لم تكن علاقة رشيد زيري بصناعة الجلود صدفة، خصوصا أنه عندما فتح عينيه على الدنيا وجد عائلته وأجداده عاكفين على احتراف هذه المهنة التي لا تزال صامدة أمام كل السلع الأجنبية المستوردة في تصاميم تنافسها، لتبقى الخامة المفضلة رقم واحد في السوق المحلية. تحظى صناعة الجلود في الجزائر بشعبية كبيرة، خصوصا بفضل الطراز الجديد الذي بدأت تصنع عليه، وبفضل جودة أعمال الحرفيين، اكتسب العديد منهم ثقة المواطنين الذين يقتنون قطعة منها، متأكدين من أن خامة الجلد جد متينة. على عكس بعض الحرفيين الذين باتوا يصنعون منتجات تقليدية بلمسات عصرية، إلا أن عمل الشاب كان عصريا بلمسات تقليدية، حيث فضل من خلال حرفته مواكبة التقدم الطارئ في عالم الأزياء، خصوصا أن انتشار هذه الحرفة في الجزائر أعطى التنوعية للجمهور الراغب في اقتناء قطع أكسسوارات من أحذية وحقائب يد لبت أذواق الشابات اللائي توافدن على الطاولة التي نصبها الشاب رشيد خلال معرض الحرفيين مؤخرا، واقتنين قطعا منها رغم غلاء سعر بعضها، إلا أن الجودة والجمال كانا حاضرين في أعمال رشيد زيري. كانت تشكيلة الفنان المحترف تتعدد بالألوان الجديدة على مادة الجلود، خصوصا بعدما اعتدنا على الألوان الترابية التي يخصصها الحرفيون في أعمالهم، مثل البني، الأسود، البرتقالي والأصفر وغيرها من الألوان الحارة، لكن أعمال رشيد طغت عليها تدرجات الألوان البنفسجية، وألوان الباستيل التي تعد موضة الساعة. يحاول الحرفي دائما البحث عن موديلات جديدة، خصوصا بعد 15 سنة تجربة في الميدان، حيث أصبح زيري مطلعا على ذوق المواطنين، لاسيما أنه لاحظ أن اللمسات التقليدية قد تكون لافتة للانتباه في قطع يطغى عليها التصميم العصري. لم تقتصر القطع التي عرضها الفنان على الألبسة فقط، إنما حاول إعطاء الخيار لمحبي المفروشات التقليدية الجلدية التي تضفي طابعا خاصا وديكورا رفيعا على القعدات التقليدية، خصوصا المقاعد الجلدية ”البوف”. شارك الحرفي رشيد في أكثر من 20 معرضا مكنته من الاحتكاك بذويه في المجال وتبادل معهم أفكار تصاميم جديدة تعطي رواجا لهذه الحرفة التي كادت أن تصبح كلاسيكية، ويعمل العديد من المختصين في الجلود على صناعة نفس الموديلات من النعال والأحذية والبابوش وحاملات النقود وحقائب اليد... غير أن المشكل الذي يواجه معظم الحرفيين يتمثل في قلة المادة الأولية، حيث قال الشاب بأن قلة مادة الجلد محليا، رغم أن البلد يزخر بالموارد الحيوانية، تدفعهم إلى استيراد الجلود الخام من الدول الأجنبية بأسعار مرتفعة، مما يجعل ثمن القطع المصنوعة باهظا ويحول دون الإقبال عليها بقوة.