لأن العاصمة تختنق يوما بعد يوم خاصة في زمن الذروة في الصباح والمساء فإنه يتعين على السلطات التفكير في إجراءات استعجاليه مخففة قد نهتدي إليها بإعادة النظر في مواقيت بداية العمل وانتهائه في الإدارات والمرافق الخدمية في انتظار حسم الموقف إما بنقل المرافق الحكومية والإدارية إلى الضاحية أو بترجيح كفة النقل الجماعي بتكثيف شبكتي الميترو والترامواي. الزائر الوافد على العاصمة الجزائر يصاب بالاختناق النفسي عند مداخل العاصمة حتى لو كان راجلا وهو يرى الاختناق المروري لعشرات الألوف من السيارات مع كل الجهود التي بذلت في العقدين الماضيين على مستوى تجديد وتوسعة الطرق و انشاء الجسور والمحولات والأنفاق في مدينة لم تعد قادرة على تحمل أعباء عاصمة دولة مركزية، جميع مرافقها السياسية الإدارية والمالية مجمعة في قلب المدينة. وحتى الآن فإن الإنشاءات الجديدة، سواء مع بدء تشغيل الخط الأول من الميترو أو خط الترامواي الذي صنع متنفسا للمخرج الشرقي من العاصمة، أن هذه الإنشاءات المتأخرة لم تبطل حالة الاختناق المروري خاصة في أوقات الذروة في الصباح والمساء، وما تزال مخارج العاصمة تعلني الأمرين، وتستنزف طاقة الجميع سواء من أصحاب السيارات أو مستعملي وسائل النقل الجماعية فضلا عن استنزاف ملايين الساعات كانت ستصرف للخدمة والإنتاج بدل حرقها مع ما تحرقه السيارات من طاقة تنتج كل يوم ملايين الأطنان من الغازات السامة. أغلب خبراء العمران وأنظمة المرور كانوا يعلمون في وقت مبكر أن مدينة الجزائر التي صممت على هضبة، وتوسعت في زمن الاستعمار لتلبية حاجات مجتمع المعمرين لم تكن لتفي بواجبات العاصمة في الدولة المستقلة خاصة مع النزوح المتواصل لسكان الأرياف نحو الحواضر، والضغوط التي تنتجها مركزية الدولة وإداراتها على المدينة العاصمة. ثم إن إجراءات فك الخناق المروري جاءت متأخرة مع تشييد المتحلق في عهد الشاذلي بن جديد، وتأخر مشروع الميترو لأكثر من عقدين، وتردد السلطات في بناء منظومة عصرية للنقل الجماعي كما فعلت معظم الدول الحديثة، أضيف إلى ذلك الانفلات الحاصل في فتح السوق الجزائرية لاستيراد فوضوي للسيارات الخاصة. العقلاء من الخبراء يوجزون مشاعر اليأس من معالجة أزمة المرور بالعاصمة بالنصح بلا تردد بنقل عاصمة البلد وتحرير مدينة الجزائر إما لوظائف اقتصادية أو خدمية كما فعل البرازيليون بأنشاء العاصمة برازيليا من العدم، وقد عاشت المانيا الغربية بعاصمة صغيرة هي فوق مرتبة القرية بقليل حين كانت بون عاصمة لدولة تحتل المرتبة الثالثة عالميا من جهة الاقتصاد والتجارة، وقد عالجت دول أخرى مشاكل المرور بعواصمها بطرق مبتكرة وجريئة، كما فعل الفرنسيون مع باريس مع البارون هوسمان الذي ضحى بثلث نسيج المدينة العمرانية لإنشاء شوارع واسعة هندست المدينة وهيأتها لاستقبال عصر السيارة, أما الدول التي لم تتح لها خيارات مماثلة فقد عمدت إلى التشريع لتنظيم حركة المرور عبر ترسانة من الخيارات تبدأ بتنظيم سيولة الحركة في أوقات الذروة وتنتهي بتنظيم حواضر ركن السيارات، وأقامت تسهيلات لاستعمال النقل العمومي خاصة للوافدين على المدينة حتى لا تضاف السيارات القادمة من خارج العاصمة إلى المستعملين من سكان المدينة. وفي انتظار أن تحسم سلطات البلاد الموقف من خيار نقل العاصمة أو نقل المركب الحكومي الإداري من قلب العاصمة، أو تنفيذ سياسة لا مركزية فعلية تحتاج العاصمة إلى إجراءات استعجالية تنظيمية تعالج الاختناق في أوقات الذروة وتحديدا في الصباح والمساء. فأهل العاصمة يعلمون أن أصعب الأوقات تكون مع الساعات الأولى من الصباح من السابعة حتى التاسعة، وفي المساء ابتداء من الساعة الرابعة، لها صلة بتدفق الموظفين والعمال نحو قلب العاصمة من كل حدب وصوب من ضاحية العاصمة والمدن المتحلقة من حولها على امتداد شعاع يصل إلى البليدة جنوبا، و بومرداس شرقا وشرشال غربا، وانه باستثناء المنفذ الجنوبي الذي تنفس قليلا مع تنشيط خطوط القطار الكهربائي فإن باقي المنافذ ما زالت تعتمد على السيارة والحافلة. الإجراء الاستعجالي متوفر لا يحتاج سوى إلى قرار يعيد النظر في تحديد ساعات بداية ونهاية العمل بكبرى الإدارات والمرافق العمومية، ولا مانع أن نغير من توقيت بداية الإدارات حتى لا تتوافق مثلا مع ساعة بداية الدراسة بالمدارس والثانويات والجامعات، وأن يكون ساعة بداية العمل بالإدارات ابتداء من التاسعة بدل الثامنة، ومثله يكون توقيت الانصراف مساء وهو إجراء معمول به في كثير من الدول، بل إن بعض الدول قد أقرت مبدأ الوردية الواحدة المتواصلة للعمل بالإدارات تمتد لخمس ساعات وتنتهي عند الساعة الثالثة زوالا. إجراءات مساعدة يمكن أن تخفف من تدافع المرور في أوقات الذروة بإعادة النظر في منظومة الخدمات الإدارية باعتماد مبدأ تحديد المواعيد مسبقا إما بالهاتف أو عبر شبكة الأنترنت حتى لا يكون الإقبال على الإدارات سوى لمن له موعد موثق، ومع إعمال العقل فسوف نهتدي لكثير من الحلول الاستعجالية التي تخفف من الزحمة والضغط على حركة المرور في انتظار الحلول الجذرية التي لا تخرج عن أحد الخيارين: إما نقل العاصمة أو نقل مرافقها الإدارية والخدمية والإنتاجية إلى مدن الضاحية، أو إعادة النظر في منظومة النقل بتكثيف النقل الجماعي وتحريم قلب العاصمة على السيارات الخاصة، وتخصيص ساعات من الليل لحركة نقل وتوزيع السلع، وإنشاء محطات ضخمة لركن السيارات الوافدة على العاصمة مع ربطها بشكبة الميترو و الترامواي والحافلات والقطارات لنقل الوافدين إلى قلب العاصمة لقضاء أعمالهم.
التقاعس في معالجة مشكل المرور في العاصمة قد ينتهي بنا في أجل قريب إلى حالة تتعطل فيها الحركة بالكامل عند أول حادث مرور يقع بجسر محول أو احد الأنفاق، ناهيك عن توقع حالة المرور في حال وقوع فيضانات أو زلزال أو أي حادث كبير كالذي كان سيحدث منذ ايام على خلفية احتراق شاحنة عند بوابة مستودع نافطال والذي كان سيوقف الحركة بكامل شرق العاصمة.