراف الثلاثية وتقرها الدولة بموجب القانون، ليتم بالتالي تصحيح الخلل في فهم قيمة هذا الأجر الأدنى، المحدد حاليا بصفة رسمية ب18 ألف دينار. فالكثير من الفئات العمالية لا تفهم أسباب تقاضيها لأجر صاف يقل عن القيمة المحددة لهذا الأجر الوطني الأدنى المضمون، والتي ترجع في حقيقة الأمر إلى عدم احتساب التفاوت الحاصل في المنح والعلاوات التي تحصل عليها أثناء تقاضيها للأجر. ولذلك فإن إعادة تعريف الأجر الادنى المضمون وفصل المنح والعلاوات عن تركيبته، سيضمن تطبيق قيمة دقيقة وواضحة للأجر الادنى على المستوى الوطني، كما سيثمن قيمة الأجور الوطنية وذلك بفعل الزيادات التي ستترتب عن تصحيح مفهوم هذا الأجر المضمون واحتساب المنح والعلاوات بصفة منفصلة. وقد قدر خبراء في الاقتصاد في قراءة أولية لتغيير مفهوم الأجر الوطني الادنى المضمون حجم الزيادات التي ستترتب عن هذا الإجراء بنحو 10 إلى 20 بالمائة من القيمة الأصلية للاجر، وذلك من منطلق أن معدل المنح والعلاوات المحسوبة عادة في أجور الفئات الدنيا من العمال، تشمل النسب المذكورة والتي ستنعكس بشكل عام على الزيادة التي ستشهدها كتلة الأجور على المستوى الوطني بصفة عامة.
تطبيق الإجراء في 2015 ليس تأخيرا ذهبت العديد من القراءات إلى اعتبار إقرار الوزير الأول اعتماد المفهوم الجديد للأجر الوطني الأدنى المضمون بتصحيح الوضع المترتب عن المادة 87 مكرر، تأخيرا للإجراء وتمديدا لحالة الترقب والانتظار التي طال أمدها على الفئات المعنية من العمال، غير أن التزام مؤسسات الدولة بالمسار التنظيمي والقانوني لإعداد القوانين، يجعل الأمر منطقيا وطبيعيا، بنظر بعض المحللين وخبراء القانون الذين يرتكزون في طرحهم على كون العملية قانونية تتخذ نفس المسار الذي تتخذه صياغة ومناقشة وإقرار أي مشروع قانون كان. أكثر من هذا، تؤكد بعض الجهات بأن الحكومة قامت بتسريع تنفيذ قرار إلغاء المادة 87 مكرر، من خلال تكليف وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي بالتحضير للصياغة الجديدة للتعديلات التي ستطرأ على القانون 90/11، وقد سبق لوزير القطاع، محمد بن مرادي، أن أعلن بأن المشروع تم إيداعه على مستوى الامانة العامة للحكومة، وأن مسار اعتماده سيبدأ بعد الاستحقاقات الرئاسية القادمة المقررة في 17 أفريل المقبل، حيث سيتم تمرير المشروع على البرلمان للمصادقة عليه. ومع ذكر الاستحقاق الرئاسي القادم، تتجلى الإجابة عن التساؤل الذي يمكن أن يطرح حول عدم اختيار الحكومة لتمرير التعديل الجديد لقانون العمل عبر قانون مالية تكميلي يمكن اعتماده في الصائفة القادمة، فالانشغال الحتمي بالموعد السياسي الهام المرتبط برئاسيات 2014، يفرض على الحكومة ترتيب المواعيد بشكل يضمن نجاح كل موعد وحدث هام، ويتيح الإمكانية الكافية للدراسة المعمقة والمتأنية لكل إجراء يصب في الصالح العام لفئات المجتمع بالدرجة الأولى.