عرفت الأزمة في ليبيا نهاية الأسبوع، درجة تعقيد إضافية في ظل استفحال الوضع الأمني وتشابك خيوط المشهد السياسي زاده ضبابية تباين مواقف مختلف الأطراف حول الشخصية التي تتولى تسيير شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية. وفي ظل هذا الوضع وجد الشعب الليبي نفسه تائها بين سلطتي رئيسي حكومتين، الأول احمد معيتيق، المعين مؤخرا من قبل البرلمان وعبد الله الثني، الذي رفض تسليم مهامه لخليفته بحجة أن عملية انتخاب هذا الأخير مشبوهة ويتوجب الفصل في شرعيتها عن طريق المحكمة الدستورية العليا. وقال الثني، الذي لا يزال يصر على انه الرئيس الشرعي للحكومة المؤقتة، إنه لجأ إلى القضاء لتحديد ما إذا كان سيسلم مهامه لرئيس الحكومة الجديد الذي حظي بدعم رئيس البرلمان نوري أبو سهمين، والنواب الإسلاميين ورفض الاعتراف به عدة نواب ليبراليين شككوا في عملية التصويت التي تضاربت المعلومات بشأن نتائجها والتي فاز بها معيتيق. وفي انتظار فصل المحكمة في هذه المعضلة يواصل الرجلان كل من جهته ممارسة مهام رئيس الحكومة، حيث ترأس معيتيق أول اجتماع لأعضاء حكومته مساء الخميس، بأحد الفنادق بقلب العاصمة طرابلس، بعدما رفض الثني مغادرة مقر الحكومة، حيث عقد هو الآخر اجتماعا لمجلس وزرائه. والمفارقة أن كلا الرجلين بحثا في اجتماعي وزرائهما الوضع الأمني المتفاقم في البلاد وبرنامج عمل حكومتهما في مشهد كرس عمق الأزمة في ليبيا، ودفع إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل هذا البلاد. وفي ظل استمرار مثل هذا الوضع أعلنت لجنة الانتخابات العليا تمسكها بتاريخ 25 جوان القادم، كموعد لتنظيم الانتخابات التشريعية. وأكد عماد الصياح، رئيس اللجنة مواصلة المسار بتنظيم التشريعيات في 25 جوان، بينما حدد يوما 21 و22 من نفس الشهر لتصويت الجالية الليبية المقيمة في الخارج. ودعا كل الناخبين إلى اغتنام هذه الفرصة والإسراع إلى تسجيل أنفسهم خاصة وان تعداد المسجلين لا يتعدى 1,4 مليون ناخب، في حين تضم الهيئة الناخبة الليبية حوالي 3,4 ملايين شخص. وكان من المفروض تنظيم هذه الانتخابات قبل السابع فيفري الماضي، تاريخ انتهاء عهدة البرلمان الحالي الممثل في المؤتمر الوطني العام الذي مدد عهدته رغم الانتقادات الحادة التي طالت نوابه سواء من قبل الطبقة السياسية أو الشارع الليبي وحتى مختلف المليشيات. لكن هل ستتمكن لجنة الانتخابات من تنظيم هذا الموعد الانتخابي في ظل الاحتقان السياسي من جهة، ورفض عدة أطراف خاصة المليشيات المسلحة المسيطرة على موانئ الشرق الليبي الاعتراف بأي حكومة يقودها احمد معيتيق، التي تراه أنه منبثق عن برلمان يفتقد للشرعية ومنتهية صلاحيته. ثم هل تكفي مدة 25 يوما لوضع الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات في بلد لم يعد هناك مجال للشك أن العنف ولغة السلاح هي الغالبة فيه. وهو ما أكدته عملية الاختطاف التي استهدفت أمس، عبد المنعم الصيد، رئيس مكتب إدارة مكافحة الجريمة بالعاصمة طرابلس، الذي اختطف من طرف مجهولين كانوا يستقلون سيارة مدنية واقتادوه الى وجهة مجهولة. ومع تفاقم الوضع الليبي على جميع الأصعدة لم يخف وزراء خارجية دول الجوار خلال اجتماع أول أمس بالجزائر، على هامش قمة عدم الانحياز قلقهم البالغ إزاء ما يجري في ليبيا من انسداد شامل في الأفق السياسي صاحبه تفاقم خطير للأزمة الأمنية لا يهدد فقط أمن هذا البلد، وإنما أمن واستقرار كل المنطقة.