لقد وُلد جيش التحرير الوطني الأبي من رحم معاناة الشعب وشكّل الإطار التأسيسي للثورة التحريرية التي انطلقت ملحمتها الخالدة يوم الفاتح نوفمبر 1954 بمجموعات من الشباب المؤمن بعدالة قضيته، وتعززت تباعا بالانخراط في صفوف الثورة الفتية، مشكّلة تيارا جارفا كلّه تضحيات وبطولات، توّجت بعد سنوات من الكفاح المرير بالنصر المبين. إن الأصفياء من الشهداء والمجاهدين المؤمنين بنصر الله وبعونه والمسنودين بعمقهم الشعبي، هم من روّضوا المستحيل واكسبوا ثورتنا التحريرية ميزتها العالمية، فأثروا أيّما تأثير على مجرى الأحداث الإقليمية والدولية... وهكذا فرسوخ قيم نوفمبر الأغر وتجدر مبادئه السامية في قلوب المخلصين هو خريطة الطريق المثلى والمأمونة التي من اتبعها لن يخيب مسعاه أبدا، فكيف يخيب مسعى من حدد الشهداء الأبرار معالمه الأساسية، هذه المعالم البارزة التي نراها كل يوم تستقطب قلوب الأوفياء وتبعث فيهم آيات العزة والوفاء وروح الهمة، والاباء والافتخار بجيش التحرير الوطني صانع الملحمة الكبرى. فخلال الثورة المباركة، كان الجيش في الطليعة يحمل آمال الأمة وتطلعاتها ويحظى بالثقة المطلقة من أجل تجسيد تلك الأمال والتطلعات، خاصة وأنه وقف نذا عصيا في وجه المستدمر الغاشم. باذلا تضحيات قلما عرفها التاريخ، سنده في ذلك ولاء ووفاء الشعب الذي احتضنه بدوره وشدّ أزره في صورة من أبلغ صور التلاحم والانسجام والتضامن، إلى غاية أن تحقق الهدف المقدس في الانعتاق والحرية وإعادة بناء الدولة الجزائرية المستقلة. بعد استرجاع السيادة الوطنية، أدرك أعداء الأمس واليوم أن الجيش الوطني الشعبي هو امتداد طبيعي لجيش التحرير الوطني، يحمل نفس القيم والمبادئ ولا ينتصر لغير المصلحة الوطنية لذلك تعالت الأبواق لضرب الثقة المتجذرة التي تربط الشعب بجيشه وإحداث القطيعة بينهما، لكي يسهل لهم التلاعب بمصير الجزائر ومقوماتها ومحاولة استغلال الظروف التي تمر بها بلادنا لتهديم أسس الدولة الوطنية من خلال رفع شعارات جوفاء وحمقاء، تحاول من خلالها عصابة الخونة والمتآمرين تغليط الرأي العام الوطني وجر البلاد إلى أتون الفوضى واللاأمن. إن الذين باعوا الشرف والعرض وتحالفوا مع الأعداء وتطاولوا على الوطن وأساؤوا للشعب وروّجوا للإشاعات واختلقوا الأكاذيب، قد قطعوا آخر أمل التوبة والعودة إلى أحضان الوطن الأم وآخر خيط يربطهم بالجزائر، لذلك نرى تهجماتهم وبذاءتهم وسوقيتهم لا تشرفهم بتاتا ولا تؤثر مطلقا في قناعات الرجال الصادقين واعتقادات النساء المخلصات، أما الأعداء التاريخيين والتقليديين، فلا يمكنهم إطلاقا النيل من عزيمة أبناء الأمة الجزائرية أو التشكيك في انتمائهم وحضارتهم ونضالهم، طالما أن كل جزائري أصيل مطلع على تاريخ أمته، حافظ لدروس ووصايا الأسلاف، وبالتالي فكل هذه المؤامرات والدسائس التي تحاك من وراء البحر أو على حدودنا سيكون مآلها الإخفاق والفشل الذريع، كما فشلت من قبلها عديد المحاولات، وهو ما أكده السيد الفريق رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي في الأمر اليومي بمناسبة الذكرى السابعة والستين، عندما قال:" ها نحن نسمع اليوم أصوات بعض الكولونياليين الجدد لدغدغة مشاعر بعض المتطرفين من خلال تبرير بعض الجرائم البشعة للاستعمار في بلادنا والادعاء بعدم وجود أمة جزائرية قبل الاحتلال، كل ذلك لكي لا يترسخ وجودنا وسط عالم احتد فيه الصراع الحضاري وتصادمت فيه الأمم من أجل إثبات أحقيتها وقدمها في الوجود، بهدن بعد الرابطة المقدسة بين شعبنا وتاريخه والذوبان في مشاريع الغير. لكن هيهات، سيخيب مسعاهم وسيبقى تاريخدا ونوفمبر غصة في حلوقهم إلى أبد الدهر، مادام الشعب الجزائري معتزا بتاريخه المجيد وبقيمه الحضارية العريقة". أخيرا، نجدد في الذكرى السابعة والستين لثورة نوفمبر الخالدة الترحم على شهدائنا الأبرار وشهداء الواجب الوطني، كما ندعو أبناء الجزائر المخلصين الأوفياء، إلى الحفاظ على طهارة الفكر ورجاحة السلوك الذي تحلى به صانعو ملحمة نوفمبر، والتمسك بمبادئ ثورتنا الخالدة التي حررت الجزائر بالأمس، وهي ذاتها التي ستحافظ على جزائر اليوم وتضمن مستقبلها غدا، وتلكم مسؤولية ثقيلة يتعين علينا جميعا أن نتحملها بكل فخر وإخلاص، فوطننا وديعة الشهداء، يبقى على الدوام في الحفظ والصون، يسمو فوق كل الاعتبارات..