يؤكد العديد من مسؤولي مستشفيات وهران الجامعية، لاسيما المستشفى الجامعي ”بن زرجب” والمستشفى الجامعي ”أول نوفمبر”، أنهم يعانون كثيرا من ارتفاع حالات المرضى الذين يستقبلونهم من كافة ولايات الغرب الجزائري بسبب قلة أو انعدام التخصصات، وهو ما جعل الأطباء ورؤساء مختلف المصالح الطبية لا يستطيعون استقبال هؤلاء المرضى، مما جعلهم ينامون على الأرض ويرفضون التداوي في مستشفيات الولايات التي قدموا منها. وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس مصلحة الاستعجالات الطبية والجراحية بمستشفى ”ابن زرجب” أنه لم يعد قادرا على إجراء أية عملية أو فحص طبي بسبب حالات الاكتظاظ التي تعرفها المصلحة جراء تهافت المرضى عليها، حيث لم يعد بمقدورها استقبال كل الحالات التي تقصدها من الولايات الغربية ال 14. وحسب العديد من الأطباء الذين التقيناهم وحاورناهم، فإن كثرة الوافدين من المرضى على مصلحة الاستعجالات الطبية والجراحية تجعلهم لا يستطيعون تلبية العناية الصحية المطلوبة للمرضى الذين منهم من تستدعي حالتهم التدخل السريع، ومن تعتبر حالتهم عادية جدا، وهو الأمر الذي يخلق العديد من المشاكل للأطباء الذين يجدون أنفسهم أمام وضعيات لا يحسدون عليها إطلاقا. وفضلا عن المشاكل التي يواجهونها من أجل توفير العناية الصحية للمرضى، فإن عددهم القليل لا يمكّنهم من تحقيق ذلك، مما يزيد من تدهور الأوضاع، لاسيما أن حالات القلق التي يعاني منها المريض ومرافقوه من أهله تجعل الأطباء لا يتحكمون في أنفسهم في الكثير من الأحيان، بسبب عدم تفهم المرضى للأوضاع المزرية التي يعمل فيها الطبيب أمام قلة الإمكانيات وانعدام عتاد العمل أحيانا، إلى جانب قلة التنسيق بين مختلف المصالح الطبية، مما يزيد من تفاقم الأوضاع وعدم التحكم فيها. وفي هذا الإطار، لا بد من التأكيد على أن حالات المرضى وعددهم يعيق الاستجابة لهم، خاصة أن ظروف العمل المتدهورة، حسب الأطباء والجراحين، هي سبب معاناتهم، مما يجعلهم مجبرين ومضطرين إلى التعامل مع مرضاهم ومرافقيهم بنوع من التشدد. من جهتهم، يؤكد العديد من المرضى الذين حاورناهم على مستوى مصلحة الاستعجالات الطبية والجراحية بمستشفى ”ابن زرجب” و”أول نوفمبر”، أنه يتم استقبالهم في ظروف لا إنسانية وأن الأطباء والممرضين يعاملونهم بقسوة، كما أنهم لا يتلقون العلاج اللازم. زيادة على هذا، تعطى لهم مواعيد بعيدة جدا للتداوي وتلقي العلاج، مما يجعلهم يعانون كثيرا من تطورات المرض الذي يعانون منه والذي أودى بحياة بعضهم. وأكدت لنا المكلفة بالإعلام والاتصال بمديرية الصحة لولاية وهران، أن هذه الوضعية حقيقية لا يمكن التهرب منها، لكنها نتيجة لوفود العديد من المرضى من الولايات الغربية، فإنه لا يمكن أن تتحمله مستشفيات ولاية وهران التي لا تتوفر إلا على مستشفيين جامعيين ومستشفى خاص بالأطفال وآخر بالأمراض العقلية، كما أنه من المستحيل أن يتمكن الأطباء الموجودون بهذه المستشفيات من الاستجابة لمرضى 14 ولاية. ولعل الإحصائيات وحدها كفيلة بالرد، حيث تم خلال العام الماضي إجراء 75 عملية جراحية يومية وتسجيل 75 ألف حالة مرضية، مع المعالجة والمداواة، علما أن ما يعادل 76 بالمائة من هؤلاء المرضى من الولايات الغربية الأخرى. يذكر بأن وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات خصصت خلال العام الماضي لولاية وهران ما لا يقل عن 300 مليار سنتيم لشراء الأدوية، 150 مليار منها مخصصة للمرضى المصابين بالسرطان. ومن هذا المنطلق، يؤكد الدكتور يحيى بلهواري من المؤسسة الاستشفائية ”أول نوفمبر” بأن المشكل المطروح له علاقة كبيرة بالثقافة الصحية، لأن من المفترض قبل أن يتوجه المريض إلى المستشفى المختص أن يحاول القيام بفحص على مستوى المراكز الصحية، حيث يتم تشخيص المرض وتقديم العلاج، وفي الحالات المستعصية، يبقى الطبيب المختص وحده من يوجه المريض إلى المستشفيات الجامعية، إلا أن الأمر يسير بشكل عكسي، فنجد المريض يتوجه مباشرة إلى المستشفى المختص، وعليه فإن كثرة توافد المرضى تخلق الاكتظاظ، وهو الأمر الذي يخلق نوعا من الفوضى والنرفزة لدى المريض ومرافقه، حتى الطبيب ينزعج من هذا الوضع. أما الطبيب الجراح ابن احمد سعدي، فأكد لنا أن الطبيب إنسان يؤثر ويتأثر وينتمي إلى نفس المجتمع الذي يعيش فيه المريض بكل معتقداته وعقده، مشاكله وانشغالاته، ومنه على المريض أن يتفهم الظروف التي يعمل فيها الطبيب من نقص في الأدوية والعتاد الطبي وما إلى ذلك من المشاكل التي لا داعي لذكرها، كما يقول طبيب آخر من مصلحة الأمراض البولية. رغم كل هذا، لا بد من التذكير بأن العديد من المرضى الذين حاورناهم يقولون في هذا المقام أنهم يفوضون أمرهم لله ولو أن هناك من المرضى من يتفهم الوضع، إلا أن هناك مرضى آخرين تجدهم عدائيين جدا، كأنهم يعانون وحدهم في صمت وصبر كبيرين.