عادت أسعار الخضر والفواكه لتستقر من جديد بمختلف أسواق التجزئة بالعاصمة وذلك بفضل وفرة الإنتاج الزراعي لهذا الموسم رغم الاضطرابات الأخيرة التي شهدها القطاع من جفاف ثم ندرة البذور وتجميد تسويق الأسمدة الكيماوية، وحسب سقف الأسعار فقد تباينت أسعار مختلف أنواع الخضر بين 15 و50 دج في حين تتراوح أسعار مختلف أنواع الفواكه الموسمية بين 25 و120 دج للكيلوغرام الواحد وهو ما استحسنه المستهلك. الزيارة التفقدية التي قمنا به لعدد من أسواق التجزئة بالعاصمة كشفت لنا استقرار أسعار المنتوجات الزراعية في مستويات حسنة حيث انخفض سعر البطاطا ليتراوح بين 15 و20 دج للكيلوغرام الواحد في الوقت الذي تراوح فيه سعر الطماطم بين 10و15 دج أما الفلفل فقد تراوح سعره بين 40 و50 دج فيما تراوحت أسعار اللوبيا الخضراء بين 25 و30 دج ، البصل هو الآخر انخفضت أسعاره إلى ما بين 10 و15 دج، أما الفواكه انخفضت أسعارها حيث وصل سعر التفاح المحلي إلى 25 دج أما النوعية الجيدة فقد بلغت 50 دج، كما أن الفراولة انخفضت أسعارها لتصل إلى 60 دج وذلك حسب النوعية، أما البرقوق فقد تراوحت أسعاره بين 60 و80 دج للكيلوغرام الواحد، الخوخ بين 35 و80 دج في حين يبقي التين الأكثر ارتفاعا، حيث تباينت أسعاره بين 100 و120 دج للكيلوغرام الواحد. وأمام هذه الأسعار أبدى المواطنون ارتياحهم لاستقرار السوق حتى وان تباين سقف الأسعار من سوق إلى آخر حيث تبقى الأسواق الشعبية الأكثر إقبالا من طرف المستهلك الجزائري عكس أسواق الأحياء الراقية مثل بالأبيار وبن عكنون وحيدرة حيث سعر المنتوج الواحد مضاعف مرتين. ومن جهتهم أرجع التجار الأمر إلى انخفاض أسعار أسواق الجملة التي تبقى معقولة على حد تعبيرهم إلى غاية اللحظة، مرجعين تذبذب أسعار الخضر والفواكه في الفترات السابقة إلى تأثيرات الظروف الطبيعية والإنتاج الزراعي كون الفلاحة مرهونة بالأمطار، كما أن هذه الفترة حسب التجار معروفة باستقرار الأسعار كونها تتزامن وجني المحصول الموسمي حيث لا يتم تسويق البضاعة المخزنة في المبردات بسبب وفرة الإنتاج، في الوقت الذي يفضل فيه الفلاح بيع منتوجه مباشرة بعد جنيه بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتخوفه من التلف. الفلاح من جهته ابدى تخوفه من انخفاض أسعار السوق بسبب غياب الدعم وما قد يلحق به من خسارة حيث أ صبح مجبرا على بيع منتوجه بأبخص الأسعار التي لا تغطي تكاليف الإنتاج التي ارتفعت. وفي هذا الإطار دعا الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين السيد محمد عليوي السلطات الوصية إلى التفكير في سياسة وطنية من شأنها توفير السيولة المالية للفلاح بعد عزوف المؤسسات المالية على مسايرة القطاع في الوقت الذي يجد فيه الفلاح نفسه محاصرا بأسعار البيع التي يفرضها الوسطاء الذين احتكروا عملية شراء المنتوج الفلاحي من عند الفلاح. نقص الأسمدة وانخفاض الدعم يرهن إنتاج القمح ويعترف الفلاحون أنهم تكبدوا خلال السنوات الأخيرة خسائر كبيرة، جراء الظروف الطبيعية المضطربة التي تميزت بالجفاف، ومما زاد الطين بلة هو قرار تجميد توزيع الاسمدة الآزوتية، وعدم تمكين الفلاح من الاستفادة من هذه المادة الحيوية لكل نبات، مما سينعكس على الإنتاج، وإذا لم توفر الدولة آليات لحل المشاكل القائمة فإن السنة الفلاحية خاصة في إنتاج القمح ستكون بيضاء، حسبما يتوقعه الممارسون لهذه المهنة التي تتعلق بتأمين الغذاء وتوفير ما يمكن توفيره من المؤونة للتخلص تدريجيا من التبعية الخارجية التي لا ترحم. وفي هذا السياق صرح الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحيين الجزائريين السيد محمد عليوي ل "المساء" أن الدعم الموجه للقطاع والذي لا يتعدي 4,5 بالمائة لن يحل المشاكل التي يتخبط فيها الفلاح حيث أصبحت عملية البحث على الدعم المالي تؤرقه وتنعكس سلبا على الإنتاج وهو الأمر الذي جعل الفلاحة بالجزائر لا تخرج عن طابعها التقليدي. وبخصوص قانون التوجيه الفلاحي الذي يناقش حاليا على مستوى البرلمان أشار محدثنا أنه لا يمثل سوى 60 بالمائة من طلبات الفلاحين حيث أن اقتراح سعر بيع منتوج القمح المحلي للديوان الوطني للحبوب بين 4 آلاف و5 آلاف دج للقنطار لن يساعد الفلاح على تغطية كامل تكاليف الإنتاج، في الوقت الذي اقترح فيه الاتحاد سابقا مبلغ 6آلاف دج للقنطار حيث يقول السيد عليوي انه لو تم الأخذ بعين الاعتبار هذا الاقتراح لتمكنا من بلوغ الأمن الغذائي في مجال القمح خلال سنتين على أكثر تقدير، مشيرا إلى أن الفلاح أبدى نيته في توسع مساحة الحرث لمليون و700 ألف هكتار إضافية، لكن بعد تحديد سعر بيع القمح سيبقى الوضع على حاله علما انه بعد موجة الجفاف التي ضربت الجزائر مؤخرا اضطر عدد كبير من الفلاحين المتعودين على زراعة القمح إلى تأجير أراضيهم بأسعار بخسة بسبب عجزهم على تمويل ودفع تكاليف الإنتاج. وفي نفس السياق أشار ممثل الفلاحين إلى أن تحقيق 60 بالمائة من المطالب يعد تحفيزا للسنوات القادمة غير أن هذه السنة ستكون على حد تعبيره "بيضاء " بالنسبة لإنتاج القمح، علما أن سجل السنة الفارطة إنتاج 43 مليون طن، في الوقت الذي تم فيه استيراد 5 بالمائة من القمح لذلك يطالب الاتحاد بدعم الفلاح الذي يخدم أرضه من خلال توفير البذور ووسائل الإنتاج، مع توسيع الأراضي المخصصة لزراعة القمح بعد أن تم تقليصها في السنوات الأخيرة لتصل إلى ثلاثة ملايين و200 ألف هكتار بسبب التصحر. ومن جهة أخرى لمح السيد عليوي إلى إشكال آخر سيؤثر على الإنتاج الزراعي هذه السنة حيث بالإضافة إلى مشكل توزيع الأسمدة بمختلف أنواعها، تعرف السوق هذه الأيام ارتفاعا جنونيا لأسعار الأسمدة حيث بلغ مثلا سعر القنطار 12 ألف دج بعد أن كان السنة الفارطة لا يتعدي 4 آلاف دج، في حين ارتفعت أسعار مبيدات الحشرات الضارة إلى 8 آلاف دج للقنطار بعد أن كانت لا تتجاوز 3 آلاف دج. كل هذه التكاليف ساهمت في إبعاد الفلاح عن إنتاج الحبوب خاصة والبنوك لغاية اللحظة ترفض مسايرة المشاريع الفلاحية بسبب عدم وجود ضمان يقدمه الفلاح لها، وهنا تطرق مصدرنا إلى إشكالية العقار التي تبقي عالقة رغم كل المحاولات حيث لم يخدم قانون العقار الفلاحي 87 / 19 القطاع بسبب عدم تطبيق كل بنوده، فلا تزال المستثمرات الفلاحية تتخبط في إشكالية تقسيم الأراضي بين الفلاحين في الوقت الذي فقدت قيمتها وسط الإهمال بسبب غياب الرقيب. وبخصوص توفير البذور أشار محدثنا إلى أن الدول الكبرى المصدرة لبذور القمح في العالم تعمل دوما على بسط نفوذها والمحافظة على إبقاء التبعية لها من خلال تسويق نوع من البذور لا يسمح باستغلالها أكثر من لا يمكن أن نقول عنها أنها ذات نوعية جيدة، في حين تملك الجزائر 184 مزرعة نموذجية كانت في السابق تستغل لتربية مختلف أنواع سلالات الأبقار وكل أنواع البذور حيث لم يكن الفلاح في السابق يتحمل مشاق البحث وسط المستوردين عن النوعية والكمية من البذور مثلما يحدث اليوم، لكن بعد أن حولت هذه المزارع إلى مجلس مساهمات الدولة الذي لم يبت في ملفها لغاية اللحظة أصبح إنتاجها ضعيفا في هذا المجال وابتعدت كليا عن قطاع الفلاحة.