لم يزل حادث الحادي عشر من سبتمبر مصدرا للعديد من الرؤى والتحليلات التي تشغل الرأي العام الأمريكي والعالمي، لكن أخطر ما في توابع الحادث هو تعاظم المدرسة الآخذة في التبلور يوماً بعد يوم باتجاه مؤامرة حاكتها إدارة الرئيس جورج بوش. والأخطر أن تأتي هذه الرؤية على لسان ثلة من الشخصيات التي تتمتع بمصداقية عالية في المجتمع الأمريكي. كتاب "الحادي عشر من سبتمبر والامبراطورية الأمريكية" جاء تتويجاً لاتجاه فكري وسياسي وتحقيقي يكاد يجزم بتورط بوش وإدارته في الحادث الذي ترك بصمته على مختلف أنحاء العالم. وفي اتصال هاتفي ل "المستقبل" بالقاهرة مع داليا محمد إبراهيم، المشرف العام على ترجمة وتحرير النسخة العربية من كتاب "الحادي عشر من سبتمبر الامبراطورية الأمريكية" قالت إن نشر الكتاب باللغة العربية يعد محاولة للخروج بالقارئ في العالم العربي من موقع المتلقي إلى موقع المشارك في التعاطي مع حدث غيّر مجريات السياسة العالمية. وأضافت قائلة ل "المستقبل" "نحن نهدف إلى إعادة تشكيل الوعي العربي وتعميق الدور النقدي للمجتمع". وكشفت داليا ل "المستقبل" أن الجزء الأول من الكتاب الذي تناول آراء المفكرين تحت عنوان "المفكرون يتحدثون" سيستكمل بجزء ثان تظهر نسخته العربية في بدايات العام القادم بنفس العنوان. على أن تستبدل كلمة المفكرون بعبارة "المسيحيون واليهود والمسلمون يتكلمون". وأشارت إلى أن الجزء الثاني يركز على آراء رجال الديانات الثلاثة في حادث الحادي عشر سبتمبر. أحد عشر مفكرا الترجمة العربية للجزء الأول صدرت منذ أيام في القاهرة عن دار نهضة مصر، وهو من تحرير ديفيد راي وبيتر ديل سكوت، فيما أشرفت على الترجمة والتحرير للنسخة العربية داليا محمد إبراهيم. أحد عشر مفكرا قدم كل منهم مساهمته عبر فصول الكتاب الأحد عشر وكأنهم يصدمون الوعي الأمريكي والعالمي الذاهب باتجاه التسليم بالرواية الرسمية الأمريكية. هذه الكوكبة يصفها محررا الكتاب ديفيد راي جريفين وبيتر ديل سكوت ب "الأعضاء الذين يحظون بدرجة عالية من الاحترام في منظمات مؤسسية قبل تصديهم للكتابة عن مسألة الحادي عشر من سبتمبر، فعشرة منهم يحملون درجة الدكتوراه وتسعة منهم أساتذة في جامعات عريقة، فضلاً عن واحد عمل لدى مؤسسة أندررايترز لابوراتوريز، وآخر كان ضابطاً عسكرياً يعمل في البنتاغون". ويبلور عالم الاجتماع بيتر فيليبس، الأستاذ في جامعة سونوما، في الفصل الأخير (الحادي عشر) ملامح هذا الانقلاب في الرؤية بقوله إن "من الأهمية بمكان تحديد تلك الشريحة التي ستحصل على أقصى استفادة ممكنة من مثل هكذا سياسة للهيمنة الأمريكية على العالم في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر". ويلفت فيليبس واثنان من طلابه شاركاه المساهمة في هذا الكتاب الهام، يلفت الانتباه إلى المجموعة الساعية للسيطرة على العالم على النحو الحادث الآن والذي يذكرنا بما نبه إليه في هذا الصدد الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور حينما تطرق إلى ما أسماه ب "المركّب العسكري الصناعي". يصف فيليبس هؤلاء بمجموعة من النخبة السياسية في الدوائر الأمريكية العليا. رواية زائفة يهدم الكتاب في الأساس القاعدة الذهبية التي يتمسك بها مؤيدو الرواية الرسمية للحادث الذين يرمون كل من يشكك فيها باعتناق نظرية المؤامرة. لكن هؤلاء بدورهم لم يقولوا للعالم لماذا تمسكوا بدورهم بنظرية المؤامرة متهمين أسامة بن لادن بأنه وراء ما حدث. إذن الأمر بالنسبة لمحرري الكتاب يعني "نتيجة ذات شقين، وهي أن الرواية الرسمية عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر زائفة، وأن هذه الرواية الزائفة تم استخدامها لدعم أجندة تم تخطيطها مسبقا؛ ألا وهي المزيد من التوسع للامبراطورية الأمريكية، وتمثلت أولى الخطوات الفورية لهذا التوسع في قلب العراق وأفغانستان". ويذهب كل من راي جريفين وديل سكوت إلى أن "الرواية الرسمية هي في ذاتها نظرية للمؤامرة؛ فهي تزعم أن الهجمات تم تنظيمها بالكامل على أيدي أعضاء عرب مسلمين في تنظيم القاعدة بإيعاز من أسامة بن لادن القابع في أفغانستان". ويخلص الإثنان إلى أنه "لا يوجد أي مبرر منطقي لرفض رواية بديلة بدعوى أنها نظرية للمؤامرة، فالأحرى أن نسأل: أي نظرية من نظريتي المؤامرة المطروحتين هي الأكثر احتمالية؟ الطريقة الوحيدة للإجابة على هذا السؤال هي دراسة الأدلة التي تقدمها كل نظرية لمعرفة أي من الفرضيات المتضاربة يمكن أن تنطبق عليها أكثر كل الأدلة المعروضة في اتساق تام وبشكل يقبله العقل". ويشيد الكتاب بالحركة التي تنتشر في أوساط المجتمع الأمريكي تحت اسم "حركة الحقيقية بشأن الحادي عشر من سبتمبر". شاهد عيان كارين كوياتكوفسكي قامت بكتابة الفصل الثاني تحت عنوان "تقييم نظرية المؤامرة الرسمية فيما يتعلق بأحداث الحادي عشر من سبتمبر" لتضع يدها على الكثير مما يستحق التوقف والتحليل. لكن قد يكون من المفيد أولاً معرفة من هي كارين كوياتكوفسكي. إنها مقدم في القوات الجوية الأمريكية تقاعدت عام 2003 بعد عشرين عاماً أمضتها في الخدمة العسكرية. قامت خلال عقدين من الزمان بمهام في وكالة الأمن القومي بمقر قيادة القوات الجوية وفي مكتب وزير الدفاع. وقامت بآخر رحلاتها العسكرية بصفتها ضابط سياسات الأركان بمكتب وكيل وزارة الدفاع للسياسات بمديرية الشرق الأدنى جنوب آسيا. كارين إضافة إلى ما سبق تحمل درجة الدكتوراه في السياسة العالمية من الجامعة الكاثوليكية الأمريكية ودرجة الماجستير في الحكومة من جامعة هارفارد وفي إدارة العلوم من جامعة ألاسكا. تقدم كارين تقييماً لما حدث استنادا إلى خبرتها العسكرية والأكاديمية وكشاهد عيان أيضاً. فقد كانت حاضرة في وزارة الدفاع (البنتاغون) يوم الحادث. تقول "لم يكن من بين أعضاء لجنة الحادي عشر من سبتمبر أي شخص قادر على تقييم الأدلة من الناحية العلمية" وتضيف "إن تلك اللجنة لم تجب على أو حتى تتطرق لآي من أسئلتها حول الرواية الرسمية". وتكتسب رؤية وشهادة كارين أهمية خاصة، إذ كانت شاهد عيان حين وصلت إلى الجناح الأيسر للبنتاغون بعد ضربه بقليل لتقول إنها لم تر لا الحطام ولا الدمار الذي يتوقع أن يحدثه هجوم جوي. السبب الحقيقي تحدث كيفين رايان في الفصل الرابع عما أسماه ب "أكاذيب المعهد القومي للمعايير والتقنية ومؤسسة "أندررايترز لابورتوريز" حول انهيار مركز التجارة العالمي" آراؤه العلمية المشككة في وقائع الحادث كلفته وظيفته في أندررايترز. وركز رايان على أن التوصل إلى السبب الحقيقي وراء انهيار المباني الثلاثة إنما هي مسألة ذات أهمية قصوى، لأن ذلك الحادث هو الذي هيأ الشعب الأمريكي نفسياً لتقبل ما يسمى بالحرب على الإرهاب. وظّف رايان خبرته كمهندس في الكيمياء في دحض إمكانية انهيار البرجين التوأمين والبناية رقم 7 بمركز التجارة العالمي على هذا النحو جراء ارتفاع درجة الحرارة بعد تعرضها للاقتحام الجوي. ويقول "الاحتمال الأقرب أن تدمير تلك البنايات كان من خلال عملية هدم بالتفجير المتحكم به باستخدام متفجرات مزروعة سلفاً". ويتفق رايان مع ستيف جونز أستاذ الطبيعة بجامعة بريجهام يونج واضع الفصل الثالث وعنوانه (لماذا انهارت حقاً أبراج مركز التجارة العالمي؟) يتفق معه بشأن الطبيعة غير العلمية للتقرير الرسمي الذي قدمه المعهد القومي للمعايير والتقنية على التشكيك في الرواية الرسمية لوقائع الانهيار. عمليات شراء محرر الكتاب ديفيد راي جريفين، الذي شغل منصب المدير المشارك للمركز المعني بدراسات نظرية العقل فيما وراء الطبيعة، وضع كذلك الفصل الأول تحت عنوان (11 سبتمبر، والإمبرطورية الأمريكية والقواعد الأخلاقية العامة). يقول يجب التوصل إلى نتيجة مختلفة عندما نتوقف عند التحذيرات التي حصلت عليها الولاياتالمتحدة وكثير منها أرسلته وكالات استخباراتية أجنبية، مفاد هذه التحذيرات أن البلاد معرضة لهجوم هائل في المستقبل القريب. إحدى تلك التحذيرات تلقته وكالة الاستخبارات المركزية بعنوان "ابن لادن مصمم على مهاجمة الولاياتالمتحدة" وتحدثت أيضاً عن "استعدادات لعمليات اختطاف طائرات وهجمات من أنواع أخرى". يستطرد جريفين "يجب التوصل إلى نتيجة مختلفة عند الجمع بين تلك التحذيرات والأدلة التي تشير إليها عمليات الشراء الضخمة غير المعتادة لعقود خيارات البيع (عقود مستقبلية تشترى على أمل هبوط سعر الأسهم)، والتي تمت في الأيام الثلاثة السابقة للحادي عشر من سبتمبر". وكانت جميع عمليات الشراء قد تمت مع شركتي طيران فقط هما (يونايتد إير لاينز) و(أمريكان إير لاينز) وهما الشركتان المالكتان للطائرات المستخدمة في الهجمات. أضف إلى ذلك أسهم مصرف (مورغان ستانلي دين ويتر) الذي يشغل 22 طابقاً في مركز التجارة العالمي. المخدرات والنفط بيتر سكوت، الديبلوماسي الكندي السابق المشارك في تحرير الكتاب، كان له إسهام آخر من خلال الفصل الخامس وعنوانه (خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر: المخدرات والنفط والعمليات السرية الأمريكية). تطرق في هذاالفصل إلى "العملية التي قامت بها الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية" في ثمانينيات القرن الماضي بمساعدة من يسمون ب "الأفغان العرب". وذهب إلى "استغلال الولاياتالمتحدة وشركات النفط الأمريكية ضمن مسعاها للسيطرة على مصادر النفط لتجار مخدرات مسلمين. وانتهى إلى أن "أسلوب التكتم المتبع في تشكيل السياسة الخارجية نتج عنه استراتيجيات كارثية تخلو من بعد النظر، وأن الكونغرس يجب ألا يستمر في منح المزيد من الأموال لنفس الوكالات التي كانت قد ساعدت على إنشاء شبكة القاعدة في المقام الأول".