أصدرت الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف الدولة المغربية مذكرة جديدة انتقدت فيها المقاربة التي تبنتها هيئة الانصاف والمصالحة المغربية في معالجة الانتهاكات الخطيرة وجرائم الحرب المغربية في الصحراء الغربية. ووجهت الجمعية مذكرتها للقاء الذي عقدته الهيئة المغربية المذكورة يوم 14 يناير الماضي والذي تحاول فيه تلميع صورة المغرب امام الهيئات الدولية، وهو ما انتقدته جمعيات صحراوية وعدد من المدافعين المغاربة عن حقوق الانسان كذلك.
لئلا تتكرر المأساة ،ومن أجل كسر جدار الصمت ،تأسست منذ سنة1994" تمثيلية قدماء المختفين الصحراويين المفرج عنهم " التي وسعت مهامها سنة98 من خلال " لجنة التنسيق المنتدبة عن الصحراويين ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي"،وكامتداد لذلك، فقد تم تشكيل لجنة تحضيرية سنة 2002 لتأسيس جمعية تهتم بالضحايا عموما وبالرغم من المضايقات والحظر الممارس الذي واكب هذا العمل الحقوقي، النضالي المتواصل،عقدت "الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية" مؤتمرها العام التأسيسي في السابع من مايو سنة 2005، تحت شعار: "لا إنصاف بدون حقيقة ،ولا مصالحة بدون حل شامل " ، كرد على كل المخططات المنتهجة لإقبار الحقيقة،وطي صفحة الماضي دون قراءتها.
فالجمعية الصحراوية ،وهي تستمد شرعيتها من الضحايا،لم تدخر جهدا،في العمل على تكريس وتجسيد معاناة الضحايا وذويهم وتوعيتهم ومساعدتهم من أجل استرداد حقوقهم،وهي تتشبث بمطالبها التي تكفلها كافة القوانين ، اصطدمت بعجرفة السلطات الإدارية المغربية بالإقليم وما وضعته من عراقيل للحيلولة دون أدائها لواجبها الحقوقي ،رغم الأحكام الصادرة لصالح شرعيتها ،من المحاكم الإدارية. وما هذا الحظر الذي يطالها إلا دليل على وجود نية مبيتة لطمس الحقيقة،والاستفراد بالقرارات حول مصائر الضحايا. استنادا الى مبادئ ومقتضيات القانون الدولي الإنساني، وعلى المعايير الدولية المستمدة من تجارب لجن الحقيقة عبر العالم، كخلفية واضحة ومحددة للتعامل مع أية مقاربة لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، نسعى الى تحقيق مطالبنا المشروعة كضحايا والاستجابة لتطلعاتنا كمجتمع انتهكت حقوقه بالكامل ،ونرى إن أية معالجة لهذا الماضي الأليم، لن تكون ناجعة دون ارتكازها على مبادئ العدل الأساسية لإنصاف ضحايا الإجرام والتعسف واعتمادها للمواثيق والعهود الخاصة بحقوق الإنسان كمرجعية أساسية في تحديد لائحة الانتهاكات والتدابير الواجب اتخاذها لمحو آثارها وتصحيح الأوضاع الناجمة عن تداعياتها بدءا بتسجيل قطيعة مع الأساليب القمعية وذلك باحترام الحقوق الفردية والجماعية حتى لا يكون الحاضر امتدادا للماضي،.......؟؟
وفي أفق إزالة العراقيل التي تحول دون تحقيق مطالبنا و الاستجابة لتطلعاتنا كضحايا صحراويين و تطلعات الحركة الحقوقية و المجتمع الدولي ومن أجل المساهمة في خلق مساحة للحوار،عمدنا الى تقديم مذكراتنا السابقة لعرض وجهة نظرنا حول معالجة ماضي الانتهاكات ،رغم تحفظاتنا حول هذه المقاربات الأحادية،ومضامين التوصيات المحدثة بموجبها:
المذكرة الأولى موجهة الى رئيس هيأة التحكيم المكلفة بالتعويض بتاريخ:13/11/2000
المذكرة الثانية موجهة الى رئيس هيأة الإنصاف والمصالحة بتاريخ:05/05/ 2004
كما أبدينا دائما استعدادنا للدخول في حوار جدي من أجل التوصل الى تصور يأخذ بمقترحاتنا وبوجهة نظرنا كضحايا عن كيفية طي صفحة الماضي الأليم الذي عانينا منه ومن تبعاته،ودون جدوى، لم نلمس أي ارادة للحوار لدى الهيأتين هيأة التحكيم وهيأة الانصاف والمصالحة اللتين حاولتا بمنطق واضح فرض الأمر الواقع على الضحايا وذوي الحقوق.
وعليه، فإننا نتقدم ، من خلال جمعيتنا، نحن ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالصراع السياسي و النزاع العسكري القائم حول الصحراء الغربية منذ 31 أكتوبر 1975 والمرتكبة من طرف الدولة المغربية، بهذه المذكرة ،والتي تعتبر ثالث مذكرة نسعى من خلالها رصد هذا المسار،وعرض مطالبنا المشروعة والتذكير بها،وتقييم واقع هذه المقاربات ومدى تأثير تدابيرها على الضحايا من جهة، وعلى واقع حقوق الانسان باقليم الصحراء الغربية من جهة أخرى.ونأمل أن تساهم هذه المذكرة في كشف بعض المغالطات الواردة في التصريحات الفضفاضة للدولة المغربية التي تدعي طي هذا الملف،كما نأمل أن تساهم في بلورة معالجة حقوقية،حقيقية منصفة و عادلة لقضية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وبشكل شمولي بالصحراء الغربية ، إذا ما توفرت فعلا إرادة حقيقية لإعادة النظر في كل المعالجات المجحفة السابقة لهذا الملف.
نتيجة الضغوطات الممارسة من طرف المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي،والتضحيات النضالية التي قدمها الضحايا وعائلاتهم من أجل المطالبة بحقوقهم،أسست الدولة المغربية سنة 1999 هيأة التحكيم لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي .، كما أعلنت سنة 2004عن تأسيس هيأة الانصاف والمصالحة، كمقاربات رسمية أحادية لطي هذا الماضي الأليم،لانتهاكات حقوق الانسان، بغية التخلص من هذا الإرث الذي أصبح يشكل عائقا لها في علاقتها مع المجتمع الدولي.
يأتي تشكيل هذا النوع من اللجن اذا ما توفرت الارادة للعبور نحو مرحلة تتوفر فيها ضمانات احترام حقوق الانسان عبر عدالة انتقالية،وهي صيغة تعتبر أحد الأسس الرئيسية من المعايير الدولية التي تتأسس عليها ولاية معظم لجن الحقيقة
عبر العالم ..وفي السياق المغربي،كما بالخصوص في الصحراء الغربية،لا يمكننا الحديث عن عدالة انتقالية ما لم تنتفي أسباب ومسببات ،كان من تداعياتها ،هذا الكم الهائل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان،كما لا يمكىنا الحديث عن ضمانات احترام الحقوق والحريات ،في وقت تتصاعد فيه وتيرة القمع والتعذيب وأشكال التعسف والمنع،وتلفيق التهم وتسخير القضاء لإصدار الأحكام الجائرة.
إن المقاربات الرسمية للدولة المغربية لا توفر شروط الحد الأدنى للاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للضحايا نظرا لعناصر الغموض والالتباس التي تطبعها ولما تحمله من متناقضات وما تستعمله من تعابير واجتهادات لا تمتد إلى معادلة التفاوض وتقديم المقترحات، كما أن هذه المقاربات تتجاهل الجريمة ومرتكبيها وتجرم الضحايا ولا تحترم حقوقهم، وإذا كان فشل المقاربة السابقة مبررا لوجود هذه الأخيرة، فهما لا تختلفان في التعاطي مع مبدإ المساءلة الذي يشكل حلقة أساسية من حلقات مسلسل معالجة قضية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
لم تلتزم هذه المقاربات بالمبادئ الأساسية المتعلقة بإنصاف ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان و لا بمقررات وتوصيات لجنة حقوق الإنسان الأممية وغيرها من المنظمات الحقوقية الوازنة،والتي تضمنت من بين أمور أخرى: الكشف عن الحقيقة وتوفير الأدلة لإمكانية اللجوء إلى العدالة ومعالجة أشكال جبر الضرر: ومنها التعويض والاسترداد والاستدراك وإعادة التأهيل والإدماج والعلاج وغيرها،بشكل يرضي الضحايا وذوي الحقوق.
ويبقى غائبا بشكل سافر في المقاربتين،أي تحليل لطبيعة الأحداث التي شهدتها الصحراء الغربية والتي أسفرت عنها هذه الوقائع الأليمة، متجاهلة الوضعية القانونية للاقليم والتفسير الحقيقي لطبيعة الصراع حوله، ولم تتطرق أي من الهيأتين لجرائم ارتكبتها الدولة المغربية، ومنها التقتيل الجماعي ،كدفن أحياء في
مقابر جماعية أو رمي آخرين أحياء من الطائرات أو قنبلة مخيمات النازحين، بأسلحة محظورة كالنابالم والفسفور الأبيض، كما لم تتحدث أي منهما عن النزوح الجماعي للصحراويين الى مخيمات اللجوء ومعاناة النساء والأطفال والمسنين هناك، وكذا جرائم كإحراق الخيام وتسميم الآبار أو تفجيرها ،وإبادة المواشي ،،والترحيل القسري الى هوامش المدن، والقضاء على كل أنماط الحياة التي كان يعيشها الشعب الصحراوي.
ارتكزت هذه المقاربة على اختزال معالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، دون تحديد دقيق لهذين المفهومين أو تحديد للفئات التي ينطبقان عليها. وقد شكلت صدمة كبيرة ،للضحايا وعائلاتهم ومناضلي حقوق الإنسان للاعتبارات التالية:
لم يكشف فعلا عن مصير أي مختف بطريقة مقنعة وتم إغلاق البحث في ملف المختفين مجهولي المصير، في حين تم إقصاء حالات مئات المختفين الصحراويين الذين لم يكشف عن مصيرهم.
اعتبرت هذه المقاربة الضحايا مجرمين مسوا بأمن الدولة المغربية بينما اعتبرت المسؤولين عن اختفائهم مدافعين عن أمن الدولة، وتمت التوصية بالعفو عن الجلادين والمتورطين في هذه الانتهاكات والعفو عن الضحايا على حد سواء، مع أن القوانين الدولية لا تجيز أي عفو في حق مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، كما أن العفو عن ضحايا لم يحاكموا ولم يدانوا، أمر لا مبرر له في القانون.
تعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي من خلال إحداث هيأة للتحكيم مكلفة بالتعويض مع عدم احترام أسس التحكيم المتمثلة في التراضي والاستقلالية والشفافية، وهو ما تم الإخلال به:
التراضي:تم فرض توقيع إشهاد بقبول نتائج هذا التحكيم دون توافق مسبق ودون مراعاة للوضع المزري الذي يعيشه الضحايا، مع استغلاله لتمرير هذه المقاربة
وجعل توقيع الإشهاد شرطا للنظر في ملفاتهم أو علاجهم أو منحهم تعويضا مسبقا لتسوية مشاكلهم المستعجلة.
الاستقلالية:يتواجد ضمن تشكيلة هذه الهيأة ممثلوا أجهزة متورطة في هذه الانتهاكات، كوزارة الداخلية بحكم مسؤولياتها في الاختطاف وإشرافها على عدة مخابئ سرية ووزارة العدل التي تتحمل أيضا المسؤولية في عدم تحريكها الدعوى العمومية ضد مرتكبي هذه الانتهاكات.
الشفافية:عدم الكشف عن المعايير المعتمدة والتعامل بالتمييز وبازدواجية في المعايير مع ملف الضحايا الصحراويين، بالإضافة إلى عدم أخذ الهيأة بمقترحات الضحايا واحتكارها لتقدير حجم الأضرار واتخاذ القرار في تقدير التعويض ومنع الضحايا من مناقشة مقرراتها.
بدل أن تساهم هذه الهيئة بالتعويضات الهزيلة التي صرفتها في التخفيف من شدة معاناة الضحايا وذوي الحقوق، فإنها ولدت إحساسا عميقا بالغبن والإجحاف والتمييز بالنسبة لنا كضحايا صحراويين، باعتماد معايير غير متساوية وتكريس التمييز، مقارنة مع ضحايا بالمغرب، حيث تم، ولأسباب سياسية، تحجيم معاناة الضحايا الصحراويين، الذين عانوا، لفترات طويلة بالمخابئ السرية المغربية،كما عانوا من نفس الظروف أو أكثر من التي عانى منها سجناء تلقوا تعويضات أكثر من ضعفي ما منح للضحايا الصحراويين ..كما تم تعويض أصولهم : الأب ،الأم ،الأخوات والإخوة أو الزوجة والأبناء، كضحايا غير مباشرين، في حين تم اقصاء العائلات الصحراوية من الاستفادة من نفس المعيار..وقد سبق لمنظمة العفو الدولية أن نددت بهذا التمييز في تقريرها المقدم للجنة حقوق الإنسان الأممية في نونبر 2003 حيث أبرزت الإجحاف الذي لحق الضحايا الصحراويين ، وطالبت بخلق آلية للطعن لإعادة النظر في هذه المقررات المجحفة.
ان هيأة الانصاف والمصالحة كمقاربة رسمية أحادية لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بالمغرب، لا ترقى الى مستوى المعالجة الحقوقية
المستمدة معاييرها من التجارب الدولية المتعارف عليها في تأسيس لجن الحقيقة عبر العالم وعلى سبيل المثال لا الحصر.
الافتقاد الى أي نوع من العدالة الانتقالية كأهم عنصر أساسي لتوفير الأجواء الطبيعية لخلق هذا النوع من لجن الحقيقة .
محدودية مهامها في انتهاكات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي دون أن تشمل كافة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان .
تضع حاجزا أمام إثارة المسؤوليات الفردية في ما ارتكب من جرائم ضد الانسانية، واعتبار ذلك إثارة للفتنة والضغينة والانتقام مع أن كل المواثيق الخاصة،لا تجيز أي عفو في حق مرتكبي هذا النوع من الجرائم ، وتعتبر مقاضاتهم جزءا من انصاف الضحايا والمجتمع،ومن المفترض في هذا النوع من لجان الحقيقة ، توفير الأدلة من خلال كشفها عن حقيقة ما جرى، لتسهيل إمكانية اللجوء الى القضاء، ولمحاربة ظاهرة الافلات من العقاب التي تعتبر الرادع الأساسي لوضع حد للانتهاكات المستمرة.
افتقاد عنصري الاستقلالية والحياد
عدم التنصيص على تسليم رفات المتوفين داخل المعتقلات السرية والسماح لذويهم بنقلهم بعد اجراء تشريح لتحديد هوياتهم.
ورغم ذلك، وفي أمل استدراك هيأة الانصاف والمصالحة لهذا الأمر، باتخاذها التدابير اللازمة، لمحو آثار الاجحافات السابقة، فقد قدمنا لائحة مطالب، وهي كالتالي:
يستوجب الكشف عن الحقيقة التي تعتبر الجوهر الأساسي لأية حلول ممكنة استنادا إلى المعايير معتمدة دوليا:
تحديد ظروف الانتهاكات وما يحيطها من أسباب بشكل موضوعي .
تحديد المسؤوليات والكشف عن حقيقة المأساة التي تعرض لها الضحايا.
الكشف عن مصير كافة المختفين قسرا مجهولي المصير وإطلاق سراح الأحياء منهم وإعلان لائحة الوفيات.
التأكد من هوية الوفيات وفق التقنيات الأنتروبولوجية الطبية والاعتماد في التشريح الطبي على مختصين ممن يستوفون شروط النزاهة والاستقلالية وبحضور ذوي الضحايا.
السماح لذوي الضحايا المتوفين بإجراء خبرات مضادة إن دعت الضرورة.
تسليم رفات المتوفين إلى ذويهم وتمكينهم من نقلهم إلى مدافن قريبة منهم مع تسليمهم شهادة وفاة طبية تثبت أسباب الوفاة ومكانها..
إجراء تحقيقات معمقة وموضوعية وشاملة حول كل الملفات والوقائع والشكاوي ذات الصلة.
الاستماع إلى كل من كانت شهادته مفيدة للحقيقة وتوفير شروط الحصانة للشهود.
اعتماد التقارير الحقوقية المحلية والدولية وما نشر في وسائل الإعلام حول هذه الانتهاكات.
فتح مراكز الاختفاء القسري والاعتقال والتعذيب والتحفظ عليها.
الحق في التعويض العادل والمنصف لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عموما مع الأخذ بعين الاعتبار مفهوم جبر الضرر، كما هو مكرس في المعايير الدولية لحقوق الإنسان بما فيها:
اتخاذ التدابير اللازمة لمحو آثار الإجحاف واعادة النظر في العملية التحكيمية المجحفة:
الاسترداد والاستدراك والتأهيل والإدماج والعلاج المستمر وإعادة الممتلكات العينية والمنقولة وصرف رواتب للعجزة والنساء وما يتفرع عن ذلك من مطالب خاصة أو عامة.مع العلم أن الأغلبية الساحقة من الضحايا المفرج عنهم سنة 1991 أصبحوا عاجزين.
تعويض الضحايا وعائلاتهم وذوي الحقوق المتوفين وذوي حقوق المختفين مجهولي المصير بعد الكشف عن الأحياء وتسليم رفات المتوفين منهم.
الاعتراف الرسمي بالوقائع والإقرار بمسؤولية الدولة ورد الاعتبار للضحايا والمجتمع وتقديم الاعتذار لهم رسميا.وتسهيل سبل الانتصاف والتظلم والمساءلة الجنائية كمطلب سليم ومشروع.
وقد جاءت نتائج عمل الهيأة دون المتوقع ودون اتخاذ التدابير اللازمة لمحو آثار الإجحاف الذي طال الضحايا الصحراويين ودون اعادة النظر في العملية التحكيمية المجحفة:
لم تلتزم الهيأة ببرنامج جلسات الاستماع المعلن عنه بإلغائها الجلسة الوحيدة التي كانت مخصصة للضحايا الصحراويين، ودون تقديم أي تفسير لذلك.
تجنبت الهيأة الحديث عن أماكن المخابئ السرية الموجودة بالصحراء الغربية، والمتمثلة في السجن لكحل،وثكنات الجيش وثكنات الدرك الملكي وثكنات فرق التدخل السريع التابعة للأمن،هذه الثكنات الموجودة على امتداد خارطة الصحراء الغربية وجنوب المغرب. وعلى سبيل المثال لا الحصر: تجنبت ذكر ثكنة البير الموجودة على شاطئ فم الواد قرب العيون.وذكرت تسعة عشر حالة فقط من الذين أفرج عنهم سنة 1991 من ثكنة PC-CIM بالعيون،دون ذكر بقية المجموعة وتم تحريف اسم المخبإ السري بالقول أنها كانت موجودة ضمن المجموعة التي أفرج عنها، بنفس التاريخ ،من المخبإ السري بقلعة مكونة بالجهة الشرقية من المغرب.
رفضت الهيأة ،فتح أي حوار مع ممثلي الضحايا، وعمدت الى تجنب نشر مذكرتهم على موقعها الالكتروني على غرار المذكرات الأخرى ، إلا بعد تسلمها بتسعة أشهر، بعد تحريف أهم فقرة بها.
لم تجد الهيأة تجاوبا،مع ما تقوم به،لدى الضحايا الصحراويين، وقد صدرت عدة بيانات استنكارية لعدم جدية ما تقوم به الهيأة،وعدم جدوائيته في سياق تشهد
فيه الصحراء الغربية ،انتهاكات مستمرة ومتزايدة لحقوق الانسان، تعبيرا عن رفضهم المشاركة فيما اعتبروه مجرد وصلة اشهارية للتسويق الخارجي،الهدف من ورائها ،طمس الحقائق المفجعة بدل فضحها.
أصدرت اللجان الموقعة على المذكرة العديد من بيانات التنديد وعرائض الاستنكار حول التعامل الغير جدي لأعضاء الهيأة، من خلال زياراتهم المكوكية للاقليم والتصريحات الاعلامية التي تنم عن نية طمس الحقيقة بدل كشفها ، وهو ما أثبتته حصيلة اشتغالها.كما نظم الضحايا العديد من الاحتجاجات السلمية
والمظاهرات والاعتصامات التي قوبل بعضها بالتدخل بالقوة والعنف لتفريقها.
المختطفين مجهولي المصير:
في ملف المختطفين مجهولي المصير، ربطت هيأة الانصاف حالات مئات المختفين الصحراويين بفقدانهم خلال اشتباكات مسلحة بالصحراء مع أن اللوائح المقدمة لها من عائلات الضحايا، هي لمدنيين عزل، لازال لم يكشف عن مصيرهم بعد اختطافهم ، من طرف أجهزة معلومة، وتحت اشراف مسؤولين لا زال بعضهم يمارسون مهامهم في الاقليم، بل وتمت ترقيتهم.كما أن هناك شهودا أحياء صرحوا بعد الإفراج عنهم،أنهم كانوا معهم في مرحلة من مراحل تنقلهم بين المخابئ السرية المغربية.
المعلومات الواردة في لوائح المختفين الصحراويين مجهولي المصير، تشوبهاالكثير من الاختلالات التي تنم عن عدم وجود أي تحقيق جدي، وانما اعتمدت الهيأة على المعلومات التي حصلت عليها من ذوي حقوقهم،وحاولت تصريفها بشكل تطبعه المزاجية...
لم تستفد الأغلبية الساحقة من عائلات مئات المختفين الصحراويين مجهولي المصير من أي تعويضات مادية أو معنوية أو أي تسوية لأوضاعهم المزرية،بسبب رفضهم لمقررات الهيأة وعدم مسايرتهم للطرق الإبتزازية التي انتهجتها في معالجة مطالبهم المشروعة .
لم تجب الهيأة على أي من استفسارات عائلات مجهولي المصير حول إدعاءات الكشف عن مصير ذويهم مثلا:
صرحت الهيأة أن بعض مجهولي المصير، تم اعدامهم على إثر أحكام صدرت في حقهم...فطالبت العائلات بنسخة من الأحكام الصادرة،وتحديد مكان دفنهم ،ولم تستطع الهيأة تلبية مطالبها،ولم تدل بأي معلومات تؤكد حقيقة هذه المزاعم ...الى آخره.
فيما يتعلق بجبر الأضرار والإدماج الاجتماعي:
رغم التحفظات والمؤاخذات حول مهام هذه الهيأة ومجال اشتغالها،قدمت تسع لجان صحراوية مختصة تمثل ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وعائلات المختفين مجهولي المصير وعائلات الشهداء داخل المعتقلات السرية أو بمراكز التعذيب وغيرها، مذكرة الى رئيس هيأة الإنصاف والمصالحة،وهي مذكرة تمثل الحد الأدنى من مطالبهم كضحايا ممارسات تصنف وفق القانون الانساني الدولي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية،إذ تعرض المواطنون الصحراويون لشتى أنواع الاضطهاد والقهر والتنكيل على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
أصدرت هيأة الانصاف والمصالحة عدة توصيات في مجال الادماج الاجتماعي منها:
توفير دخل مادي يضمن العيش الكريم للأشخاص العاجزين عن العمل من حيث السن أو الاعاقة وعلى شكل معاشات دائمة.
توفير السكن اللائق للضحايا وذويهم.
ادماج الضحايا القادرين على العمل ،في الوظيفة العمومية .
مواكبة الضحايا في العلاج وخلق مراكز للعلاج من الأمراض النفسية والعقلية التي يعانون منها.
إلا أن عدم اشراك الضحايا في القرارات والتوصيات التي أصدرتها هيأة الانصاف والمصالحة،وعدم فتح حوار حول المذكرة المقدمة من طرفهم ،جعل الجهات المكلفة بمتابعة التوصيات ، تنتهج سياسة التماطل وفرض الأمر الواقع على الضحايا واستغلال أوضاعهم المزرية لتمرير حلول مجحفة جدا في حقهم .
فرغم آلاف الملفات التي قدمت للهيأة ،لم يتم ادماج الضحايا ادماجا كليا أو مرضيا مع اقصاء أغلب الضحايا دون تفسير لذلك أو بمبررات واهية:
منح بعض الضحايا مأذونيات ذات مردودية ضعيفة جدا، ومنح آخرين أرقام منازل ،لا ترقى الى مستوى السكن اللائق باعتبارها منازل خربة..
لم تكن هناك أي مواكبة في العلاج ولم يتم خلق أي مراكز لعلاج الأمراض النفسية أو العقلية، كما أن التغطية الصحية ، في بعض الحالات، لا تصل إلى
نسبة 35 في المائة.
لا زال العديد من الضحايا وذوي الحقوق لم تسو وضعياتهم المالية والادارية كموظفين سابقين، ولا زالت سياسة الطرد وقطع الأرزاق سيفا مسلطا على كل ناشط حقوقي أو سياسي.
قامت الدولة المغربية بعملية اشهارية كبيرة لتسويق عمل وقرارات الهيأة والترويج لها في الخارج، دون الالتفات الى معاناة الضحايا وقدمت مغالطات صريحة تتنافى مع حقيقة ما قدمته هذه الهيأة التي يبدو من مسارها، أنها جاءت لخدمة أجندة النظام والأكيد، أن واقع حقوق الانسان المتردي بالإقليم،لا يعكس سوى فشل الهيأة في تحسين هذا الواقع أو كشف حقائقه أو تحليل أسباب تفاقمه بكل موضوعية واستقلالية أو التأثير عليه، إذ تم الإعلان عن هذه المقاربة
الرسمية، في ظرف لا زالت تشهد فيه الصحراء الغربية، مسلسلا لسياسة منتهجة، ممنهجة، مبنية على تضييق الحريات من خلال الاعتقالات والاختطافات والمحاكمات السياسية الجائرة، والأعمال التعسفية، والقمع والترهيب والتعذيب ومنع تأسيس الجمعيات والحرمان من الحق في التظاهر السلمي وحرية الرأي والتعبير،ومصادرة الحق في التنقل وغيرها من الخروقات التي لا حصر لها ، وبدل وضع سياسة للحد من هذه الانتهاكات، فقد ازدادت حدتها بالزج بالعديد من الموقعين،على مذكرة الضحايا، في السجن وتعريض آخرين لانتهاكات مختلفة،ولازالت أقبية الزنازين تعج بعشرات المعتقلين الصحراويين والمدافعين عن حقوق الإنسان. ولم تتوان الدولة المغربية في نهج سياسة التعتيم والتضليل من خلال منع الأجانب من مراقبين دوليين وإعلاميين أو سياسيين من دخول الاقليم، ونهب خيرات الإقليم واستغلال ثرواته واستنزافها دون وجه حق،رغم الاستشارات القانونية الصادرة بالأمم المتحدة في هذا الشأن، وحرمان الساكنة الصحراوية من الاستفادة منها. كما لم تتوان من حرمان العمال الصحراويين من حقوقهم المكتسبة قبل الوجود المغربي بالاقليم، ناهيك عن محاولات التغيير الديموغرافي بتوزيع مئات الآلاف من ا