مع العد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في ال 9أفريل 2009 في جزائر فتحت المستقبل صفحاتها الوطنية بالخصوص للزملاء الاعلاميين العرب والاجانب بمختلف تخصصاتهم وميولاتهم قصد تقديم أرائهم بكل مصداقية حول طبيعة المترشحين وحظوظ كل واحد منهم وقبل ذلك وبعده تقييمهم للتجربة التعددية في الجزائر من خلال أهم موعد إنتخابي ممثلا في الرئاسيات. وللاجابة عن كل ذلك أجرينا هذا الحوار مع الاعلامي هنري فارني، رئيس تحرير "الباريزيان " بالنيابة. المستقبل : كيف تنظرون للوضع السياسي الحالي في الجزائر، ولا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية؟ هنري فارني: لا أحد ينفي أن هناك في الوقت الراهن ركودا سياسيا على الساحة الجزائرية، سمح بظهور الكثير من التأويلات وفتح المجال واسعا أمام خيارات الرئيس بوتفليقة، التي لم يعلن عنها لحد إجراء هذا الحوار. وأعتقد بالنظر للوضع الحالي للجزائر أن هناك نوعا من السبات في السياسة الجزائرية، سواء بالنسبة للسياسة الداخلية أو الخارجية، مرده عدم رضا الرئيس على بعض الأمور التي حدثت: مثل فقدان الحلقة في استقطاب الاستثمارات الوطنية منها والأجنبية ومن ثم فتح باب الاقتصاد على مصراعيه لرؤوس الأموال التي تشكل درعا لخلق الثروة واستهداف النهوض بالحالة الاجتماعية للمواطن التي في نظري بقيت هزيلة. المستقبل : ماهي قراءتكم لتجديد ثقة الشعب الجزائري في الرئيس بوتفليقة وفوزه بالعهدة الثانية رغم إنتقاد البعض لسياسته؟ هنري فارني: صحيح أن في السنوات الفارطة، وخلال عهدتي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان هناك إنعاش سياسي واقتصادي قوي أعاد الجزائر دوليا وداخليا وأعاد للدولة هيبتها بعد سنوات الدمار التي عرفتها الجزائر في التسعينيات، وفي الوقت نفسه ظهرت جليا قوة الرجل الأول في البلاد وعزز مكانته بين الشعب الجزائري وحتى دوليا خاصة بعد الإصلاحات الداخلية التي قام بها من خلال إعطاء المصداقية أكثر لمؤسسات الدولة ومن خلال استرجاع مكانة الجزائر ديبلوماسيا في الخارج. وربما هذا هو الشيء الذي دفع الشعب الجزائر ي لإعادة الانتخاب عليه أثناء العهدة الثانية. ولا يمكن أن ننفي أن قوة الرجل وحنكته وديبلوماسيته جعلت منه الرجل الأول في البلاد، وتركت الاعتقاد بأن ليس هناك على الساحة السياسية في البلاد غير رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، فلا يحتاج لمعارضة ولا يحتاج لمنافس، ولا يبرر قراراته مهما كانت أمام أي جهة كانت، فمشاريعه يعلن عنها متى يريد ومتى يشاء، وفي هذه الأحوال أصبح لفترة ما شبيها ببوتين رئيس الوزراء الروسي. المستقبل : هل من توضيح أكثر ؟ هنري فارني : بوتين الرجل الأول في البلاد، وشكل محور قوة في سياسة روسيا لم يغير شيئا من مؤسسات الدولة، ولكنه لعب دورا مهما في تغير عهدة رئاسة الرئيس، وفي حال توليه العهدة الثانية، سيبقى في الحكم بعد تعديل عهدة الرئاسة لغاية 2021. لكنه بالمقابل أعطى قوة لسياسة البلاد أعادت روسيا للحظيرة الدولية. ويمكن أن نقيس الأمر على الجزائر، لأن الدور الذي لعبه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا يستهان به، لكنه غير الدستور وفتح عهدات الرئيس على مصراعيها، لكن هل سيترشح هذا الرئيس لعهدة ثالثة.... أم ماذا؟ المستقبل : كيف تقدرون الوضع حاليا على ضوء ما يحدث على الساحة السياسية ا لجزائرية؟ هنري فارني : الجزائر اليوم أمام تحد صعب، والتحدي ربما سيظهر جليا بالدخول في الحملة الانتخابية، وما بعد الاستحقاق الرئاسي. السيد عبد العزيز بوتفليقة حشد دعما قويا في السنوات الفارطة سواء من الداخل أو الخارج. والسؤال هل سيحشد نفس الدعم الذي حشده في عهدتيه السابقتين، مع الإشارة إلى أن هناك معطيات جديدة وهناك تغيرات حادثة، وخاصة تغيير الدستور. لكن لا أعتقد أن العهدة الثالثة ستكون محطة تغيير كبيرة، بل هي تحصيل حاصل للعهدات السابقة، لأن ما بني في العشر سنوات الفارطة كان قويا داخليا وحتى دوليا. صحيح هناك غياب محسوس لنشاطات الرئيس في الآونة الأخيرة وطنيا ودوليا، لكن وضع البلاد الحالي لا يدفع للتساؤل، ربما ستأتي هذه التساؤلات بعد التاسع من أفريل. المستقبل :إذا سلمنا بذلك ما هي ميزة هذه الانتخابات ؟ هنري فارني: طبعا في ما يتعلق بالانتخابات القادمة، لا تختلف عن سابقتها، الفارق الوحيد في هذه الانتخابات هو حجم تمثيل المعارضة، حيث لحد الساعة لم يظهر منافس قوي للرئيس خصوصا بعد انسحاب الرئيس الأسبق اليامين زروال. في الحملتين السابقتين كان هناك تمثيل قوي لمرشحي المعارضة... وقد لاحظنا أن ما يميز هذه الانتخابات هو غياب منافسين من الوزن الثقيل للرئيس في الاستحقاق الرئاسي القادم. وربما هذا راجع لتراجع المعارضة في الجزائر، خصوصا أن ما ميز العهدة الثانية هو تقريبا إضمحلال للطبقة السياسية المعارضة التي شكلت طابور انتظار في الحكومات المتعاقبة. فأغلب رؤوس هذه المعارضة دخلت في التمثيل الحكومي وتنازلت عن مطالبها، مكتفية بالحقائب الوزارية ومن ثمة الدخول في الصف. المستقبل : هل تعتقدون أن الانتخابات القادمة ستشكل قطبا مهما للصحافة الأجنبية وخصوصا منها الفرنسية؟ هنري فارني: أجل نحن في جريدة "الباريزيان" سنعمل على تغطية الحدث بكل حيثياته، وبنفس الحجم الذي قمنا به في الاستحقاقات الانتخابية الفارطة، طبعا هذا إذا منحت لنا التأشيرة... فسنوفد صحفيا ومصورا ... إن اهتمام الصحافة الفرنسية بالحدث هو من أولويات مهامها، ونحن في جريدة "الباريزيان" لنا مقروئية كبيرة من قبل الجالية العربية المتواجدة في فرنسا وخصوصا الجالية الجزائرية، فالجريدة تستقطب اهتمام العديد من الجزائريين الذين يبحثون دائما عن المواضيع التي تتعلق بالبلد الأم، ومن جانبنا نحن لا نغفل هذه الفئة، ونعتقد أن اهتمام الجزائريين في فرنسا بهذه الانتخابات سيكون بنفس حجم اهتمامهم بالانتخابات السابقة. لذا نرى أنه من واجبنا كمهنيين أن نكون جسرا لهذه الجالية. المستقبل : على ذكر الجالية الجزائرية المتواجدة في فرنسا، هل تعتقدون أن هناك شغف من قبل هذه الجالية للبلد الأم الذي يتجلى بالإقبال المكثف على صناديق الاقتراع؟ هنري فارني: لا.. لا أقول أن هناك شغفا، بل هو مجرد اهتمام بالبلد يترجم بالتوجه الكثيف للصناديق، بالإضافة إلى أن هناك وعيا سياسيا متقدما، تمخض عنه هذا الإقبال... أعتقد أن السنوات التي عاشتها الجزائر جراء الإرهاب، لعبت دورها عند هذه الجالية التي رغم كونها بعيدة عما حدث، وهناك من عايش ذلك، فهي تعي كل الوعي أنه يجب البحث عن كل السبل لجعل البلاد مستقرة، وقد لمسنا ذلك من خلال عهدتين سابقتين للرئيس الحالي، فلذلك هي تسعى للانتخاب لتفويت الفرصة على الذين يساومون على استقرار بلدهم الأم. يمكن القول أن الاهتمام والحضور المكثف هو دليل قاطع على أن هناك ارتباطا وطيدا بالبلد الأم. المستقبل : حسب رأيكم، ما هي الرهانات المرتبطة بهذه الانتخابات على صعيد العلاقات بين البلدين؟ هنري فارني: الكل يعلم أنه كان مبرمجا زيارة رسمية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى فرنسا في هذا الشهر، وقد تم إلغاؤها ولا نعرف إن كانت ستبرمج في الأشهر القادمة في حال إعادة انتخابه على كرسي المرادية. أما الرهانات التي تشكل محورا أساسيا على صعيد العلاقات بين البلدين، فهي موجودة ولا يمكن تجاهلها بالنظر لعلاقات الجوار، وبحكم الجغرافيا، وبالنظر للتاريخ المشترك وبالنظر أيضا لكون البلدين شريكين مهمين على ضفة البحر الأبيض المتوسط. فلا يمكن إغفال بأي حال من الأحوال بأن هذه الانتخابات ستشكل دفعا جديدا لهذه العلاقات وربما إيجاد سبل شراكة جديدة بين البلدين، تنعش الفتور الذي شهدته هذه العلاقات في فترات زمنية معينة. المستقبل : ماهي الوسائل التي تعتمدونها في تتبع الأحداث بالجزائر؟ هنري فارني: في الحقيقة معظم الصحف تلجأ لتتبع الأحداث إما عن طريق التلفزيون أو عن طريق ما يكتب في الجرائد الصادرة بالجزائر، وبما أن التلفزيون لا يفي بالغرض ولا يعطي المعلومات اللازمة، فإننا نلجأ لبعض المقالات التي يكتبها زملاؤنا في المهنة بالجزائر، ونعتمد عليها في مصدر معلوماتنا، ثم هناك بعض القنوات الرسمية التي تشكل محطة مهمة في تقصي المعلومة الرسمية مثل وكالات الأنباء... هذا إذا تعلق الأمر بالخبر أو الحدث. أما في أمور تاريخية، فإننا نلجأ للأرشيف. أجرى الحوار: لينا منال /ف الصحفي هنري فورني في سطور
هنري فارني (Henri Varnet ) هو أحد الوجوه الصحفية الفرنسية المعروفة ، له مسار إعلامي متميز، عرف بتحليلاته الدولية المعمقة، عين مؤخرا على رأس قسم السياسة الوطنية والدولية في يومية الباريسيان Le Parisien ، في 2008. كتب سلسلة مقالات عن سياسة ميتران، ومن بعده شيراك، انتقد كثيرا الأنظمة المستبدة، رافق الرهينة الفرنسية المفرج عنها إنغريد بيتنكور في الطائرة وكان أول صحفي يجري حوارا معها بعد احتجازها من طرف القوات المسلحة الثورية الكولومبية. كتب عدة مؤلفات مشتركة مع زملاء له في المهنة كان أولها في 2004 بعنوان "شيراك ضد بوش" وآخرها في 2007 بعنوان: "الإليزي 2007".